Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 63, Ayat: 1-11)
Tafsir: Ġarāʾib al-Qurʾān wa-raġāʾib al-furqān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
القراءات { خشب } بالسكون : أبو عمرو وعلي وابن مجاهد { لووا } بالتخفيف : نافع وقالون { تعملون } على الغيبة : يحي وحماد . الوقوف : { لرسول الله } ط م لئلا يوهم أن قوله { والله يعلم } من مقول المنافقين { لرسوله } ط { لكاذبون } ه لا لأن ما بعده يصلح صفة واستئنافاً { عن سبيل الله } ط { يعملون } ه { لا يفقهون } ط { أجسامهم } ط { لقولهم } ط { مسندة } ط { عليهم } ط { فاحذرهم } ط { قاتلهم الله } ط ز لابتداء الاستفهاهم مع اتصال المعنى { يؤفكون } ه { مستكبرون } ه { تستغفر لهم } ط { لن يغفر الله لهم } ط { الفاسقين } ه { ينفضوا } ط { لا يفقهون } ه { الأذل } ط { لا يعلمون } ه { عن ذكر الله } ط للشرط مع الواو { الخاسرون } ه { قريب } ج ه لتعلق الجواب { الصالحين } ه ز { أجلها } ط { تعملون } ه . التفسير : قال علماء المعاني : أرادوا بقولهم نشهد إنك لرسول الله شهادة واطأت فيها قلوبهم ألسنتهم كما ينبىء عنه " إن واللام " وكون الجملة اسمية مع تصديرها بما يجري مجرى القسم وهو الشهادة ، فكذبهم الله تعالى لأجل علمه بعدم المواطأة . أو يراد والله يشهد إنهم لكاذبون عند أنفسهم لأنهم كانوا يعتقدون أن قولهم إنك لرسول الله كذب وخبر على خلاف ما عليه حال المخبر عنه . قلت : هذا مذهب الجاحظ وأنه خلاف ما عليه الجمهور وهو أن مرجع كون الخبر صدقاً أو كذباً إلى طباق الحكم للواقع أو لإطباقه ولهذا أوّلوا الآية بما أوّلوا ، وهو أن التكذيب توجه إلى ادّعائهم أن قولهم قول عن صميم القلب ، ومما يدل على أن مرجع كون الخبر صدقاً إلى ما قلنا لا إلى طباقه اعتقاد المخبر أو ظنه ولا إلى عدم طباقه لذلك الاعتقاد والظن تكذيبنا اليهودي إذا قال : الإسلام باطل مع أنه مطابق لاعتقاده ، وتصديقنا له إذا قال : الإسلام حق مع أنه غير مطابق لاعتقاده . وفائدة إقحام قوله { والله يعلم إنك لرسوله } التنصيص على التأويل المذكور وإلا أمكن ذهاب الوهم إلى أن نفس قولهم { إنك لرسول الله } كذب . ثم أخبر عن استثباتهم بالايمان الكاذبة كما مر في " المجادلة " . وجوز في الكشاف أن تكون اليمين الكاذبة ههنا إشارة إلى قولهم { نشهد } لأن الشهادة تجري في إفادة التأكيد مجرى الحلف وبه استدل أبو حنيفة على أن أشهد يمين . { ذلك } الذي مر من أوصافهم وأخلاقهم أو من التسجيل عليهم أنهم مقول في حقهم ساء ما كانوا يعملون { بـ } سبب { أنهم آمنوا } باللسان { ثم كفروا } بظهور نفاقهم أو نطقوا بالإسلام عند المؤمنين ثم نطقوا بكلمة الكفر إذا خلوا إلى شياطينهم ، ويجوز أن يراد أهل الردة منهم وكان عبد الله بن أبيّ رجلاً جسيماً فصيحاً وكذا أضرابه من رؤساء النفاق يحضرون مجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم فيستندون ، فيه وكان النبي صلى الله عليه وسلم والحاضرون يعجبون بهياكلهم ويستمعون إلى كلامهم فنزلت { وإذا رأيتهم } أيها الرسول أو يا من له أهلية الخطاب . ثم شبهوا في استنادهم وما هم إلا أجرام فارغة عن الإيمان والخير بالخشب المستندة إلى الحائط . ويجوز أن تكون الخشب أصناماً منحوتة شبهوا بها في حسن صورهم وقلة جدواهم . قال في الكشاف : ويجوز أن يكون وجه التشبيه مجرد عدم الانتفاع لأن الخشب المنتفع بها هي التي تكون في سقف أو جدار أو غيرهما ، فأما المسندة الفارعة المتروكة فلا نفع فيها . قلت : فعلى هذا لا يكون لتخصيص الخشب بالذكر فائدة لاشتراكها في هذا الباب مع الحجر والمدر المتروكين وغيرهما ، والخشب جمع خشبة كثمرة وثمر ، ومحل الجملة رفع على " هم كأنهم خشب " أو هو كلام مستأنف فلا محل له . قوله { عليهم } ثاني مفعولي { يحسبون } أي يحسبونها واقعة عليهم صادرة لهم لجبنهم والصيحة كنداء المنادي في العسكر ونحو ذلك ، أو هي أنهم كانوا على وجل من أن ينزل الله فيهم ما يهتك أستارهم ويبيح دماءهم وأموالهم . ثم