Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 92, Ayat: 1-21)
Tafsir: Ġarāʾib al-Qurʾān wa-raġāʾib al-furqān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
القراءات : { ناراً تلظى } بتشديد التاء : البزي وابن فليح . الوقوف : { يغشى } ه لا { تجلى } ه لا { والأنثى } ه لا { لشتى } ه ط { واتقى } ه لا { بالحسنى } ه لا { لليسرى } ه ط { واستغنى } ه لا { بالحسنى } ه لا { للعسرى } ط { تردّى } ه ط { للهدى } ه ز للعطف مع رعاية جانب " أنّ " والوصل أجوز لإتمام الكلام { والأولى } ه { تلظى } ه ج لأن ما بعده صفة أو استئناف { الأشقى } ه لا { وتولى } ه ط { الأتقى } ه لا { يتزكى } ه ج لأن ما بعده استئناف أو حال { تجزى } ه { الأعلى } ه ج لاختلاف الجملتين { يرضى } ه . التفسير : هذه السورة نزلت باتفاق كثير من المفسرين في أبي بكر وفي أبي سفيان ابن حرب أو أمية بن خلف ، إلا أن المعنى على العموم لقوله تعالى { إن سعيكم لشتى فأنذرتكم } ومفعول { يغشى } محذوف وهو إما الشمس كقوله تعالى { والليل إذا يغشاها } [ الآية : 4 ] أو النهار أ كل شيء يمكن تواريه بالظلام . أقسم سبحانه بالليل والنهار اللذين بتعاقبهما يتم أمر المعاش والراحة مع أنهما آيتان في أنفسهما . ومعنى { تجلى } ظهر بزوال ظلمة الليل وتبين بطلوع الشمس ثم بذاته الذي خلق كل شيء ذي روح لأن الروح إما ذكر أو أنثى ، والخنثى المشكل معين في علم الله وإن كان مبهماً في علمنا ولهذا قال الفقهاء : لو حلف بالطلاق أنه لم يلق يومه ذكراً ولا أنثى وقد لقي خنثى مشكلاً حنث . وقيل : هما آدم وحواء { شتى } جمع شتيت وهو المتفرق المختلف . ثم بين اختلاف الأعمال في ذاتها وفيما يرجع إليها في العاقبة من الثواب والعقاب أو التوفيق والخذلان . " عن علي رضي الله عنه أنه قال : خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في جنازة فقعد رسول الله صلى الله عليه وسلم وقعدنا حوله فقال " ما منكم نفس منفوسة إلا وقد علم مكانها من الجنة والنار . فقلنا : يا رسول الله أفلا نتكل ؟ قال : اعملوا فكل ميسر لما خلق له ثم قرأ { فأمّا من أعطى } " يعني حقوق ما له { واتقى } المحارم { وصدّق } بالخصلة الحسنى وهي الإيمان أو كلمة الشهادة أو بالملة الحسنى أوبالمثوبة { فسنيسره } فسنهيئه للطريق اليسرى . يقال يسر الفرس للركوب إذا أسرجها وألجمها . ومعنى استغنى أنه رغب عما عند الله كأنه مستغن ، أو استغنى باللذات العاجلة عن الآجلة . والتحقيق فيه أن الأعمال الفاضلة إذا واظب المكلف عليها حصلت في نفسه ملكة نورانية تسهل عليه سلوك سبيل الخيرات حتى يصير التكليف طبعاً . والتعب راحة والتكليف عادة ، ولأن هذه الملكة تحصل بالتدريج فلا جرم أدخل الفاء في { فسنيسره } ومن فسر اليسرى بالجنة فمعنى الاستقبال عنده واضح . والرذائل بالضد حتى تصير النفس من الكسل بحيث لا تواتي صاحبها إلا في مواجب الكسل وجذب الراحات العاجلة كقوله { وإنها لكبيرة إلا على الخاشعين } [ البقرة : 45 ] { وإذا قاموا إلى الصلاة قاموا كسالى } [ النساء : 148 ] ويقرب مما ذكرنا قول القفال : كل ما أدت عاقبته إلى يسر وراحة وأمور محمودة فإن ذلك من اليسرى وذلك وصف كل الطاعات ، وكل ما أدّت عاقبته إلى عسر وتعب فهو من العسرى وذلك وصف كل المعاصي ، ومن جملة اليسرى الجنة ومن جملة العسرى النار . استدل بعض الأشاعرة بقوله { فسنيسره للعسرى } على أنه تعالى قد يخلق القبائح في المكلف ويقوي دواعيه على فعلها . والمعتزلة عبروا عن هذا التيسير بالخذلان وعن الأول بمنح الألطاف والتوفيق . ثم وبخ هذا الكافر بقوله { وما يغني عنه ماله } وهو استفهام في معنى النفي أي لا ينفعه ماله الذي