Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 2, Ayat: 165-167)
Tafsir: Ġarāʾib al-Qurʾān wa-raġāʾib al-furqān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
القراءات : { ولو ترى } بتاء الخطاب : نافع وابن عامر وسهل ويعقوب . الباقون : بالياء { إذ يرون } بضم الياء من الإراءة : ابن عامر { إن القوة } { وإن الله } بكسر الألف فيهما : يزيد وسهل ويعقوب { إذ تبرأ } بإدغام الذال في التاء وكذا ما أشبهه : هشام وسهل وأبو عمرو وحمزة وعلي وخلف . { يريهم الله } بكسر الهاء والميم : أبو عمرو وسهل . وقرأ حمزة وعلي وخلف ويعقوب بضم الهاء والميم . والباقون بكسر الهاء وضم الميم { بخارجين } بالإمالة : عباس وقتيبة لجوار من النار . الوقوف : { كحب الله } ط { حباً لله } ط { العذاب } لا وكذلك { وجميعاً } لا من قرأ " أن " بالكسر فيهما { شديد العذاب } ه { الأسباب } ه { تبرؤا منا } ط { عليهم } ط { ومن النار } ه . التفسير : أنه سبحانه وتعالى لما قرر للتوحيد الدلائل الباهرة عقبها تقبيح ما يضاده " فبضدها تتبين الأشياء " والند المثل المناد كما سلف . والمراد بالأنداد ههنا هي الأصنام التي اعتقد المشركون أنها تقربهم إلى الله زلفى ، ونذروا لها النذور وقربوا لأجلها القرابين ، وقيل : يعني السادة الذين كانوا يطيعونهم وينزلون على أوامرهم ونواهيهم محلين ما حرم الله ومحرّمين ما أحل . عن السدى : واستدل على تفسيره بأن قوله { يحبونهم } فيه ضمير العقلاء ولأنه من المستبعد أن تكون محبتهم لها كمحبتهم لله تعالى مع علمهم بأنها لا تضر ولا تنفع ولقوله { إذ تبرأ الذين اتبعوا من الذين اتبعوا } وذلك لا يليق إلا بمن اتخذ العقلاء أنداداً وأمثالاً لله تعالى يلتزمون من تعظيمهم والانقياد لهم ما يلتزمه المؤمنون لله تعالى . ويمكن تزييف الحجج بأن ضمير العقلاء جاز عوده إلى الأصنام بناء على اعتقاد الجهلة حيث نظموها في سلك المعبود الحق . قال تعالى { إِن تدعوهم لا يسمعوا دعاءكم ولو سمعوا ما استجابوا لكم } [ فاطر : 14 ] . وأيضاً علمهم بأنها لا تضر ولا تنفع ممنوع ولو علموا بذلك ما أشركوا وأيضاً التبري لا يمتنع من الأصنام بدليل قوله تعالى { ويوم القيامة يكفرون بشرككم } [ فاطر : 14 ] وقال أهل العرفان : كل شيء شغلت قلبك به سوى الله فقد جعلته في قلبك نداً لله تعالى { أفرأيت من اتخذ إلهه هواه } [ الجاثية : 23 ] { يحبونهم } يحبون عبادتهم أو التقرب إليهم والانقياد لهم ، أو يعظمونهم ويخضعون لهم كحب الله من إضافة المصدر إلى المفعول أي كما يحب الله على أنه مصدر من المبني المفعول . وإنما استغنى عن ذكر من يحبه وهم المؤمنون لأنه غير ملتبس . وقيل : كالحب اللازم عليهم لله وقيل : كحبهم الله أي يسوّون بينه وبينهم في محبتهم بناء على أنهم كانوا مقرّين بالله { فإذا ركبوا في الفلك دعوا الله مخلصين له الدين } [ العنكبوت : 65 ] { والذين آمنوا أشدُ حباً لله } لأنهم لا يعدلون عنه إلى غيره في السراء ولا في الضراء ، ولا يجعلون وسائط بينهم وبينه بخلاف المشركين يقولون : هؤلاء شفعاؤنا عند الله . ويعبدون الصنم