Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 2, Ayat: 243-245)
Tafsir: Ġarāʾib al-Qurʾān wa-raġāʾib al-furqān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
القراءات : { فيضاعفه } بالألف والنصب : عاصم غير المفضل وسهل " فيضعفه " بالتشديد والنصب : ابن عامر ويعقوب غير روح . فيضعفه بالتشديد والرفع : ابن كثير ويزيد وروح . الباقون فيضاعفه بالألف والرفع وكذلك في سورة الحديد { ويبصط } بالصاد : ابن كثير وأبو جعفر ونافع غير الخزاعي عن ابن فليح ، وابن مجاهد وأبي عون عن قنبل ، وسهل وعاصم وابن ذكوان وغير ابن مجاهد والنقاش وشجاع وعلي الحلواني من قالون مخير . الباقون بالسين . الوقوف : { الموت } ص { أحياهم } ط { لا يشكرون } ه { عليم } ه { كثيرة } ط { ويبسط } ص { ترجعون } ه . التفسير : قد جرت عادته سبحانه أن يذكر بعد بيان الأحكام القصص اعتباراً للسامعين ليحملهم ذلك الاعتبار على ترك التمرد والعناد ومزيد الخضوع والانقياد فقال : { ألم تر } وفيه تقرير لمن سمع بقصتهم ووقف على أخبار الأولين وتعجيب من حالهم . ويجوز أن يخاطب به من لم ير ولم يسمع لأن هذا الكلام جرى مجرى المثل في معنى التعجب ، أو تكون الرؤية بمعنى العلم والمعنى : ألم ينته علمك ولهذا عدي بإلى . وعلى هذا يجوز أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم لم يعرف هذه القصة إلا بهذه الآية ، ويجوز أن يقال : كان العلم بها سابقاً على نزول هذه الآية ، ثم إنه تعالى أنزل الآية على وفق ذلك . روي أن أهل داوردان - قرية قبل واسط - وقع فيهم الطاعون فخرجوا هاربين فأماتهم الله ثم أحياهم ليعتبروا ويعلموا أنه لا مفر من حكم الله وقضائه . ويروى أن حزقيل النبي الذي يقال له : ذو الكفل مر عليهم بعد زمان طويل وقد عريت عظامهم وتفرقت أوصالهم ، فتعجب مما رأى فأوحى إليه : أتريد أن أريك كيف أحيهم ؟ فقال : نعم فقيل له : ناد أيتها العظام إن الله يأمرك أن تجتمعي . فجعلت العظام يطير بعضها إلى بعض حتى تمت العظام . ثم أوحى الله إليه : نادها إن الله يأمرك أن تكتسي لحماً فصارت لحماً ودماً . ثم نادها إن الله يأمرك أن تقومي فقامت . فلما أحياهم كانوا يقولون : سبحانك اللهم ربنا وبحمدك لا إله إلا أنت . ثم رجعوا إلى قومهم بعد حياتهم ، وكانت تظهر أمارات الموت في وجوههم إلى أن ماتوا بعد ذلك بحسب آجالهم . وعن ابن عباس أن ملكاً من ملوك بني إسرائيل أمر عسكره بالقتال فخافوا القتال فهربوا وقالوا لملكهم : إن الأرض التي نذهب إليها فيها الوباء ، فنحن لا نذهب إليها حتى يزول ذلك الوباء . فأماتهم الله بأسرهم وبقوا ثمانية أيام حتى انتفخوا . وبلغ بني إسرائيل موتهم فخرجوا لدفنهم فعجزوا من كثرتهم فحظروا عليهم الحظائر وأحياهم الله تعالى بعد الثمانية ، فبقي فيهم شيء من ذلك النتن وبقي ذلك في أولادهم إلى هذا اليوم وقيل : إن حزقيل النبي ندب قومه إلى الجهاد فكرهوا وجبنوا فأرسل الله تعالى عليهم الموت ، فلما كثر فيهم الموت خرجوا من ديارهم فراراً من الموت ، فلما رأى حزقيل ذلك قال : اللهم إله يعقوب وإله موسى ترى معصية عبادك فأرهم آية في أنفسهم تدلهم على نفاذ قدرتك وأنهم لا يخرجون عن