Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 2, Ayat: 75-82)

Tafsir: Ġarāʾib al-Qurʾān wa-raġāʾib al-furqān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

القراءات : { إلا أماني } حيث كان خفيفاً : يزيد إلا قوله { تلك أمانيهم } { وليس بأمانيكم ولا أماني } { وغرتكم الأماني } فإن أربعتهن بالإسكان عنده { بأيديهم } بضم الهاء : يعقوب ، وكذلك كل هاء كناية قبلها ياء ساكنة { خطيآته } بالجمع : أبو جعفر ونافع . الوقوف : { يعلمون } ( ه ) { آمنا } ( ج ) والوصل أجوز لبيان حالتيهما المتناقضتين وهو المقصود { عند ربكم } ( ط ) { أفلا تعقلون } ( ه ) { يعلنون } ( ه ) { يظنون } ( ج ) { قليلاً } ( ط ) { يكسبون } ( ه ) { معدودة } ( ط ) { ما لا تعلمون } ( ه ) { النار } ( ج ) لأن الجملة مبتدأ وخبر بعد خبر . { خالدون } ( ه ) { الجنة } ( ج ) { خالدون } ( ه ) . التفسير : لما ذكر الله سبحانه وتعالى قبائح أسلاف اليهود وسوء معاملتهم مع نبيهم ، أردفها قبائح أخلافهم المعاصرين لرسول الله صلى الله عليه وسلم فكأنه قيل : إذا كان هذا أفعالهم فيما بينهم ، فكيف تطمعون أيها النبي صلى الله عليه وسلم والمؤمنون في أن يؤمنوا أي يحدثوا الإيمان لأجل دعوتكم ويستجيبوا لكم ؟ كقوله { فآمن له لوط } { وقد كان فريق منهم } طائفة من أسلافهم { يسمعون كلام الله } وهو ما يتلونه من التوراة { ثم يحرفونه } كما حرفوا صفة رسول الله صلى الله عليه وسلم وآية الرجم . وقيل : هم قوم من الذين حضروا الميقات ، سمعوا كلام الله حين كلم موسى بالطور وما أمر به ونهى عنه ثم قالوا : سمعنا الله يقول في آخره إن استطعتم أن تفعلوا هذه الأشياء فافعلوا وإن شئتم فلا تفعلوا فلا بأس { من بعد ما عقلوه } فهموه وضبطوه بعقولهم من غير ما شبهة { وهم يعلمون } أنهم مفترون كذابون . والمعنى إن كفر هؤلاء وحرفوا فلهم سابقة في ذلك كما تقول للرجل : كيف تطمع أن يفلح فلان وأستاذه فلان يأخذ عنه لا عن غيره ؟ فهؤلاء المقلدة لا يقبلون إلا قول معلميهم وأحبارهم الذين تعمدوا التحريف عناداً أو لضرب من الأغراض الدنيوية { وإذا لقوا } أي اليهود قال منافقوهم : آمنا بأنكم على الحق ونشهد أن صاحبكم صادق ، ونجده بنعته وصفته في كتابنا . { وإذا خلا بعضهم } الذين لم ينافقوا { إلى بعض } الذين نافقوا { قالوا } عاتبين عليهم { أتحدثونهم بما فتح الله عليكم } بما بين لكم في التوراة من نعته وصفته مأخوذ من قولهم " قد فتح على فلان في علم كذا أي رزق ذلك وسهل له طلبه ، أو قال المنافقون لغيرهم يرونهم التصلب في دينهم : أتحدثونهم إنكاراً عليهم أن يفتحوا عليهم شيئاً في كتابهم فينافقون المؤمنين وينافقون اليهود { ليحاجوكم به عند ربكم } ليحتجوا عليكم بما أنزل ربكم في كتابه . جعلوا محاجتهم به وقولهم " هو في كتابكم هكذا " محاجة عند الله . ألا تراك تقول : هو في كتاب الله كذا وهو عند الله كذا بمعنى واحد ؟ وعن الحسن : ليحاجوكم في ربكم لأن المحاجة فيما ألزم تعالى من اتباع الرسل محاجة فيه أي دينه . وقال الأصم : يحاجوكم يوم القيامة عند المساءلة فيكون زيادة في توبيخكم ، فكان القوم يعتقدون أن ذلك مما يزيد في فضيحتهم في الآخرة . وقيل : ليحاجوكم به على وجه الديانة والنصيحة ، لأن من يذكر الحجة على هذا الوجه قد يقول لصاحبه : أزحت علتك عند الله وأقمت عليك الحجة بيني وبين ربي ، فإن قبلت أحسنت إلى نفسك ، وإن جحدت كنت الخاسر الخائب . وقيل : لتصيروا محجوجين بتلك الدلائل في حكم الله كما يقال : فلان عندي عالم أي في اعتقادي وحكمي . وهذا عند الشافعي كذا ، وعند أبي حنيفة كذا { أفلا تعقلون } أن ذلك لا يليق بما أنتم عليه فإنكم إذا حدثتموهم بالذي يحاجونكم به رجع وباله عليكم { أو لا يعلمون أن الله يعلم } جميع { ما يسرون وما يعلنون } ومن ذلك إسرارهم الكفر وإعلانهم الإيمان ، خوّفهم الله تعالى بذلك لأنهم كانوا يعرفون أن الله يعلم السر والعلانية { ومنهم أميون } لا يحسنون الكتب فيطالعوا التوراة ويتحققوا ما فيها كأنه منسوب إلى الأم وهو أصل الشيء ، فالأمي على أصل فطرته لم يكتسب علماً وكتابة { لا يعلمون الكتاب } التوراة { إلا أماني } وأحدها أمنية على أفعولة من مني إذا قدر . تقول : منه تمنيت الشيء ومنيته غيري تمنية ، لأن المتمني يقدر في نفسه ويجوّز ما يتمناه ، وأماني اليهود هي أن الله يعفو عنهم ويرحمهم ولا يؤاخذهم بخطاياهم ، وأن آباءهم الأنبياء يشفعون لهم ، وما يمنيهم الأحبار من أن النار لا تمسهم إلا أياماً معدودة . وقيل : الأماني الأكاذيب المختلفة التي سمعوها من علمائهم فقبلوها على التقليد . يقال : أهذا شيء رويته أم تمنيته أم اختلقته ؟ وذلك أن المختلق يقدر أن كلمة كذا بعد كذا . وفي الصحاح أنه مقلوب المين وهو الكذب . وقيل : إلا ما يقرأون من قولهم " تمنيت الكتاب قرأته " قال الشاعر يرثي عثمان : @ تمنـى كتـاب الله أوّل ليلـة وآخرهـا لا فـي حمـام المقـادر @@ والقارئ مقدر الكلمات كالمختلق ، وعلى هذا يكون الاستثناء متصلاً كأنه قيل : لا يعلمون الكتاب إلا بقدر ما يتلى عليهم فيسمعونه ، وبقدر ما يذكر لهم فيقبلونه . ثم إ نهم لا يتمكنون من التدبر والتأمل ، وعلى الأول يكون استثناء منقطعاً . ومن قرأ { أماني } بالتخفيف حذف المد كما يقال مفاتح { وإن هم إلا يظنون } كالمحقق لما تقدمه من قوله { لا يعلمون الكتاب إلا أماني } ذكر الفرقة الضالة المضلة المحرفة ، ثم الفرقة المنافقين منهم ، ثم الفرقة المجادلة لأهل النفاق ، ثم العوام المقلدة ، ونبه على أنهم في الضلال سواء ، لأن للعالم أن يعمل بعلمه وعلى العامي أن لا يرضى بالتقليد والظن إن كان متمكناً من العلم ولا سيما في أصول الدين ، الويل كلمة يقولها كل مكروب ، وعن ابن عباس : أنه العذاب الأليم . وعن الثوري : صديد أهل الجحيم . وعن رسول الله صلى الله عليه وسلم : " واد في جهنم يهوي فيه الكافر أربعين خريفاً قبل أن يبلغ قعره " . وقال عطاء بن يسار : الويل واد في جهنم ، لو أرسلت فيه الجبال