زماناً ثم يرفضونه إلى غيره ، أو يأكلونه كما أكلت باهلة آلهتها من حيس وهو الأقط والسمن والتمر عام المجاعة وفيهم قال الشاعر : @ أكلـت حنيفـة ربهـا زمـن التجعـم والمجـاعـة لم يحـذروا مـن ربهـم سـوء العـواقـب والتبـاعـة @@ واعلم أن إطلاق محبة العبد لله تعالى قد ورد في القرآن والحديث كما في هذه الآية وكقوله { يحبهم ويحبونه } [ المائدة : 54 ] ويروى أن إبراهيم عليه السلام قال لملك الموت . وقد جاء لقبض روحه - هل رأيت خليلاً يميت خليله ؟ فأوحى الله إليه : هل رأيت خليلاً يكره لقاء خليله . فقال : يا ملك الموت الآن فاقبض . " وجاء أعرابي إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله متى الساعة ؟ فقال : ماذا أعددت لها فقال : ما أعددت كثير صلاة ولا صيام إلا أني أحب الله ورسوله . فقال صلى الله عليه وسلم : المرء مع من أحبه " . ثم إن الأئمة اختلفوا في معناها فقال جمهور المتكلمين : إن المحبة نوع من أنواع الإرادة لا تعلق لها إلا بالجائزات ، ويستحيل تعلق المحبة بذات الله وصفاته ، فمعنى قولنا يحب الله يحب طاعة الله وخدمته أو يحب ثوابه وإحسانه . وأما العارفون فيقولون : إنا نحب الله لذاته لا لغرض ، ولو كان كل شيء محبوباً لأجل شيء آخر دار أو تسلسل وإذا كنا نحب الرجل العالم لعلمه ، والرجل الشجاع لقوته وغلبته ، والرجل الزاهد لبراءة ساحته عن المثالب ، فالله تعالى أحق بالمحبة لأن كل كمال بالنسبة إلى كماله نقص ، والكمال مطلوب لذاته محبوب لنفسه . وكلما كان الاطلاع على دقائق حكمة الله وقدرته وصنعه أكثر كان حبه له أتم ، وبحسب الترقي في درجات العرفان تزداد المحبة إلى أن يستولي سلطان الحب على قلب المؤمن فيشغله عن الالتفات لغيره ويفنى عن حظوظ نفسه ، فيه يسمع وبه يبصر وبه يمشي ويتكلم بلسان الحال " ليس في جبتي سوى الله " فلا يعصي الله طرفة عين ولا يشتغل بحظ نفسه لمحة بصر كما قيل : @ تعصـي الإلـه وأنت تظهر حبه هذا لعمـري في الفعـال بديـع لـو كان حبـك صـادقاً لأطعته إن المحـب لمـن يحب مطيـع @@ ويحب الله ويحب أولياءه ومقربيه ويناوئ أعداءه ومخالفيه { أذلة على المؤمنين أعزة على الكافرين } [ المائدة : 54 ] . @ لعيـن تغـدى ألـف عين ويتقى ويكـرم ألـف للحبيـب المكـرم @@ { ولو يرى } قرئ بالياء والتاء " وأن " " وإن " بالفتح والكسر فههنا أربعة تقديرات : الأول : لو يعلم الذين ظلموا أنفسهم باتخاذ الأنداد إذا عاينوا العذاب يوم القيامة أن القدرة كلها لله على كل شيء من العقاب والثواب دون أندادهم وأن عذاب الله للظالمين شديد ، لكان منهم ما لا يدخل تحت الوصف من الندم والحسرة ووقوع العلم بظلمهم وضلالهم . وحذف جواب " لو " دليل على فخامة شأن المحذوف ليذهب الوهم كل مذهب ويقدر من الفظاعة ما لا يكتنه كنهه كقولهم " لو رأيت فلاناً والسياط تأخذه " بخلاف ما وقع التعبير عنه بلفظ معين . الثاني : ولو ترى - يا محمد أو يا من يتأتى منه الرؤية - هؤلاء الذين ارتكبوا الظلم العظيم بشركهم وقت معاينتهم العذاب بمعاينتهم أن القدرة كلها لله وأنه شديد العذاب ، لرأيت أمراً عظيماً . فعلى هذا " أن " و " إن " مع معمولهما بدل من العذاب . قال الفراء : الوجه فيه تكرير الرؤية أي يرون أن القوة لله جميعاً . الثالث : بياء الغيبة وكسر " إن " و " إن " ومعناه كالأول ، والجملتان معترضتان . أو المعنى لقيل : إن القوة لله . والرابع : على هذا القياس . ودخول " لو " وكذا " إذا " في المستقبل مع " أن " حقهما الدخول على الماضي نظم للمستقبل في سلك الماضي المقطوع به لصدوره عمن لا خلاف في إخباره . وقيل : لأن الساعة قريب فكأنها قد وقعت وكذا الكلام في { إذ تبرأ } وأنه بدل من { إذ يرون العذاب } وقيل : هو معمول شديد . والمراد بالذين اتبعوا القادة والرؤساء من مشركي الإنس . عن قتادة والربيع وعطاء : أو شياطين الجن الذين صاروا متبوعين بالوسوسة عن السدي : وقيل الأوثان . والتبري إما بالقول وهو أقرب ، وإما بظهور العجز والندم بحيث لا يغنون عن أنفسهم من عقاب الله شيئاً فكيف عن غيرهم ؟ { ورأوا العذاب } الواو للحال أي تبرؤا في حال رؤيتهم العذاب { وتقطعت } عطف على { تبرأ } { بهم } أي عنهم فإن " تقطع " في معنى " زال أو وقع " تقطع الأسباب ملتبسة بهم مثل { لقد تقطع بينكم } [ الأنعام : 94 ] بضم النون أو الباء للتعدية كأن أسباب الوصل صارت أسباب القطع ومصالحهم انقلبت عليهم مفاسد . والسبب في اللغة الحبل ثم استعير لكل ما يتوصل به . قالوا : ولا يدعى الحبل سبباً حتى ينزل ويصعد به . والمراد ههنا الوصل التي كانت بينهم من الاتفاق على دين واحد ومن الأنساب والمحاب والأتباع والأشياع والعهود والعقود { لو أن لنا كرة } تمنّ ولذلك أجيب بالغاء كأنه قيل : ليت لنا كرة رجعة إلى الدنيا وإلى حال التكليف والمتبوعون مفتقرون إلى اتباعنا ونصرتنا حتى نتبرأ منهم بعدم النصرة والإعانة كما فعلوا هم اليوم { كذلك } مثل ذلك الإراء الفظيع { يريهم الله أعمالهم حسرات } هو ثالث مفعول " أرى " أو مثل ذلك التبرؤ يريهم أعمالهم حسرات ، فإن ذلك التبرؤ نوع إراءة . والمراد بالأعمال قيل الطاعات لزمتهم فلم يقوموا بها وضيعوها . عن السدي : وقيل المعاصي وأعمالهم الخبيثة يتحسرون لم عملوها . عن الربيع وابن زيد : وقيل ثواب طاعاتهم التي أتوا بها فأحبطوه بالكفر . عن الأصم : وقيل أعمالهم التي تقربوا بها إلى رؤسائهم من تعظيمهم والانقياد لأمرهم . والحسرة شدة الندم على ما فات حتى بقي النادم كالحسير من الدواب وهو الذي لا منفعة فيه . والتركيب يدور على الكشف ومنه انحسر الطائر انكشف بذهاب ريشه . والحاصل أنهم لا يرون مكان أعمالهم إلا حسرات . فيا أيها المغرور بالسلامة ما أعددت ليوم القيامة ، يوم الحسرة والندامة ، يوم يجعل الولدان شيباً ، يوم يدع المسرور كئيباً . الدنيا دار تجارة فالويل لمن تزود منها الخسارة { وما هم بخارجين من النار } استدل الأشاعرة بالتقديم على التخصيص فقالوا : إن أصحاب الكبيرة من أهل القبلة يخرجون من النار . وزعم المعتزلة أن بناء الكلام على " هم " لتقوي الحكم وإفادة التأكيد كقوله تعالى { وهم يخلقون } [ الأعراف : 19 ] فإنه لا يدل على أن غير الأصنام غير مخلوق والله أعلم حسبنا الله ونعم الوكيل نعم المولى .