Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 7, Ayat: 94-102)
Tafsir: Ġarāʾib al-Qurʾān wa-raġāʾib al-furqān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
القراءات : { لفتحنا } بالتشديد : ابن عامر ويزيد { أو أمن } بسكون الواو : أو جعفر ونافع غير ورش ، وابن عامر وابن كثير غير ابن فليح ، وقرأ ورش بنقل حركتها إلى الساكن قبلها { أولم نهد } النون حيث كان : زيد عن يعقوب . الباقون : بالياء التحتانية { رسلهم } بسكون السين حيث كان : أبو عمرو . الوقوف : { يضرعون } ه { لا يشعرون } ه { يكسبون } ه { نائمون } ه لمن قرأ { أو أمن } بفتح الواو على أن الهمز للاستفهام ، ومن سكن الواو فلا وقف لأن " أو " للعطف { يلعبون } ه { مكر الله } ج للفصل بين الإخبار والاستخبار مع أن الفاء للتعقيب . { الخاسرون } ه { بذنوبهم } ج للفصل بين الماضي والمستقبل والتقدير : نحن نطبع مع اتحاد القصة . { لا يسمعون } ه { من أنبائها } ج لعطف المختلفتين { بالبينات } ط لأن ضمير { فما كانوا ليؤمنوا } لأهل مكة وضمير . { جاءهم } للأمم الماضية مع أن الفاء توجب الاتصال { من قبل } ط { الكافرين } ه { من عهد } ج لعطف الجملتين المختلفين { لفاسقين } ه . التفسير : إنه سبحانه لما عرّفنا أحوال هؤلاء الأنبياء وما جرى على أممهم ذكر ما يدل على أن هذا الجنس من الهلاك قد فعله بغيرهم وليس مقصوراً عليهم ، وبيّن العلة التي لأجلها فعل بهم ما فعل . والقرية مجتمع القوم فتشمل المدينة أيضاً وتقدير الكلام : وما أرسلنا في قرية من نبي إلا أخذنا أهلها بالبأساء والضراء . قال الزجاج : البأساء الشدة في الأموال والضراء الأمراض في الأبدان . وقيل بالعكس { لعلهم يضرعون } أي يتضرعون فأدغم التاء في الضاد والمعنى : ليحطوا أردية التعزز والاستكبار ويتبعوا نبيهم . ثم بيّن أن تدبيره في أهل القرى لا يجري على نمط واحد فقال { ثم بدلنا مكان السيئة } وهي كل ما يسوء صاحبه { الحسنة } وهي ما يستحسنه الطبع والعقل أي أعطيناهم بدل ما كانوا فيه من الفقر والضر السعة والصحة { حتى عفوا } كثروا ونموا في أنفسهم وأموالهم من قولهم عفا النبات والشحم والوبر ومنه قوله صلى الله عليه وسلم : " وأعفوا اللحى " { وقالوا قد مس آباءنا الضراء والسراء } كما هو دأب الأشرين يقولون هذه عادة الدهر في أهله يوم محنة ويوم منحة . والمراد أنهم لم ينتفعوا بتدبير الله تعالى فيهم من رجاء بعد شدّة وأمن بعد خوف وراحة بعد عناء { فأخذناهم بغتة } آمن ما كانوا عليه ليكون ذلك أعظم من الحسرة { وهم لا يشعرون } بنزول العذاب . والحكمة في جميع هذه الحكايات اعتبار من سمعها ووعاها وتعريف أن العصيان سبب الحرمان عن الخيرات وسد لجميع أبواب السعادات ولهذا قال { ولو أن أهل القرى } أي جنسها أو القرى المذكورة في قوله وما أرسلنا في قرية { آمنوا } بما يجب به الإيمان في باب المبدأ والمعاد { واتقوا } كل ما نهى الله عنه { لفتحنا عليهم بركات من السماء والأرض } أي لأتيناهم بالخير من كل وجه أو أراد القطر والنبات . والمراد بفتح البركات عليهم تيسير أسباب النجاح كقولهم : فتحت على القارىء إذا يسرت القراءة عليه بالتلقين { ولكن كذبوا الرسل فأخذناهم } بالجذب والمحل وهو ضد البركة والخير { بما كانوا يكسبون } أي بشؤم كسبهم وهو الكفر والمعاصي . ثم خوف المكلفين نزول العذاب عليهم في الوقت الذي يكونون فيه في غاية الغفلة وهو حال النوم بالليل وحال الضحى بالنهار ، لأنه الوقت الذي يغلب على المرء في التشاغل باللذات والمهمات فقال { أفأمن } قال في الكشاف : الهمزة للإنكار والفاء للعطف على قوله { فأخذناهم بغتة } والآية بينهما اعتراض والتقدير : أبعد ذلك أمن أهل القرى أن يأتيهم بأسنا بياتاً ، وأمنوا أن يأتيهم بأسنا ضحى ؟ فلهذا عطف الثانية بالواو . وأما قوله { أفأمنوا مكر الله } فتكرير لقوله { أفأمن أهل القرى } فلهذا رجع فعطف بالفاء . قلت : يجوز أن يقدّر المعطوف عليه بعد الهمزة والمعنى : أفعلوا ما فعلوا فأمن وأما من قرأ " أو " ساكنة فمعناه إما أحد الشيئين ويرجع المعنى إلى قولنا فأمنوا إحدى هذه العقوبات ، وإما للإضراب كما تقول : أنا أخرج ثم تقول أو أقيم . على أن المراد هو الإضراب عن الخروج وإثبات للإقامة أي لا بل أقيم . ومعنى { بياتاً } قد تقدم في أوّل السورة . و { ضحى } نصب على الظرف قال الجوهري : ضحوة النهار بعد طلوع الشمس ثم بعده الضحى وهو حين تشرق الشمس مقصورة ، وتذكر على أنه مفرد كصرد وتؤنث على أنها جمع ضحوة . ثم بعده الضحاء ممدوداً مذكراً وهو عند ارتفاع النهار الأعلى . في قوله { وهم يلعبون } يحتمل التشاغل بما لا يجدي عليهم من أمور الدنيا فهي لهو ولعب ، ويحتمل خوضهم في كفرهم لأن ذلك كاللعب في أنه يضر ولا ينفع . ومكر الله كما تقدم في آل عمران عذاب بعد الاستدراج أو سمي جزاء المكر مكراً . وعن الربيع بن خثيم أن ابنته قالت له : ما لي أرى الناس ينامون ولا أراك تنام ؟ قال : يا بنتاه إن أباك يخاف البيات يعني المذكور في الآية . اللهم اجعلنا من الخائفين العاقلين لا من الآمنين الغافلين . ثم لما بيّن حال المهلكين مفصلاً ومحلاً ذكر أن الغرض من القصص حصول العبرة للباقين فقال { أولم يهد } من قرأ بالياء ففاعله { أن لو نشاء } والمعنى : أو لم يهد الذين يخلفون أولئك المتقدمين فيرثون أرضهم وديارهم هذا الشأن وهو أنا لو نشاء أصبناهم بذنوبهم أي بعقابها كما أصبنا من قبلهم . ومن قرأ بالنون فقوله { أن لو نشاء } منصوب والهداية بمعنى التبيين على القراءتين ولهذا عُدّي فعلها باللام ، والمفعول على القراءة الأولى محذوف والتقدير : أولم يكشف لهم الحال والشأن المذكور . وأما قوله { ونطبع على قلوبهم } فإما أن يكون منقطعاً عما قبله بمعنى ونحن نطبع كما مر في الوقوف ، وإما أن يكون متصلاً بما قبله . قال الكشاف : وذلك هو يرثون أو ما دلّ عليه معنى { أولم يهد } كأنه قيل : يغفلون عن الهداية ونطبع . ثم قال : ولا يجوز أن يكون معطوفاً على { أصبناهم } و { طبعنا } لأن القوم كانوا مطبوعاً على قلوبهم فيجري مجرى تحصيل الحاصل ولقائل أن يقول : لا يلزم من المذكور وهو كونهم مذنبين أن يكونوا مطبوعين ، فاقتراف الذنوب غير الطبع لأن يذنب أوّلاً أو يكفر ثم يستمر على ذلك فيصير مطبوعاً على قلبه . وأيضاً جاز أن يراد لو شئنا لزدنا في طبعهم أو لأدمناه والله سبحانه أعلم بمراده . ثم أخبر عن الأقوام المذكورين تسلية لرسوله صلى الله عليه وسلم فقال { تلك القرى } وهي مبتدأ وخبر . وقوله { يقص } حال والعامل معنى اسم الإشارة ، أو خبر بعد خبر ، أو { القرى } صفة لـ { تلك } و { نقص } خبر . وفائدة الإخبار على هذا التقدير ظاهرة . وأما على الأوّلين فترجع الفائدة إلى الحال