لماعت من حره . ولا شبهة في دلالتها على نهاية الوعيد والتهديد { يكتبون الكتاب } المحرف { بأيديهم } تأكيد كما تقول للمنكر هذا ما كتبته بيمينك . حكى عنهم أمرين : كتبة الكتاب وإسناده إلى الله . فالوعيد مرتب على كل منهما وعلى مجموعهما إلا أنه على الثاني أبلغ ولهذا جيء بـ " ثم " وقوله { ليشتروا به ثمناً قليلاً } تنبيه على شقاوتهم ، فإنهم استبدلوا النفع الحقير العاجل الزائل بالأجر العظيم الآجل الدائم { فويل لهم مما كتبت أيديهم } أي مما أسلفت من كتبها ما لم يكن يحل لهم { وويل لهم مما يكسبون } بذلك بعد من الرشا على التحريف وفي إعادة الويل في الكسب دليل على أن الوعيد كما يلحقهم بسبب الكتبة وإسنادها إلى الله ، فكذلك يلحقهم بسبب أخذ المال عليه ليعلم أن أخذ المال على الباطل محرم وإن كان بالتراضي { وقالوا لن تمسنا النار } نوع آخر من قبائح أفعالهم وهو جزمهم بأن الله تعالى لا يعذبهم إلا أياماً معدودة قليلة ، وهذا الجزم مما لا سبيل إليه بالعقل ألبتة ، ولا دليل له سمعياً فلا يجزم به عاقل . والأيام المعدودة قالوا : أربعون يوماً هي أيام عبادة العجل . وعن مجاهد قالوا : مدة الدنيا سبعة آلاف سنة ، وإنما نعذب مكان كل ألف سنة يوماً لأن يوماً عند الله ألف سنة . وأيام معدودة ومعدودات كلاهما فصيح مثل الأيام مضت ومضين . والعهد ههنا يجري مجرى الوعد والخبر ، لأن خبره سبحانه كالعهود المؤكدة منا بالقسم والنذر . و { أتخذتم } استفهام بطريق الإنكار ، وإنه يدل على عدم الدليل السمعي . { فلن يخلف الله عهده } لتنزهه سبحانه عن كل نقيصة وخلاف الخبر أنقص النقائص . فإن قيل : هب أن الخلف في الوعد لؤم ونقيصة ، لكنه في الوعيد كرم ولطف . قلنا : الخلف من حيث هو كذب قبيح لا يجوّزه كامل ، ولعل للكرم طريقاً آخر سوى هذا فتأمل . و " أم " إما معادلة بمعنى أي الأمرين كائن على سبيل التقدير لأن العلم واقع بكون أحدهما وهذا من الكامل المنصف نحو { وإِنا أو إياكم لعلى هدى أو في ضلال مبين } [ سبأ : 8 ] ، ويجوز أن تكون منقطعة بمعنى " بل أتقولون " كأنه أعرض عن الاستفهام الأول واستأنف سؤالاً ثانياً . فالاستفهام الأول لتقرير النفي ، والاستفهام الثاني لتقرير الإثبات . وفي الآية تنبيه على أن القول بغير دليل باطل وأن كل ما جاز وجوده وعدمه عقلا لم يجز المصير إلى الإثبات أو إلى النفي إلا بدليل سمعي . ولا حجة لمنكري القياس وخبر الواحد فيه لأنه لما دل الدليل على وجوب العمل عند حصول الظن المستند إلى القياس أو إلى خبر الواحد ، كان وجوب العمل معلوماً فكان القول به قولاً بالمعلوم { بلى } إثبات لما بعد حرف النفي وهو قوله { لن تمسنا النار } أي بلى تمسكم أبداً بدليل قوله تعالى { هم فيها خالدون } عن ابن عباس : وجد أهل الكتاب ما بين طرفي جهنم مسيرة أربعين فقالوا : لن نعذب في النار إلا ما وجدنا في التوراة ، وإذا كان يوم القيامة أقحموا في النار فساروا في العذاب حتى انتهوا إلى شفير سقر وفيها شجرة الزقوم إلى