Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 27, Ayat: 1-14)

Tafsir: Ġarāʾib al-Qurʾān wa-raġāʾib al-furqān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

القراءات : { إني آنست } بفتح الياء : أبو جعفر ونافع وابن كثير وأبو عمرو . { بشهاب } منوناً على أن قبساً وهو بمعنى مقبوس بدل أو صفة : عاصم وحمزة وعلي وخلف ورويس . الباقون بالإضافة { من في النار } ممالة : عليّ غير ليث وابي حمدون وحمدويه وحمزة وفي رواية ابن سعدان والنجاري عن ورش وأبو عمرو غير إبراهيم بن حماد وكذلك في " القصص " . الوقوف : { طس } ه { مبين } ه لا بناء على أن { هدى } حال والعامل معنى الإشارة في { تلك } أو هو مرفوع بدلاً من { الآيات } أو خبراً بعد خبر وإن كان التقدير هي هدى به فلك الوقف { للمؤمنين } ه لا لأن { الذين } صفتهم { يوقنون } ه { يعمهون } ه ط تنصيصاً على أن { أولئك } مبتدأ مستأنف { الأخسرون } ه { عليم } ه { ناراً } ه { تصطلون } { حولها } ط { العالمين } ه { الحكيم } ه لا للعطف الجملتين الداخلتين تحت النداء { عصاك } ط للعدول عن بيان حال الخطاب إلى ذكر حال المخاطب مع حذف أي فألقاها فحييت { ولم يعقب } ط لابتداء النداء { المرسلون } ه لا لأن " إلاّ " إن كان بمعنى " لكن " فالاستدراك يوجب الوصل أيضاً . { رحيم } ه { وقومه } ط { فاسقين } ه { مبين } ج ه للآية والعطف { وعلواً } ط لاختلاف الجملتين وتعظيم الأمر بالاعتبار بعد حذف أي فأغرقناهم { المفسدين } ه . التفسير : تلك الآيات التي تضمنتها هذه السورة آيات القرآن الذي علم أنه منزل مبارك مصدق لما بين يديه وكتاب مبين . فإن أريد به اللوح فآياته أنه أثبت فيه كل كائن ، وإن أريد به السورة أو القرآن فالغرض تفخيم شأنهما من قبل التنكير . فآياتهما أن إعجازهما ظاهر مكشوف وفيهما من العلوم والحكم ما لا يفخى ، ولأن الواو لا تفيد الترتيب فلا حكمة ظاهرة في عكس الترتيب بين ما ههنا وبين ما في أول " الحجر " . ومعنى كون الآيات هدى وبشرى أنها تزيد في إيمانهم وتبشرهم بالثواب . قال جار الله : يحتمل أن يكون قوله { وبالآخرة هم يوقنون } من تتمة الموصول إلا أن الأوجه أن يكون جملة مستقلة ابتدائية شبيهة بالمعترضة بدليل تكرير المبتدأ الذي هو هم فكأنه قيل : وما يؤمن بالآخرة حق الإيقان إلا هؤلاء الجامعون بين الإيمان والعمل الصالح ، لأن خوف العاقبة هو الذي يسهل عليهم متاعب التكاليف . وأقول : إنه وصفهم بالإيمان ليكون إشارة إلى معرفتهم المبتدأ ، ثم وصفهم بإقامة الصلاة وإيتاء الزكاة وهما الطاعة بالنفس والمال ، وهذه إشارة إلى وسط . ثم وصفهم بمعرفة المعاد فلا أحسن من هذا النسق . وفيه أن المهتدي بالقرآن حقيقة هو الذي يكون موقناً بأحوال المعاد لا شاكاً فيها ، آتياً بالطاعات للاحتياط قائلاً : إن كنت مصيباً فيها فقد نلت السعادة وإن كنت مخطئاً فلم تفتني إلا لذات يسيرة زائلة . ثم أورد وعيد المنكرين للمعاد وإسناد تزيين الأعمال إلى الله ظاهر على قول الأشاعرة ، وأما المعتزلة فتأولوه بوجوه منها : أنه استعارة فكأنه لما متعهم بطول العمر وسعة الرزق وجعلوا ذلك التمتع ذريعة إلى اتباع الشهوات وإيثار اللذات فقد زين لهم بذلك أعمالهم . ومنها أنه مجاز حكمي وهو الذي يصححه بعض الملابسات . ولا ريب أن إمهال الشيطان وتخليته حتى زين لهم أعمالهم كما قال { وزين لهم الشيطان أعمالهم } [ النمل : 24 ] ملابسة ظاهرة للتزيين . ومنها أنه أراد زيناً لهم أمر الدين ولا يلزمهم أن يتمسكوا به وذلك أن بينا لهم حسنه وما لهم فيه من الثواب { فهم يعمهون } يعدلون ويتحيرون عما زينا لهم قاله الحسن { لهم سوء العذاب } أي القتل والأسر كيوم بدر . ثم مهد مقدمة لما سيذكر في السورة من الأخبار العجيبة فقال { وإنك لتلقى القرآن } لتؤتاه وتلقنه من عند أيّ حكيم وأيّ عليم . و { إذ قال } منصوب بـ { عليم } أو باذكر كأنه قيل : خذ من آثار حكمته وعلمه قصة موسى العجيبة الشأن . والخبر خبر الطريق لأنه كان قد ضله . وفي قوله { سآتيكم } مع قوله في " طه " و " القصص " { لعلي آتيكم } [ طه : 10 ] دليل على أنه كان قوي الرجاء إلا أنه كان يجوّز النقيض ، وعد أهله بأنه يأتيهم بأحد الأمرين وإن أبطأ لبعد المسافة أو غيره . قالوا : في " أو " دليل على أنه جزم بوجدان أحد الأمرين ثقة بعناية الله تعالى أنه لا يكاد يجمع بين حرمانين على عبده والاصطلاء بالنار الاستدفاء بها والاجتماع عليها وإنما خصت هذه السورة بقوله { فلما جاءها } وقد قال في " طه " و " القصص " { فلما أتاها } [ طه : 11 ] { نودي } لأنه كرر لفظ { آتيكم } ههنا بخلاف السورتين فاحترز من تكرار ما يقاربه في الاشتقاق مرة أخرى . و { أن } مفسرة لأن النداء فيه معنى القول لا مخففة من الثقيلة بدليل فقدان " قد " في فعلها . قال جار الله : معنى { بورك من في النار } بورك من في مكان النار ، ومن حول مكانها ، ومكانها البقعة التي حصلت النار فيها كما قال في القصص { نودي من شاطئ الوادي الأيمن في البقعة المباركة } [ القصص : 30 ] وسبب البركة حدوث أمر ديني فيها وهو تكليم الله إياه وإظهار المعجزات عليه . وقيل : معنى بورك تبارك ، والنار بمعنى النور أي تبارك من في النار وهو الله سبحانه مروي عن ابن عباس . وعن قتادة والزجاج أن من في النار هو نور الله ، ومن حولها الملائكة . وقال الجبائي : ناداه بكلام سمعه من الشجرة في البقعة المباركة وهي الشأم فكانت الشجرة محلاً للكلام والمتكلم هو الله بأن خلقه فيها ، ثم إن الشجرة كانت في النار ومن حولها الملائكة . وقيل : من في النار هو موسى لقربه منها ، ومن حولها الملائكة . وفي الابتداء بهذا الخطاب عند مجيء موسى بشارة له بأنه قد قضي أمر عظيم تنتشر منه البركة في أرض الشأم . وفي قوله { وسبحان الله رب العالمين } تنزيه له عما لا يليق بذاته من الحدوث والحلول ونحوهما مما هو من خواص المحدثات ، وتنبيه على أن الكائن من جلائل الأمور التي لا يقدر عليها إلا رب العالمين . والهاء في { إنه } إما للشأن وإما راجع إلى ما دل عليه سياق الكلام أي أن المتكلم { انا } وعلى هذا فالله مع وصفيه بيان لانا وفيه تلويح إلى ما أراد إظهاره عليه ، يريد أنا القادر القوي على إظهار الخوارق الحكيم الذي لا يفعل جزافاً ولا عبثاً . وقوله { وألق عصاك } معطوف على { بورك } وكلاهما تفسير { نودي } والمعنى : قيل له بورك وألق : ومعنى { لم يعقب } لم يرجع يقال : عقب المقاتل إذا كر بعد الفر . وإنما اقتصر ههنا على قوله { لا تخف } ولم يضف إليه أقبل كما في " القصص " لأنه أراد أن يبني عليه قوله { إني لا يخاف لدي المرسلون } وسبب نفي الخوف عن الرسل مشاهدة مزيد فضل الله وعنايته في حقهم . ثم استثنى من ظلم منهم بترك ما هو أولى به ، وقد مر بحث عصمة الأنبياء في أول " البقرة " . وفي الآية لطائف وإشارات منها : أنه أشار بقوله { أني لا يخاف لديّ المرسلون } إلى أن موسى قد جعل رسولاً . ومنها أنه أشار بقوله { إلا من ظلم } إلى ما وجد من موسى في حق القبطي ، وبقوله { ثم بدل حسناً بعد سوء } أي توبة بعد ذنب إلى قول موسى { رب إِنّي ظلمتُ نفسي فاغفر لي } [ القصص : 16 ] وقرئ " الا " بحرف التنبيه . ومنها أنه أشار بقوله { ثم بدل } معطوفاً على { ظلم } إلى أن النبي المرسل بدّل النية ولم يصر على فعله وإلا كان هذا العطف مقطوعاً عن الكلام ضائعاً ، فإنه إذا ظلم ولم يبدل كان خائفاً أيضاً . ومنها أنه أشار بقوله { فإني غفور رحيم } إلى أن الخوف وإن لحق المستثنى إلا أنه منفي عنه أيضاً بسبب غفرانه