Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 83, Ayat: 1-36)
Tafsir: Ġarāʾib al-Qurʾān wa-raġāʾib al-furqān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
القراءات { بل ران } حفص يقف على { بل } وقفة يسيرة ومع ذلك يصل . وقرأ الحلواني عن قالون مظهراً { ران } بالإمالة : حمزة وعلي وخلف وحماد ويحيى { تعرف } مبنياً للمفعول { نضرة } بالرفع : يزيد ويعقوب { خاتمه } بالألف بعد الخاء والتاء مفتوحة : عليّ . { أهلهم } بكسر الهاء والميم : أبو عمرو وسهل ويعقوب ، وقرأ حمزة وعلي وخلف بضمهما . الباقون : بضم ميم الجمع فقط { فكهين } مقصوراً : يزيد وحفص { هل ثوب الكفار } بالإدغام : حمزة وعلى وهشام . الوقوف { للمطففين } ه لا { يستوفون } ه للفصل بين تناقض الحالين ولكن يلزم تفريق الوصفين مع اتفاق الجملتين { يخسرون } ه للاستفهام { عظيم } ه لا لأن التقدير لأمر يوم عظيم في يوم كذا وهو بدل بني على الفتح للإضافة إلى الجملة { لرب العالمين } ه ط لأن " كلا " لتحقيق أنّ بمعنى " ألا " التي للتنبيه أو حقاً أو هو ردع عن التطفيف وكذا أخواتها في السورة { سجين } ه ط { ما سجين } ه ط للحذف أي هو كتاب { مرقوم } ه ط لأن { ويل } مبتدأ { للمكذبين } ه لا { الدين } ه ط للابتداء بالنفي { أثيم } ه لأن الشرطية بعده صفة أخرى له { الأوّلين } ه والوقف لما ذكر { يكسبون } ه { لمحجوبون } ه لأن " ثم " لترتيب الأخبار { الجحيم } ه ك لاختلاف الجملتين { تكذبون } ه ك { عليين } ه ك { عليون } ه ك { مرقوم } ه لا لأن ما بعده صفة { المقربون } ه ط { نعيم } ه لا لأن ما بعده حال أو صفة { ينظرون } ه لا لذلك { النعيم } ه ج لأن ما بعده يصلح مستأنفاً أو حالاً { مختوم } ه لا لأن ما بعده وصف { مسك } ط { المتنافسون } ه ط { تسنيم } ه لا بناء على أن { عيناً } حال كما قال الزجاج . فإن أريد النص على المدح جاز الوقف { المقربون } ه ط { يضحكون } ه ط للآية ولكن إتمام الكلام أولى { يتغامزون } ه ك لذلك { فكهين } ه ك { لضالون } ه لا لأن المنفية حال { حافظين } ه ط لتبدل الكلام معنى { يضحكون } ه لا { ينظرون } ه ط { يفعلون } ه . التفسير : إنه سبحانه لما ذكر في السورة المتقدمة بعض أشراط الساعة وأخبر عن طرف من أحوالها وأهوالها صدّر هذه السورة بالنعي على قوم آثروا الحياة الزائلة على الحياة الباقية ، وتهالكوا في الحرص على استيفاء أسبابها حتى اتسموا بأخس السمات وهي التطفيف . والتركيب يدل على القليل وطف الشيء جانبه وحرفه ، وطف الوادي والإناء إذا بلغ الشيء الذي فيه حرفه ولم يمتلىء . وقال الزجاج : إنما قيل للذي ينقص المكيال والميزان مطفف لأنه لا يكون الذي يسرق في المكيال والميزان إلا الشيء اليسير الطفيف . روي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قدم المدينة وكانوا من أخبث الناس كيلاً فنزلت فأحسنوا الكيل . قلت : إن كانت السورة مدنية فظاهر ، وإن كانت مكية فلعل النبي حين قدم المدينة قرأها عليهم . وهكذا الوجه فيما روي أن أهل المدينة كانوا تجاراً يطففون وكانت بياعاتهم المنابذة والملامسة والمخاطرة يعني بيع الغرر كالطير في الهواء فنزلت ، فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم فقرأها عليهم فقال " خمس بخمس . قيل : يا رسول الله وما خمس بخمس ؟ قال : ما نقض قوم العهد إلا سلط الله عليهم عدوّهم ، وما حكموا بغير ما أنزل الله إلا فشا فيهم الفقر ، وما ظهرت فيهم الفاحشة إلا فشا فيهم الموت ، ولا طففوا الكيل إلا منعوا النبات وأخذوا بالسنين ، ولا منعوا الزكاة إلا حبس عنهم القطر " وعن علي رضي الله عنه مر برجل يزن الزعفران وقد أرجح فقال له : أقم الوزن بالقسط ثم أرجح بعد ذلك ما شئت . كأنه أخبره بالتسوية أوّلاً ليعتادها ويفصل الواجب من النفل . وعن أبيّ : لا تلتمس الحوائج ممن رزقه في رؤوس المكاييل وألسن الموازين . والاكتيال الأخذ بالكيل كالاتزان الأخذ بالوزن . قال الفراء : " من " و " على " يعتقبان في هذا الموضع . فمعنى اكتلت عليك أخذت ما عليك ، ومعنى أكتلت منك استوفيت منك . وقال أهل البيان : وضع " على " مكان " من " للدلالة على أن اكتيالهم من الناس اكتيال فيه ضرر . وجوز أن يتعلق الجار بـ { يستوفون } والتقديم للتخصيص أي يستوفون على الناس خاصة ، فأما أنفسهم فيستوفون لها . والضمير في { كالوهم أو وزنوهم } منصوب راجع إلى الناس والأصل كالوا لهم ووزنوا لهم فحذف المضاف وأصل الفعل . قال الكسائي والفراء : هذه لغة الحجاز ومنه المثل " الحريص يصيدك لا الجواد " أي الحريص يصيد لك لا الفرس الجواد . ويجوز أن يكون على حذف المضاف والتقدير وإذا كالوا مكيلهم أو وزنوا موزونهم . وعن عيسى بن عمر وحمزة أنهما كانا يجعلان الضميرين للمطففين على أنهما توكيد للمرفوع ويقفان عند الواوين وقفة يبينان بها ما أرادا . وخطأهما بعضهم بأن الألف التي تكتب بعد واو الجمع غير ثابتة فيه ، ولو كان الضميران للتأكيد لم يكن بدل من الألف ، وزيفت هذه التخطئة بأن خط المصحف لا يقاس عليه فكم من أشياء فيه خارجة عن اصطلاح الخط . وقد ذكر الزمخشري في إبطال قولهما أن المعنى حينئذ يؤل إلى قول القائل وإذا تولوا الكيل والوزن هم على الخصوص بأنفسهم اخسروا أي نقصوا ، وهذا كلام متنافر لأن الحديث واقع في الفعل لا في المباشر . قلت : النظم على قولهما باقٍ على حالته من الإعجاز والفصاح لأنه يفيد ضرباً من التوبيخ ، فإنهم إذا أخسروا وقد تولوا الكيل أو الوزن بأنفسهم ولم يمنعهم من ذلك مانع من الدين والمروءة ، فلأن يرضوا بالإخسار وقد تولاه لأجلهم من تعلق بهم يكون أولى ، ومن قلة مروأتهم ودينهم أنهم كانوا متمكنين في الإعطاء من البخس في الكيل وفي الوزن جميعاً ولهذا قال سبحانه { وإذا كالوهم أو وزنوهم } وأما في الأخذ فالميزان غالباً يكون بيد البائع فلا يتمكن المشتري من التصرف فيه بالزيادة المعتد بها فإن الكفة تميل بأدنى ثقل ، وإنما يتمكن في الاكتيال بأن يحتال في مكياله بالتحريك ووضع اليد عليه بقوّة فلهذا لم يقل هناك " أو اتزنوا " وأعلم أن أمر المكيال والميزان عظيم لأن مدار معاملات الخلق عليهما ، ولهذا جرى على قوم شعيب بسببه ما جرى . وذهب بعض العلماء إلى أن المطفف لا يتناوله الوعيد إلا إذا بلغ تطفيفه نصاب السرقة . والأكثرون على أن قليله وكثيره يوجب الوعيد . وبالغ بعضهم حتى عد العزم عليه من الكبائر . وقال الشيخ أبو القاسم القشيري رحمه الله : لفظ المطفف يتناول التطفيف في الوزن والكيل ، وفي إظهار العيب وإخفائه ، وفي طلب الإنصاف والانتصاف ، ومن لم يرض لأخيه المسلم ما يرضاه لنفسه فليس بمنصف . والذي يرى عيب الناس ولا يرى عيب نفسه فهو من هذه الجملة ، ومن طلب حق من الناس ولا يعطيهم حقوقهم كما يطلب لنفسه فهو من هذه الجملة ، والفتى من يقضي حقوق الناس ولا يطلب من أحد لنفسه حقاً . ويحكى أن أعرابياً قال لعبد الملك بن مروان : إن المطفف قد توجه عليه الوعيد العظيم الذي سمعت به ، فما ظنك بنفسك وأنت تأخذ أموال المسلمين بلا كيل ووزن ؟ ثم زاد في توبيخهم بقوله { ألا يظن } فإن كانوا من أهل الإسلام كما روي أن أهل المدينة كانوا يفعلون ذلك فالظن بمعنى العلم ، وإن كانوا كفاراً منكري البعث فالظن بمعناه الأصلي . والمراد هب أنهم لا يقطعون بالبعث أفلا يظنون أيضاً كقوله { إن نظن إلا ظناً وما نحن بمستيقنين } [ الجاثية : 32 ] وفي الإشارة إليهم بـ { أولئك } وقد ذكرهم عما قريب تبعيد لهم عن رتبة الاعتبار بل عن درجة الإنسانية . وفي هذا الإنكار ووصف اليوم بالعظم وقيام الناس فيه لرب العالمين بيان بليغ لعظم هذا الذنب كما إذا قال الحالف والله الطالب الغالب الحي القيوم . ففيه تعظيم شأن المقسم عليه . عن النبي صلى الله عليه وسلم " يقوم الناس مقدار ثلثمائة سنة من الدنيا لا يؤمر فيها بأمر " قال ابن عباس : هو في حق المؤمنين كقدر انصرافهم من الصلاة . وفيه أنه إذا ظهر التطفيف الذي يظن به أنه حقير فكيف بسائر الظلامات ؟ وحمل بعضهم هذا القيام على ردّ الأرواح إلى أجسادها حتى يقوموا من مراقدهم . وعن أبي مسلم : أراد به الخضوع التام كقوله { وقوموا لله قانتين } [ البقرة : 238 ] ثم بيّن أن كل ما يعمل من خير أو شر فإنه مكتوب عند الله . وقدم ديوان الشرور لأن المذكور قبله هو وعيد أهل الفجور . وسجين " فعيل " من السجن وهو الحبس والتضييق جعل علماً لديوان الشر الجامع لأعمال الكفرة والفسقة والشياطين ، وهو منصرف لأنه ليس فيه إلا العلمية { كتاب مرقوم } ليس تفسيراً للسجين بل التقدير : كلا إن كتاب الفجار لفي سجين وإن كتاب الفجار مرقوم . وموقع قوله { وما أدراك ما سجين } اعتراض تعظيماً لأمر السجين ، ولأن ذلك لم يكن مما كان العرب تعرفه أي ليس ذلك مما كنت تعلمه أنت ولا قومك . وقيل : مرقوم أي مطروح وعلى هذا يكون سجين اسم مكان . ثم اختلفوا ، فعن ابن عباس في رواية عطاء وقتادة ومجاهد والضحاك وعن البراء مرفوعاً أنه أسفل أرضين وفيها إبليس وذريته . وعن أبي هريرة مرفوعاً أنه جب في جهنم . وقال الكلبي : صخرة تحت الأرض السابعة . والتحقيق أنه سبحانه أجرى أمور عباده على ما تعارفوه فيما بينهم ، ولا شك أن السفلة والظلمة والضيق وحضور الشياطين الملاعين من صفات البغض فوصف الله كتاب الفجار بأنه في هذا الموضع استهانة بهم وبأعمالهم ، كما أنه وصف كتاب الأبرار بأنه في عليين وتشهده الملائكة المقربون تعظيماً لحالهم . ثم أوعد المكذبين ووصفهم بقوله { الذين يكذبون } للذم لا للبيان لأن كل مكذب فالوعيد يتناوله سواء كان مكذباً بالبعث أو بسائر آيات الله تعالى فهو كقولك " فعل فلان الفاسق الخبيث " . وإنما خص التكذيب بالبعث لتقدّم ذكره وذكر ما يتعلق به . ثم بالغ في الذم بقوله { وما يكذب به إلاّ كلٌّ معتد أثيم } متجاوز عن حد الاعتدال في استعمال القوة النظرية إما في طرف الإفراط وهو الجريرة حتى عدّ الممكن محالاً وأقدم على التكذيب ، وإما في طرف التفريط وهو البله والغباوة حتى قنع بالاستبعاد المحض وأعرض عن النظر في دلائل البعث من الخلق الأوّل وغيره . أثيم في إعمال القوى البدينة في غير مواقعها حتى أثمر له الباطل بدل الحق ، وحكم على آيات الله بأنها أساطير الأوّلين ، وفيه إنكار للنبوّة أيضاً . ثم أضرب