آخر يوم من الأيام المعدودة قال لهم خزنة أهل النار : يا أعداء الله ، زعمتم أنكم لن تعذبوا في النار إلا أياماً معدودة ، فقد انقضى العدد وبقي الأبد . قلت : وفي مثل حالهم ضلال الفلاسفة القائلين بأن الأرواح وإن صارت مكدرة بقبائح أفعال الأشباح ، إلا أنها بعد المفارقة ورجوع العناصر إلى أصلها تصير إلى حظائر القدس ، ولا يزاحمها شيء من قبائح الأعمال إلا أياماً معدودة بقدر فطام الأرواح عن لبان التمتعات الحيوانية ، ثم تتخلص من العذاب وترجع إلى حسن المآب . ومنهم من زعم أن استيفاء اللذات الحسية يقلل التعلقات الدنيوية ويسهل عروج الروح إلى عالمه العلوي ، وكل هذا خيال فاسد ومتاع كاسد ، وإنه قول من لم يجرب ولم يجد من نفسه أنها كيف تتدنس وتتكدر بالأخلاق الذميمة البهيمية والسبعية ، وكيف تتصفى وتتطهر بالأخلاق الحميدة الروحانية الملكية ، فغمر بصدإ مرآة القلب بحيث لا يبقى فيه شيء من الصفاء الفطري { كلا بل ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون } [ المطففين : 14 ] فلا يجلوها إلا مرور الدهور وكرور الأعصار . وقد ينضم الكفر إلى تلك الأخلاق فيبقى خالداً مخلداً في النار ، في ويل طويل وزفير وعويل ، نعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا . والسيئة أصلها سيوئة من ساءه يسوءه سوأ ومساءة ، فقلبت الواو ياء وأدغمت ، وهي من الصفات الغالبة . وقوله { سيئة } يتناول جميع المعاصي صغرت أو كبرت ، فضم إليها شرط آخر وهو كون السيئة محيطة به ليختص بالكبيرة . ولفظ الإحاطة حقيقة في المجسمات إحاطة السور بالبلد والظرف بالمظروف ، فنقل إلى الخطيئة وهي عرض لمعنيين من جهة أن المحيط يستر المحاط به . والكبيرة تستر الطاعات ، ومن جهة أن الكبيرة تحبط الطاعات وتستولي عليها إحاطة العدو بالإنسان بحيث لا يتمكن الإنسان من الخلاص عنهم . والآية وإن وردت في اليهود فالعبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب ، وبمثلها تتمسك المعتزلة في إثبات الوعيد لأصحاب الكبائر إذا ماتوا قبل التوبة ، وفسر غيرهم الخطيئة المحيطة بالكفر فيه تتحقق الإحاطة التامة . واعلم أن في المسألة خلافاً لأهل القبلة . منهم من قطع بوعيدهم إما مؤبداً - وهو قول جمهور المعتزلة والخوارج - وإما منقطعاً - وهو قول بشر المريسي والخالدي ومنهم من قطع بأنه وعيد لهم وينسب إلى مقاتل بن سليمان المفسر . والذي عليه أكثر الصحابة والتابعين وأهل السنة والإمامية ، القطع بأنه سبحانه يعفو عن بعض العصاة ، وأنه إذا عذب أحدهم فلا يعذبه أبداً ، لكنا نتوقف في حق البعض المعفو عنه والبعض المعذب على التعيين . أما المعتزلة فاستدلوا بعمومات وردت في وعيد الفساق كقوله { ومن يعص الله ورسوله ويتعد حدوده يدخله ناراً خالداً فيها } [ النساء : 14 ] وقوله { وإن الفجار لفي جحيم } [ الإنفطار : 14 ] وقوله { إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلماً إنما يأكلون في بطونهم ناراً } [ النساء : 10 ] ومن الحديث " من شرب الخمر في الدنيا ولم يتب منها لم يشربها في الآخرة . ومن قتل نفساً معاهداً لم يرح رائحة الجنة ، الذي يشرب في آنية الذهب والفضة إنما يجرجر في بطنه نار جهنم " وعن أبي سعيد الخدري قال صلى الله عليه وسلم " والذي نفسي بيده لا يبغضنا أهل البيت رجل إلا دخل النار " وإذا استحقوا النار ببغضهم فلأن يستحقوا النار بقتلهم أولى . وأجيب بالمنع من أن هذه الصيغ للعموم بدليل صحة إدخال الكل والبعض عليها نحو : كل من دخل داري فله كذا ، أو بعض من دخل . ولا يلزم منه تكرير ولا تناقض ، ولأن الأكثر قد يطلق عليه لفظ الكل ، ولاحتمال المخصصات . القاطعون بنفي العقاب عن أهل الكبائر احتجوا بنحو قوله تعالى { إن الخزي اليوم والسوء على الكافرين } [ النحل : 27 ] { يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله } [ الزمر : 53 ] { وإن ربك لذو مغفرة للناس على ظلمهم } [ الرعد : 6 ] { لا يصلاها إلا الأشقى . الذي كذب وتولى } [ الليل : 15 - 16 ] وبالعمومات الواردة في الوعد مثل { والذين يؤمنون بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك } [ البقرة : 3 ] الآية . حكم بالفلاح على كل من آمن . وعورض بعمومات الوعيد . أما أصحابنا الذين قطعوا بالعفو في حق البعض والتوقف في البعض ، فقد تمسكوا بنحو قوله عز من قائل { إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء } [ النساء : 48 ] وبأن عمومات الوعد والوعيد لما تعارضتا فلا بد من الترجيح لجانب الوعد بصرف التأويل إليه ، لأن العفو عن الوعيد مستحسن في العرف ، وإهمال الوعد باضد . وأيضاً القرآن مملوء من قوله { عفواً غفوراً } { رحيماً } { كريماً } . وكذا الأخبار في هذا المعنى تكاد تبلغ حد التواتر . وأيضاً إن صاحب الكبيرة أتى بما هو أفضل الخيرات وهو الإيمان ، ولم يأت بما هو أقبح القبائح وهو الكفر ، ولا يهدمه ما سوى الكفر من المعاصي ، ولهذا قال يحيى بن معاذ الرازي : إلهي إذا كان توحيد ساعة يهدم كفر خمسين سنة ، فتوحيد خمسين سنة كيف لا يهدم معصية ساعة ؟ إلهي لما كان الكفر لا ينفع معه شيء من الطاعات ، كان مقتضى العدل أن الإيمان لا يضر معه شيء من المعاصي ، وإذا دلت الآيات على الوعد والوعيد فلا بد من التوفيق بينهما . فإما أن يصل العبد إلى دار الثواب ثم إلى دار العقاب وهو باطل بالإجماع ، أو يصل إليه العقاب ثم ينقل إلى دار الثواب ويبقى هناك أبد الآباد وهو المطلوب . واعلم أن مذهب الأصحاب إلى الأدب أقرب من حيث إنهم يصفونه بصفات الجمال كالعفو والمغفرة ، وبصفات الجلال كالقهر والانتقام ، ولكن لا يوجبون عليه ثواباً ولا عقاباً ، لأنه يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد . ومن حيث إنهم لا يعينون البعض المستحق للثواب ولا البعض المستحق للعقاب من المسلمين ، لأن فعله مبرأ عن التعلل بلواحق الغايات وسوابق البواعث . ومذهب المعتزلة إلى الاحتياط أقرب ، فإن من خوّفك حتى تبلغ الأمن خير ممن أمنك حتى تبلغ الجوف .