قبضتك . فأرسل الله عليهم الموت فلما رآه عليه السلام ضاق قلبه فدعا مرة أخرى فأحياهم الله تعالى . أما قوله سبحانه { وهم ألوف حذر الموت } ففيه دليل على الألوف الكثيرة ولكنهم اختلفوا . فقيل : عشرة آلاف ، وقيل : ثلاثون ، وقيل : سبعون . وعن بعضهم أن الألوف جمع آلف كقعود جمع قاعد أي خرجوا وهم مؤتلفو القلوب ، وزيف بأن ورود الموت عليهم وفيهم كثرة يفيد مزيد اعتبار بحالهم بخلافهم لو كانوا نفراً يسيراً . فأما ورود الموت على قوم بينهم ائتلاف ومحبة فكوروده على قوم بينهم اختلاف كثير في أن وجه الاعتبار لا يتغير ، وقد يوجه بأن المراد إلفهم بالدنيا ومحبتهم لها فأهلكوا ليعلم أن حرص الإنسان على الحياة لا يعصمه عن الفوت . و { حذر الموت } مفعول لأجله . { فقال لهم الله موتوا } معناه فأماتهم وجيء بهذه العبارة للدلالة على أنهم ماتوا ميتة رجل واحد ، وأنها خارجة عن العادة ولا أمر ولا قول كما مر في قوله { سبحانه إذا قضى أمر فإنما يقول له كن فيكون } [ مريم : 35 ] ويدل عليه قوله { ثم أحياهم } وإذا صح الإحياء بلا قول فكذا الإماتة . ويحتمل أنه تعالى أمر الرسول بأن يقول لهم موتوا . والظاهر أنهم لم يكونوا رأوا عند الموت من الأهوال والأحوال ما تصير بها معارفهم ضرورية ويمنع من صحة التكليف بعد الإحياء كما في الآخرة . وقال قتادة : إنما أحياهم ليستوفوا بقية آجالهم . { إن الله لذو فضلٍ على الناس } تفضل عليهم بأن خرجوا من الدنيا على المعصية فأعادهم إلى الدنيا ومكنهم من التوبة والتلافي ، وتفضل على منكري المعاد باقتصاص خبرهم ليستبصروا ويعتبروا ، وذلك أن تركب الأجزاء على الشكل المخصوص ممكن وإلا لما وجد أولاً ، وإذا كان ممكناً في نفسه ، وقد أخبر الصادق بوجوده وجب القطع به . وفي القصة تشجيع للمسلمين على الجهاد والتعرض للشهادة ، وأن الموت إذا لم ينفع منه الفرار فأولى أن يكون في سبيل الله ، ولهذا أتبعت بقوله { وقاتلوا في سبيل الله } ثم إن كان هذا الأمر خطاباً للذين أحياهم على ما قال الضحاك أحياهم ثم أمرهم بأن يذهبوا إلى الجهاد ، فلا بد من إضمار تقديره ، وقيل لهم : قاتلوا . وإن كان استئناف خطاب للحاضرين على ما هو اختيار الجمهور من المفسرين فلا إضمار ، وفيه ترغيب وإرهاب كيلا ينكص على عقبيه محب للحياة بسبب خوف الموت فإن الحذر لا يغني عن القدر . { واعلموا أن الله سميع عليم } يسمع ما يقوله القاعدون والمجاهدون ويعلم ما يضمرونه وهو من وراء الجزاء . ولما أمر المكلفين بالقتال في سبيل الله أردف ذلك بقوله { من ذا الذي يقرض الله قرضاً حسناً } أي في باب الجهاد ، كأنه ندب العاجز عن الجهاد أن ينفق على الفقير القادر على الجهاد ، وأمر القادر على الجهاد أن ينفق على نفسه في طريق الجهاد . و " ذا " في { من ذا } إما زائدة و " من " استفهام في موضع الرفع ، و " الذي " مع صلتها خبره أو موصولة و " الذي " بدلها أو اسم إشارة خبر " من " و " الذي " نعت له ، أو بدل منه . قال أبو البقاء : ولا يجوز أن يكون " من " و " ذا " بمنزلة اسم واحد كما كانت " ماذا " لأن " ما " أشد إبهاماً من " من " إذا كانت " من " لمن يعقل . وقد بني الكلام على طريقة الاستفهام لأن ذلك أدخل