عن أن يكون لهم اختبار فيما قالوه أو يكون لهم ارعواء عما ارتكبوه ، لأن ما كسبوه قدران على قلوبهم أي ركبها كما يركب الصدأ وغلب عليها . قال أهل اللغة : ران النعاس والخمر في الرأس يرين ريناً وريوناً إذا رسخ فيه ، ولهذا قال الحسن : هو الذنب بعد الذنب حتى يسود القلب . قلت : الغين هو الحجاب الرقيق الذي يزول عن كثب ومثله الغيم . والرين هو الغليظ الذي لا يرجى زواله ولهذا جاء في الحديث " إنه ليغان على قلبي " وأما الرين فمن صفة الكفار الذين صارت ملكاتهم الذميمة في غاية الرسوخ حتى أظلم سطوح قلوبهم بل دخلت الظلمة أجوافها وبلغت الكدورة صفاقها . ثم قال { كلا } حقاً وهو ردع عن الكسب الرائن على القلب { إنهم عن ربهم يومئذ لمحجوبون } وذلك أن النور لا يرى إلا بالنور ، فإذا كانت نفوسهم في غاية الظلمة الذاتية والعرضية الحاصلة من الملكات الردية احتجبوا عن نور الله ومنعوا من رؤيته . قال أهل السنة كثرهم الله : وفي تخصيصهم بالحجب دلالة على أن أهل الإيمان والأعمال الصالحة لا يكونون محجوبين عن ربهم . وقالت المعتزلة : المضاف محذوف أي عن رحمة ربهم أو كرامته . وقال في الكشاف : هو تمثيل للاستخفاف بهم لأنه لا يؤذن على الملوك إلا للوجهاء المكرمين . ثم أخبر بقوله { ثم إنهم لصالوا الجحيم } أي داخلوها عن بقية حالهم وأنهم لا يتركون عن حجب الحرمان بل يعذبون بنار القطيعة والهجران لأنهما متلازمان { ثم يقال } في معرض التوبيخ { هذا الذي كنتم به تكذبون } جمعاً بين عذاب الوجل وعذاب الخجل . ثم شرع في قصة الأبرار . وعليون جمع " عليّ " " فعيل " من العلو وإعرابه كإعراب الجمع لأنه على صورته وإن صار مفرداً كقنسرين من حيث إنه جعل علماً لديوان الخير الذي فيه أعمال الملائكة وصلحاء الثقلين ، إما لأنه سبب الارتفاع إلى أعالي الدرجات في الجنة ، وإما لأنه مرفوع من السماء السابعة حيث يحضره الملائكة المقربون . وقال مقاتل : هو في ساق العرش . وعن ابن عباس : هو لوح من زبرجد معلق تحت العرش . وبالجملة كتاب الأبرار ضد كتاب الفجار بجميع معانية كما عرفت من بقية حال الأبرار . ومفعول { ينظرون } محذوف ليشمل أنواع نعيمهم في الجنة من الحور العين والأطعمة والأشربة والملابس والمراكب والمساكن وكل ما أعدّ الله لهم . قال عليه السلام " يلحظ المؤمن فيحيط بكل ما آتاه الله وإن أدناهم منزلة من له مثل سعة الدنيا " وقال مقاتل : ينظرون إلى عدوّهم حين يعذبون ولا يحجب الحجاب أبصارهم عن الإدراك . وقال بعضهم : ينظرون إلى الله تعالى بدليل قوله { تعرف } يا من له أهل العرفان { في وجوههم نضرة } وقوله في موضع آخر { وجوه يومئذ ناضرة إلى ربها ناظرة } [ القيامة : 22 - 23 ] ولا ريب أن هناك قرائن وأحوالاً تعرف بها بهجتهم وازدهاؤهم بالضحك والاستبشار بل بتجلي الأنوار والآثار . والرحيق الخمر الصافية التي لا غش فيها { مختوم } أوانيه { ختامه } أي ما يختم به { مسك } مكان الطينة أو الشمعة . وإنما ختم تكريماً وصيانة على ما جرت به العادة فكأنها أشرف من الخمر الجارية في أنهارها من الجنة . وقيل : ختامه أي مقطعه رائحة المسك إذا شرب . وهذا قول علقمة والضحاك وسعيد بن جبير ومقاتل وقتادة . قال الفراء : الختام آخر كل شيء ومنه يقال : ختمت القرآن ، والأعمال بخواتيمها ، والخاتم مثله وأنت خاتم النبيين . والتركيب يدل على القطع والانتهاء بجميع معانيه . عن أبي الدرداء