ورحمته ، فنفي الخوف ثابت على كل حال فهذا الاستثناء قريب من تأكيد المدح بما يشبه الذم كقوله : @ هو البدر إلا أنه البحر زاخر @@ وكقوله : @ ولا عيب فيهم غير أن سيوفهم بهن فلول من قراع الكتائب @@ وهذه اللطائف مما سمح بها الخاطر أوان الكتابة أرجو أن تكون صواباً إن شاء العزيز . قوله { وأدخل يدك } وفي " القصص " { اسلك يدك } [ القصص : 32 ] موافقة لأضمم ولأن المبالغة في { أدخل } أكثر منها في { أسلك } لأن سلك لازم ومتعد . وهناك قال { فذانك برهانان } [ القصص : 32 ] وههنا قال { في تسع آيات } وكان أبلغ في العدد فناسب الأبلغ في اللفظ . قال النحويون : متعلق الجار محذوف مستأنف أي أذهب في تسع آيات . أو المراد وأدخل يدك في تسع أي في جملتهن وعدادهن ، اذهب إلى فرعون . وتفسير التسع قد مر في آخر " سبحان " وإنما قال ههنا { إلى فرعون وقومه } دون أن يقول { وملئه } [ الآية : 32 ] كما في القصص لأن الملأ أشراف القوم وقد وصفهم ههنا بقوله { فلما جاءتهم } إلى قوله { ظلماً وعلواً } فلم يناسب أن يطلق عليهم لفظ ينبئ عن المدح . ومعنى { مبصرة } ظاهرة بينة كأنها تبصر بطباق العين فتهدي ، ويجوز أن يكون الإِبصار مجازاً باعتبار إبصار صاحبها وهو كل ذي عقل أو فرعون وقومه . والواو في { واستيقنتها } للحال وقد مضمرة وفي زيادة { انفسهم } إشارة إلى أنهم أظهروا خلاف ما أبطنوا والاستيقان أبلغ من الإيقان . وقوله { ظلماً وعلواً } أي كبراً وترفعاً مفعول لأجلهما . وقرئ { مبصرة } بفتح الميم نحو " مبخلة " قرأها علي بن السحين وقتادة والله أعلم . التأويل : طا طلب الطالبين ، وسين سلامة قلوبهم من تعلقات غير الله ، تلك دلالات القرآن وشواهد أنواره { وكتاب مبين } فيه بيان كيفية السلوك ولذلك قال { هدى وبشرى للمؤمنين } بالوصول إلى الله الذين يستقيمون في المعارج لحقائق الصلوات ويؤتون الزكاة أموالهم وأحوالهم بالإضافة على المستحقين { زيناً لهم أعمالهم } الدنيوية النفسانية { فهم يعمهون } لعمي قلوبهم عن رؤية الآخرة ونعيمها ، ولا يكون في عالم الآخرة أعمى إلا كان اصم وأبكم ولهذا قال صلى الله عليه وسلم " حبك للشيء يعمي ويصم " فيُحب الدنيا صمت عين القلب وصمت أذنه وصار أبكم عن العلم اللداني والنطق به ، وهو سوء العذاب ، وهو الموجب لخسران الدارين مع خسران المولى ، وإنما يكون خسران الدارين ممدوحاً إذا ربح المولى . وجد أبو زيد في البادية قحفاً مكتوباً عليه خسر الدنيا والآخرة فبكى وقبله وقال : هذا رأس صوفي . وحين أخبر عن مقامات المؤمنين ودركات الكافرين أخبر عن مقام النبي صلى الله عليه وسلم بقوله { وإنك لتلقى القرآن } لا من عند جبريل بل { من لدن حكيم } تجلى لقلبك بحكمة القرآن { عليم } يعلم حيث يجعل رسالته . ثم ضرب مثالاً لذلك وهو أن موسى القلب لما كشف له أنوار شواهد الحق في ليلة الهوى وظلمة الطبيعة ( قال لأهله ) وهم النفس وصفاتها { إني آنست ناراً } بوادي أيمن السر { لعلكم تصطلون } بتلك النار عن جمود الطبيعة { فلما جاءها } على قدمي الشوق وصدق الطلب { نودي } من الشجرة الروحانية { أن بورك من في } نار المحبة نار الله الموقدة التي تطلع على الأفئدة { ومن حولها } كالفراش يريد أن يقع فيها و { ألق } عن يد همتك كل ما تعتمد عليه سوى فضل الله فإنه جان في الحقيقة { ولى مدبراً } هارباً إلى الله { ولم يعقب } لم يرجع إلى غيره فلذلك نودي بـ { لا تخف } فإن القلوب الملهمة الموصلة إليها الهدايا والتحف والالطاف لا تخاف سوى الله { إلاَّ من ظلم } نفسه بالرجوع إلى الغير { وأدخل } يد همتك في جيب قناعتك { تخرج بيضاء } نقية من لوث الدارين { في تسع آيات } من أسباب هلاك النفس وصفاتها { فانظر كيف كان عاقبة } الذين أفسدوا الاستعداد الفطري والله أعلم .