في الترغيب والحث على الفعل من ظاهر الأمر . وقيل : إن هذا الكلام مبتدأ لا تعلق له بما قبله ، وإنما ورد مستأنفاً في الإنفاق إما على الإطلاق وهو الأليق بعموم لفظ القرض ، وإما الواجب منه لأن قوله { وإليه ترجعون } كالزجر . وهو إنما يليق بالواجب ، وأما غير الواجب لأن القرض بالتبرع أشبه وهذا قول الأصم . وقد يروى عن بعض أصحاب ابن مسعود أن المراد من هذا القرض هو قول الرجل " سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر " . وعن النبي صلى الله عليه وسلم " من لم يكن عنده ما يتصدق به فليلعن اليهود فإنه له صدقة " ويشبه أن يكون الفقير الذي لا يملك شيئاً إذا كان في قلبه أنه إذا قدر أنفق وأعطى ، قامت تلك النية مقام الإنفاق . وعن الزجاج أن لفظ القرض حقيقة في كل ما يفعل ليجازى عليه . وأصل القرض القطع ومنه المقراض والانقراض لانقطاع الأثر ، ومن أقرض فكأنما قطع له من ماله أو عمله قطعة يجازى عليها . وقيل : إن لفظ القرض في الآية مجاز ، فإن القرض إنما يأخذه من يحتاج إليه لفقره وذلك في حق الله محال ، ولأن البدل في القرض المعتاد لا يكون إلا بالمثل وهنا يضاعف ، ولأن المال الذي يأخذه المستقرض لا يكون ملكاً له وههنا المال المأخوذ ملك الله . ثم مع حصول هذه الفروق سماه الله تعالى قرضاً تنبيهاً على أن ذلك لا يضيع عند الله . فكما أن القرض يجب أداؤه ولا يجوز الإخلال به فكذا الثواب المستحق على هذا الإنفاق واصل إلى المكلف لا محالة . وقوله { قرضاً حسناً } يحتمل كونه اسم مصدر وكونه مصدراً بمعنى الإقراض . ومعنى كونه حسناً حلالاً خالصاً لا يختلط به الحرام ولا يشوبه منٌ ولا أذى ولا يفعله رياء وسمعة ، وإنما يفعله خالصاً لوجه الله تعالى . و { أضعافاً } نصب على الحال أو على المفعول الثاني إن ضمن ضاعف معنى صير ، ويجوز أن يكون مصدراً لأن الضعف وإن كان اسماً إلا أنه قد يقع موقع المصدر كالعطاء فإنه اسم للمعطى ، وقد يستعمل بمعنى الإعطاء قال القطامي : @ أكفراً بعد رد الموت عني وبعد عطائك المائة الرتاعا ؟ @@ وإنما جاز جمع المصدر بحسب اختلاف أنواع الجزاء لاختلاف الإقراض في المقدار والإخلاص وغير ذلك . والضعف المثل ، والتضعيف والأضعاف والمضاعفة كلها الزيادة على أصل الشيء حتى يصير مثلين أو أكثر . قيل : الواحد بسبعمائة . وعن السدي أن هذا التضعيف لا يعلم أحدكم هو وما هو ، وإنما أبهمه الله تعالى لأن ذكر المبهم في باب الترغيب أقوى من ذكر المحدود { والله يقبض ويبسط } يقتر على عباده ويوسع فلا تبخلوا عليه بما وسع عليكم لا يبدلكم الضيقة بالسعة . وأيضاً من كتب له الفقر فليس له إلا ذلك سواء أنفق أو لم ينفق ، ومن كتب له الغنى فليس له إلا ذلك . فعلى التقديرين يكون إنفاق المال في سبيل الله أولى . وإذا علم المكلف أن القبض والبسط بالله انقطع نظره عن مال الدنيا وبقي اعتماده على الله ، فحينئذٍ يسهل عليه الإنفاق في مرضاة الله . ويحتمل أن يكون المعنى : والله يقبض بعض القلوب حتى لا يقدم على هذه الطاعة ، ويبسط بعضها حتى يسهل عليه البذل وصرف المال . { وإليه ترجعون } فيجازيكم بحسب ما قدمتم من أعمال الخير و الله ولي التوفيق وإليه انتهاء الطريق .