بخل به { إذا تردّى } أي مات من الردى وهو الهلاك . ويجوز أن يكون من قولهم " تردّى من الجبل " أي تردّى من الحفرة في القبر أو في قعر جهنم . استدل المعتزلة بقوله { إن علينا للهدى } على أنه تعالى أزاح الأعذار وما كلف المكلف إلا ما في سعته وطاقته ، وعلى أنه يجب على الله الهداية ، وعلى أن العبد لو لم يكن مستقلاً بالإيجاد لما كان في وضع الدلائل فائدة . وأجوبة أهل السنة عن المسائل الثلاث معلومة . ونقل الواحدي عن الفراء وجهاً آخر وهو أن المراد إن علينا للهدى والإضلال فاقتصر كقوله { سرابيل تقيكم الحر } [ النحل : 81 ] وأكدوا ذلك بما روي عن ابن عباس في رواية عطاء أن معنى الآية أرشد أوليائي إلى العمل بطاعتي وأحول بين أعدائي أن يعملوا بطاعتي . ثم بين بقوله { وإن لنا للآخرة والأولى } أن لله كل ما في الدنيا والآخرة فلا يضره عصيان العاصين ولا ينفعه طاعة المطيعين ، وإنما يعود ضره أو نفعه إليهم . ويمكن أن يراد أن سعادة الدارين تتعلق بمشيئته وإرادته فيعطي الهداية من يشاء ويمنعها من يشاء . والأول أوفق للمعتزلة والثاني للأشاعرة . ثم ذكر نتيجة المواعظ المذكورة قائلاً { فأنذرتكم ناراً تلظى } يعني إذا عرفتم هذه البيانات الوافية والتقريرات الشافية فقد صح إني أنذرتكم ، ويجوز أن يراد بالمضيّ تحقق الوقوع . والمعنى على الاستقبال أي إذا تقررت مراتب النفوس الإنسانية وعرفتم درجاتها ودركاتها فإني أنذرتكم ناراً تلظى تتلهب وتتوقد وأصله تتلظى حذف إحدى التاءين . ثم إن كان المراد بالأشقى هو أبو سفيان أو أمية وبالأتقى هو أبو بكر فلا إشكال وتتناول الآية غيرهما من الأشقياء والأتقياء بالتبعية إذ لا عبرة بخصوص السبب ، وإن كان المراد أعم فإن أريد بهم الشقي والتقي فلا إشكال أيضاً ، وإن أريد حقيقة أفعل التفضيل فإما أن يراد نار مخصوصة بدلالة التنكير ، وإما أن يراد بالأشقى الكافر على الإطلاق لأنه أشقى من الفاسق . وأما الكلام في الأتقى فنقول : إنه لا يلزم من تخصيصه بالذكر نفي ما عداه . قال جار الله : هذا الكلام وارد على سبيل المبالغة فجعل الأشقى مختصاً بالصلى كأن النار لم تخلق إلا له ، وجعل الأتقى مختصاً بالنجاة كأن الجنة لم تخلق إلا له . وقوله { يتزكى } أي يطلب أن يكون عند الله زاكياً ، أو هو من الزكاة لا محل له لأنه بدل من { يؤتى } والصلة لا محل لها لأنها كبعض الكلمة ، أو هو منصوب المحل على الحال . قال بعض المفسرين : إن بلالاً كان يعذب في الله وهو يقول أحد أحد ، فسمع بذلك أبو بكر فحمل رطلاً من ذهب فابتاعه به فقال المشركون : ما فعل ذلك أبو بكر إلا ليد كانت لبلال عنده فنزل { وما لأحد عنده من نعمة تجزى إلا ابتغاء } قال أكثر النحويين : هذا الاستثناء منقطع لأن الابتغاء ليس من جنس النعمة . وقال الفراء : وهو مفعول له من { يؤتى } على المعنى أي لا ينفق ماله إلا ابتغاء رضوان الله لا لمكافأة نعمة { ولسوف يرضى } عن الله أو يرضى الله عنه فيكون راضياً مرضياً . واعلم أن بعض الشيعة زعموا أن السورة نزلت في عليّ رضي الله عنه لقوله { يتزكى } لأنه قال في موضع آخر { ويؤتون الزكاة وهم راكعون } [ المائدة : 55 ] وقال بعض أهل السنة : إنها تدل على أفضلية أبي بكر لأنه قال في وصف عليّ وسائر أهل البيت رضي الله عنهم { ويطعمون الطعام } [ الدهر : 8 ] إلى قوله { إنا نخاف } [ الدهر : 10 ] وذكر في صفة أبي بكر أنه لا ينفق إلا لوجه الله من غير شائبة رغبة أو رهبة ، وهذا المقام أعلى وأجل . وعندي أن أمثال هذه الدلائل لا تصلح لترجيح أكابر الصحابة بعضهم على بعض ، وأن نزول هذه السورة في الشخص الفلاني مبني على الرواية فلا سبيل للاستدلال إليه ، وإليه المرجع والمآب والله أعلم .