أخبر عنهم بأنهم { هم العدو } أي هم الكاملون في العداوة لأن أعدى الأعداء هو العدوّ المداجي المكاشر تظنه جاراً مكاشراً وتحت ضلوعه داء لا دواء له . ويقال : ما ذم الناس مذمة أبلغ من قولهم " فلان لا صديق له في السر ولا عدوّ له في العلانية " وذلك أن هذه من آيات النفاق { فاحذرهم } ولا تغتر بظاهرهم ، وجوز أن يكون { هم العدو } المفعول الثاني و { عليهم } لغو . وإنما لم يقل " هي العدو " نظراً إلى الخبر أو بتأويل كل أهل صيحة { قاتلهم الله } دعاء عليهم باللعن والإخزاء أي أحلهم الله محل من قاتله عدو قاهر . ويجوز أن يكون تعليماً للمؤمنين أي ادعوا عليهم بهذا . يروى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما لقي بني المصطلق على المريسيع وهو ماء لهم وهزمهم ازدحم على الماء جمع من المهاجرين والأنصار واقتتلا ، فلطم أحد فقراء المهاجرين شاباً حليفاً لعبد الله بن أبيّ ، فبلغ ذلك عبدالله فقال : ما صحبنا محمداً إلا لنلطم والله ما مثلنا ومثلهم إلا كما قيل " سمن كلبك يأكلك " ، أما والله { لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل } عنى بالأعز نفسه وبالأذل أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ، ثم قال لقومه : لو أمسكتم عن هؤلاء الفقراء فضل طعامكم لم يركبوا رقابكم ولا نفضوا من حول محمد ، فسمع بذلك زيد بن أرقم وهو حدث فقال : أنت والله الذليل القليل . فقال عبد الله : اسكت فإنما كنت ألعب . فأخبر زيد رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال عمر : دعني أضرب عنق هذا المنافق . فقال : إذن ترعد أنف كثيرة بيثرب . قال : فإن كرهت أن يقتله مهاجريّ فأمر به أنصارياً فقال : فكيف إذا تحدث الناس أن محمداً قتل أصحابه . ولما أنزل الله تعالى تصديق قول زيد وبان نفاق عبد الله قيل له : قد نزلت فيك آي شداد فاذهب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يستغفر لك ، فلوى رأسه ثم قال : أمرتموني أن أومن فآمنت وأمرتموني أن أزكي مالي فزكيت فما بقي إلا أن أسجد لمحمد فنزلت { وإذا قيل لهم تعالوا } ولم يلبث إلا أياماً قلائل حتى اشتكى ومات وقد تقدم قصة هذا المنافق في سورة " براءة " بأكثر من هذا ، وقد نفى عن المنافقين الفقه أولاً وهو معرفة غوامض الأشياء ، ثم نفى عنهم العلم رأساً كأنه قال : لا فقه لهم بل لا علم . أو نقول : إن معرفة كون الخزائن لله مما يحتاج إلى تدبر وتفقه لمكان الأسباب والوسائط والروابط المفتقرة في رفعها من البين إلى مزيد توجه وكمال نظر ، فأما كون الغلبة والقوة لدين الإسلام فذلك بظهور الإمارات وسطوع الدلائل بلغ مبلغاً لم يبق في وقوعه شك لمن به أدنى مسكة وقليل علم ، فلا جرم أورد في خاتمة كل آية ما يليق بها . وعن بعض الصالحات وكانت في هيئة رثة ألست على الإسلام وهو العز الذي لا ذل معه والغنى الذي لا فقر بعده . وعن الحسن بن علي رضي الله عنه أن رجلاً قال له : إن الناس يزعمون أن فيك تيهاً فقال : ليس بتيه ولكنه عزة وتلا الآية . وحينئذ عير المنافقين بما عير . وحث المؤمنين على ذكر الله في كل حال بحيث لا يشغلهم عنه التصرف في الأموال والسرور بالأولاد وكل ما سوى الله حقير في جنب ما عند الله ، فإن من تصرف في شيء ما المال أو صرف زمانه في طرف من أمر الأولاد فلله وبالله وفي الله . وقال الكلبي : ذكر الله الجهاد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم . وعن الحسن : جميع الفرائض . وقيل : القرآن . وقيل : الصلوات الخمس { يفعل ذلك } أي ومن أشغلته الدنيا عن الدين . ثم حثهم على الإنفاق إما على الإطلاق وإما في طريق الجهاد . وإتيان الموت إتيان سلطانه وأماراته حين لا يقبل توبته ولا ينفع عمل فيسأل الله التأخير في الأجل لتدارك ما فات ومن له بذلك كما قال { ولن يؤخر الله نفساً } والمعنى هلا أخرت موتي إلى زمان قليل { فأصدّق وأكون } من قرأ بالنصب فظاهر ، ومن قرأ بالجزم فعلى وهم أن الأول مجزوم كأنه قال : إن أخرتني أصدق وأكن . وقيل : هذا الوعيد لمانع الزكاة .