أو الخبر الثاني كما ترجع إلى الصفة في قولك : هو الرجل الكريم . الحاصل أن تلك القرى المذكورة نقص عليك بعض أنبائها ولها أنباء غيرها لم نقصها عليك ، وأيضاً خصصنا تلك القرى بقصص بعض أنبائها لأنهم اغتروا بطول الأمهال مع كثرة النعم وكانوا أقرب الأمم إلى العرب فذكرنا أحوالهم تنبيهاً على الاحتراز عن مثل أعمالهم . ثم عزى رسوله بقوله { ولقد جاءتهم رسلهم بالبينات فما كانوا ليؤمنوا بما كذبوا } من قبل اللام لتأكيد النفي وأن الإيمان كان منافياً لحالهم . قال ابن عباس والسدي : فما كان أولئك الكفار ليؤمنوا عند إرسال الرسل بسبب تكذيبهم يوم أخذ ميثاقهم حين أخرجهم من ظهر آدم أقروا باللسان كرهاً وأضمروا التكذيب . وقال الزجاج : فما كانوا ليؤمنوا بعد رؤية المعجزات بما كذبوا به من قبل رؤية تلك المعجزات . وعن مجاهد : فما كانوا ليؤمنوا لو أحييناهم بعد الإهلاك ورددناهم إلى دار التكليف بما كذبوا من قبل كقوله { ولو ردوا لعادوا لما نهوا عنه } [ الأنعام : 28 ] وقيل : فما كانوا ليؤمنوا عند مجيء الرسل بما كذبوا من قبل مجيئهم . وقيل : ما كانوا ليؤمنوا في الزمان المستقبل بما كذبوا به في الزمان الماضي أي استمروا على التكذيب من لدن مجيء الرسل إلى أن ماتوا مصرين لم ينجع فيهم تكرير المواعظ وتتابع الآيات { كذلك } أي مثل ذلك الطبع الشديد { يطبع الله على قلوب الكافرين } الذي كتب أن لا يؤمنوا أبداً . والطبع والختم والرين والكنان والغشاوة والصد والمنع واحد كما سلف . وقال الجبائي : هو أن يسم قلوب الكفار بسمات وعلامات تعرف الملائكة بها أن صاحبها لا يؤمن . وقال الكعبي : إنما أضاف الطبع إلى نفسه لأجل أن القوم إنما صاروا إلى ذلك الكفر عند أمره وامتحانه فهو كقوله تعالى { فلم يزدهم دعائي إلا فراراً } [ نوح : 6 ] ثم شرح حال المكلفين فقال { وما وجدنا لأكثرهم من عهد } والضمير للناس على الإطلاق . قال ابن عباس : يعني بالعهد قوله للذر { ألست بربكم } [ الأعراف : 172 ] أقروا به ثم خالفوا . عن ابن مسعود هو الإيمان كقوله { إلا من اتخذ عند الرحمن عهدا } [ مريم : 87 ] يعني من قال لا إله إلا الله . وقيل : العهد عبارة عن الأدلة على التوحيد والنبوّة والمراد الوفاء بالعهد { وإن وجدنا } هي المخففة من الثقيلة بدليل اللام الفارقة في قوله { لفاسقين } وقد عملت في ضمير شأن مقدر والتقدير : وإن الشأن والحديث علمنا أكثرهم فاسقين خارجين عن الطاعة والآية اعتراض . ويحتمل أن يعود الضمير على الأمم المذكورين كانوا إذا عاهدوا الله في ضرر ومخافة لئن أنجيتنا لنؤمنن نكثوه بعد كشف الضر . التأويل : { إلا أخذنا أهلها بالبأساء والضراء } الوفي يتضرع إليه عند البلاء ويتوكل عليه والعدوّ يذهل عن الحق ولا يرجع إليه { ولو أن أهل القرى } يعني صفات النفس { آمنوا } بما يرد إلى صفات القلب والروح من ألطاف الحق { واتقوا } مشتبهات النفس { لفتحنا عليهم } أسباب العواطف من سماء الروح وأرض القلب { فأخذناهم } عاقبناهم بعذاب البعد { بما كسبوا } من مخالفات الحق وموافقات الطبع { بياتاً } في صور القهر { ضحى } في صورة اللطف بسطوات الجذبات { وهم يلعبون } يشتغلون بالدنيا . { إلا القوم الخاسرون } من أهل القهر هم الذين خسروا سعادة الدارين من أهل اللطف هم الذين خسروا الدنيا والعقبى وربحوا المولى { أولئك لهم الأمن وهم مهتدون } .