Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 91, Ayat: 1-15)

Tafsir: Ġarāʾib al-Qurʾān wa-raġāʾib al-furqān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

القراءات : { تلاها } و { طحاها } مثل { دحاها } مثل { دحاها } [ الآية : 30 ] في " النازعات " { فلا يخاف } بالفاء وضم الياء : أبو جعفر ونافع وابن كثير بناء على أن { قد أفلح } جواب القسم واللام محذوف أي لقد أفلح . الوقوف : { وضحاها } ه لا { تلاها } ه ك { جلاها } ه ك { يغشاها } ه ك { بناها } ه ك { طحاها } ه ك { سوّاها } ه لا ص { وتقواها } ه لا { زكاها } ه ك { دساها } ه ط { بطغواها } ه ط لأن الظرف يتعلق بـ { كذب } أو بالطغوى { أشقاها } ه { وسقياها } ه { فعقروها } م ط { فسوّاها } ه ط { عقباها } ه . التفسير : قال النحويون : إن في ناصب { إذا تلاها } وما بعده إشكالاً لأن " ما " سوى الواو الأولى إن كن للقسم لزم اجتماع أقسام كثيرة على مقسم به واحد وهو مستنكر عند الخليل وسيبويه ، لأن استئناف قسم آخر دليل على أن القسم الأول قد استوفى حقه من الجواب فيلزم التغليظ ، وإن كن عاطفة لزم العطف على عاملين بحرف واحد وذلك أن حرف العطف ناب عن واو القسم المقتضي للجر وعن الفعل الذي يقتضي انتصاب الظرف . والجواب أنا نختار الثاني ولزوم العطف على عاملين ممنوع لأن حرف العطف ناب عن واو القسم النائب عن الفعل المتعدّي بالباء ، وكما أن واو القسم تعمل الجر في القسم والنصب في الظرف إذا قلت مثلاً ابتداء { والليل إذا يغشى } [ الليل : 1 ] لقيامه مقام قولك " اقسم بالليل إذا يغشى " فكذا حرف العطف النائب منابه نظيره قولك " ضرب زيد عمراً وبكر خالداً " فترفع بالواو وتنصب لقيامه مقام ضرب . قال بعض المتكلمين : المضاف في هذه الأقسام محذوف تقديره ورب الشمس إلى آخرها . وزيف بلزوم التكرار في قوله { وما بناها } وما بعده . وأجيب بأن " ما " في { وما بناها } وما بعده مصدرية . واعترض عليه في الكشاف بأنه يلزم من عطف قوله { فألهمهما } على قوله { وما سوّاها } فساد النظم فالوجه أن تكون " ما " موصولة . وإنما أوثرت على " من " لإرادة معنى الوصفية كأنه قيل : والسماء والقادر العظيم الذي بناها ، ونفس والحكيم الذي سوّاها ، على أنه قد جاء " ما " مستعملاً في " من " كقولهم " سبحان ما سخركن لنا " . أما الذين لم يقدروا المضاف فأورد عليهم أنه يلزم تأخير القسم برب السماء وبانيها عن القسم بالسماء . والجواب أن الله عز قائلاً أراد أن نتدرج من المحسوسات إلى المعقولات ومن المصنوعات إلى الصانع ، ولا يخفى أن المحسوسات أظهرها هو الشمس فذكرها سبحانه مع أوصافها الأربعة الدالة على عظمتها . فأول أعظم الأوصاف الضوء الحاصل منها عند ارتفاع النهار ، وثانيها تلو القمر لها غاية في منتصف الشهر أو تلوه لها في أخذ الضور عنها أو في غروبه ليلة الهلال بعدها قاله قتادة والكلبي . وقيل : في كبر الجرم بحسب الحس وفي ارتباط مصالح هذا العالم بحركته . والثالث والرابع بروزها لمجيء النهار واختفاؤها لمجيء الليل . ثم ذكر ذاته المقدسة وعقبه بأنواع تدابيره في السماء والأرض وفي البسائط وما يتركب منها وأشرفها النفس . ولنشتغل بتفسير بعض الألفاظ . قال الليث : الضحو ارتفاع النهار والضحى فوق ذلك . والضحاء بالمد إذا امتد النهار وقرب أن ينتصف . وتلاها تبعها بإحدى المعانى المذكورة ، والتجلية الكشف والعيان . والضمير في { جلاها } للشمس في الظاهر على ما قال الزجاج وغيره ، لأن النهار كلما كان أصدق نوراً كانت الشمس أجلى ظهوراً فإن الكشف والعيان يدل على قوة المؤثر وكماله لا قوة الأثر وكماله ، فكان النهار يبرز الشمس ويظهرها . وذهب جم غفير إلى أن الضمير يعود إلى الظلمة أو الدنيا أو الأرض بدلالة قرائن الأحوال وسياق الكلام ، ولعل الوجه الأول أولى لأن عود الضمير إلى المذكور أقرب منه إلى المقدر ، ولأنه يلزم تفريق الضمائر في { يغشاها } للشمس بالاتفاق وكذا في { ضحاها } و { تلاها } ولأن غشيان الليل الشمس عبارة عن ذهاب الضوء وحصول الظلمة بسبب غيبة الشمس في الأفق ، فكذا تجلية النهار إياها يجب أن تكون إشارة إلى كمال الضوء وظهوره للحس بواسطة ظهور الشمس فوق الأفق . والحاصل أن الذهن كما ينتقل من عدم الأثر إلى عدم المؤثر فجعل كأن لعدم الأثر تأثيراً في عدم المؤثر ، فكذلك ينتقل من وجود الأثر إلى وجود المؤثر فيصح أن يقال : إن وجود الأثر علة لوجود المؤثر وهذا معنى كون النهار مجلياً للشمس . والطحو مثل الدحو وقد مر في " النازعات " أي بسطها على الماء . وتنكير النفس إما للتنويع أي نفس خاصة من بين النفوس وهي النفس القدسية النبوية التي تصلح لرياسة ما سواها من النفوس ، وإما للتكثير على الوجه المذكور في قوله { علمت نفس ما أحضرت } [ التكوير : 14 ] وتسويتها إعطاء قواها بحسب حاجتها إلى تدبير البدن وهي الحواس الظاهرة والباطنة والقوى الطبيعية المخدومة والخادمة وغيرها { فألهمها فجورها وتقواها } قالت المعتزلة : هو كقول { وهديناه النجدين } [ البلد : 10 ] أي علمناه وعرفناه سلوك طريقي الخير والشر ويعضده ما بعده { قد أفلح من زكاها وقد خاب من دساها } والتدسية ضد التزكية . وأصل دسي دسس قلب أحد حرفي التضعيف ياء كما في " قضيت " . والتدسيس مبالغة الدس وهو الإخفاء في التراب قال عز من قائل { أم يدسه في التراب } [ النحل : 59 ] والضمير في " زكى " و " دس " ل " من " وقال أهل السنة : الضمير أن لله تعالى و " من " عبارة عن النفس والمعنى : قد سعدت نفس زكاها الله تعال وخلقها طاهرة ، وخابت نفس دساها الله وخلقها كافرة فاجرة . وقد يروى هذا الوجه عن سعيد بن جبير وعطاء وعكرمة ومقاتل والكلبي قالوا : أصل الإلهام من قولهم " لهم الشيء والتهمة " إذا ابتلعه و " ألهمته إياه " أي أبلعته ذلك . فالإلهام الإبلاع أي وضع الإيمان في قلب المؤمن والكفر في قلب الكافر . ثم وعظهم بقصة ثمود لقربها من ديارهم . ولأهل التأويل أن يقولوا : إنما خص هذه القصة لأن ناقة الله هي البدن وعبر بصالح عن الروح ، ولما كانت قصة ثمود مناسبة لأحوال النفس الإنسانية كما مرت في التأويلات ، وكانت هذه السورة مسوقة لبيان مراتب النفس في السعادة والشقاوة ، وخصت القصة بالذكر لذلك ، وعلى هذا التأويل قد يراد بالشمس تجلي النفس الناطقة على البدن بالتدبير الكامل ، وبالقمر الروح الحيواني . أو شمس المعرفة ، وقمر المكاشفة ، ونهار وليل المحو ، وسماء الروح وأرض القلب كما مر مراراً . والطغوى اسم من الطغيان كالتقوى من الوقاية قلبت ياؤه واواً فرقاً بين ما هي اسم وبين ما هي صفة كقولهم " امرأة خزياً وصدياً " والباء للآلة أي فعلت التكذيب بواسطة طغيانها . وقيل : المضاف محذوف والمجموع صفة للعذاب والباء للإلصاق أي كذبت ثمود بما أوعدت من العذاب ذي الطغوى كقوله { فأهلكوا بالطاغية } [ الحاقة : 5 ] والأول أوضح لئلا يكون قوله { فكذبوه } تكراراً . ومعنى { انبعث } تحركت داعيته وقوي عزمه على العقر . { وأشقاها } عاقر الناقة قدار بن سالف ، أو هو مع من ساعده على ذلك فإن أفعل التفضيل يجوز أن لا يفرق فيه بين الواحد . والجمع وعلى هذا يجوز أن يكون الضمير في { لهم } عائداً إلى الجماعة الأشقياء ، وعلى الأول يكون عائداً إلى قوم صالح . و { ناقة الله } نصب على التحذير أي احذروا عقرها { وسقياها } فلا تعتدوا بها فإن لها شرباً ولكم شرب يوم { فكذبوه } فيام أوعدهم به من نزول العذاب إن فعلوا فعقروا الناقة { فدمدم } أي فأطبق { عليهم } العذاب . قالوا : هو مضعف من قولهم " ناقة مدمدمة " إذا ألبست الشحم . والباء في { بذنبهم } للسببية فسوى الدمدمة بينهم بحيث لم يهرب منها أحد { ولا يخاف عقباها } كما يخاف ملوك الدنيا فينزجر عن استيفاء العقوبة . وجوز أن يكون الضمير لثمود أي فسوّاها بالأرض ، أو في الهلاك ولا يخاف تبعه بهلاكها وهو تعالى أعلم .