مرفوعاً : هو شراب أبيض مثل الفضة يختمون به آخر شربهم ، لو أن رجلاً من أهل الدنيا أدخل فيه يده ثم أخرجها لم يبق ذو روح إلا وجد ريحه الطيبة . قال بعضهم : مزج الخمر بالأدوية الحارة مما يعين على الهضم وتقوية الشهوة ، فلعل فيه إشارة إلى قوة شهوتهم وصحة أبدانهم . ثم رغب في العمل الموجب لهذا الكرامة قائلاً { وفي ذلك فليتنافس المتنافسون } فليرغب الراغبون بالمبادرة إلى طاعة الله . قال أهل اللغة : نفست عليه الشيء نفاسة إذا ضننت به وأن لا تحب أن يصير إليه ، والتنافس تفاعل منه فإن كل واحد من الشخصين يريد أن يستأثر به لما يظهر من نفسه من الجد والاعتمال في الطاعة والعبودية . والجملة معترضة ، وفي تقديم الجار إشارة إلى أن السعي والإتعاب يجب أن يكون في مثل ذلك النعيم لا في النعيم الزائل . وتسنيم علم لعين بعينها في الجنة من سنمه إذا رفعه لأنها أرفع شراب هناك ، ولأنها تأتيهم من فوق على ما روي أنها تجري في الهواء متسنمة فتصب في أوانيهم ، أو لأنها لكثرة مائها تعلو على كل شيء تمرّ به ، أو يرى فيها ارتفاع وانخفاض . والتركيب يدل على الارتفاع ومنه سنام البعير عن ابن عباس : أشرف شراب أهل الجنة هو التسنيم فالمقرّبون يشربونها صرفاً وتمزج لأصحاب اليمين . فقال بعض أهل العرفان : وذلك أن المقرّبين السابقين لا يشتغلون إلا بمطالعة وجه الله الكريم ، وأما أهل اليمين فإنه يكون شرابهم ممزوجاً لأن نظرهم تارة إلى الله وتارة إلى الخلق . ثم حكى قبائح أفعال الكافرين على أن التكلم واقع في يوم القيامة بدليل قوله عقيبه { فاليوم } قال المفسرون : هم مشركو مكة أبو جهل والوليد بن المغيرة وأضرابهما ، كانوا يضحكون من عمار وصهيب وبال وغيرهم من فقراء المؤمنين . وقيل : جاء علي بن أبي طالب رضي الله عنه في نفر من المسلمين فسخر منهم المنافقون وضحكوا وتغامزوا ثم رجعوا إلى أصحابهم فقالوا : رأينا اليوم الأصلع فضحكوا منه فنزلت هذه الآي قبل أن يصل علي كرم الله وجهه إلى النبي صلى الله عليه وسلم . والتغامز تفاعل من الغمز وهو الإشارة بالعين أو الحاجب أو الشفة ، وأكثر ذلك إنما يكون على سبيل الخبث . ومعنى { فكهين } متلذذين بذكرهم والسخرية منهم . قوله { وما أرسلوا } حال معترضة إنكاراً من الله عليهم وتهكماً بهم أي ينسبون المسلمين إلى الضلال والحال أنهم لم يرسلوا على المسلمين موكلين بهم حافظين عليهم أحوالهم . وجوز في الكشاف أن تكون المنفية من جملة قول الكفار فيكون إنكاراً لصدّهم إياهم عن الشرك ودعائهم إلى الإسلام . قلت : لو كان من جملة قولهم لكان الظاهر أن يقال : وما أرسلوا أي المسلمون علينا . يروى أنه يفتح للكفار باب إلى الجنة فيقال لهم : اخرجوا إليها . فإذا وصلوا إليها أغلق الباب دونهم يفعل ذلك بهم مراراً فيضحك المؤمنون منهم ناظرين إليهم على الأرائك . ولا يخفى ما في هذا الإخبار والحكاية من تسلية المؤمنين وتثبيتهم على الإسلام والتصبر على متاعب التكاليف وأذية الأعداء في أيام معدودة لنيل ثواب لا نهاية له ولا غاية . قال المبرد : ثوّب وأثاب بمعنى ، وقد تستعمل الإثابة في الشر كالمجازاة ، ويجوز أن يراد التهكم نحو { فبشرهم بعذاب } [ آل عمران : 21 ] وفي هذا القول مزيد غيظ وتوبيخ للكافرين ونوع سرور وتنفيس للمؤمنين . ويحتمل أن يكون الاستفهام للتقرير أي هل قدرنا على الإثابة نحو { فهل وجدتم ما وعد ربكم حقاً } [ الأعراف : 44 ]