Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 99, Ayat: 1-8)
Tafsir: Ġarāʾib al-Qurʾān wa-raġāʾib al-furqān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
القراآت { يره } ساكنة الهاء في الحرفين : الحلواني عن هشام . الوقوف : { زلزالها } ه لا { أثقالها } لا { مالها } ه لا لاحتمال حذف عامل " إذا " أي أذا كانت هذه الأمور ترى ما ترى واحتمال أن يكون العامل { تحدث } و { يومئط } بدلاً من " إذا " { أخبارها } ه لا { لها } ه ط { أعمالهم } ه ط { يره } ه ط { يره } ه . التفسير : لما ختم السورة المتقدمة بالوعيد والوعد أتبعه بذكر وقت الجزاء وعدد من إماراته الزلزلة الشديدة التي تستأهلها الأرض وهي معنى إضافة الزلزال إلى ضمير الأرض . قال أهل المعاني : هو كقولك " أكرم التقي إكرامه وأهن الفاسق إهانته " يريد ما يستوجبانه من الإكرام والإهانة . وقريب منه قول من قال : أراد بزلزالها كل الزلزال وجميع ما هو ممكن منه أي يوجد الزلزلة كل ما يحتمل المحل . وقيل : زلزالها الموعود والمكتوب عليها لما أنها قدرت تقدير الحي . يروى أنها تتزلزل من شدة صوت إسرافيل عليه السلام . ومن امارات الساعة إخراج الأرض أثقالها أي ما في جوفها من الدفائن والأموات قال أبو عبيدة والأخفش : إذا كان الميت في بطن الأرض فهو ثقل لها وإذا كان فوقها فو ثقل عليها وسمي الإنس والجن بالثقلين لذلك . يروى أنها تخرج كنوزها فيملأ ظهر الأرض ذهباً ولا أحد يلتفت إليه ، وكأن الذهب بصيح ويقول : أما كنت تخرب دينك ودنياك لأجلي ؟ ويمكن أن تكون الفائدة في إخراجها أن يحمى عليها في نار جهنم فتكوى بها الجباه والجنوب والظهور قالوا : إناه عند النفخة الأول تتزلزل فتلفظ بالكنوز والدفائن ، وعند النفخة الثانية ترجف فتخرج الأموات أحياء كالأم تلد حياً . وقيل : تلفظهم أمواتاً ثم يحييهم الله تعالى . وقيل : أثقالها أسرارها فيومئذ تكشف الأسرار ولذلك قال { يومئذ تحدث أخبارها } أي تشهد لك وعليك { وقال الإنسان ما لها } تعجباً من حالها . وقيل : والكافر لأنه كان لا يؤمن بالبعث فيقول { من بعثنا من مرقِدنا } [ يس : 52 ] وأما المؤمن فيقول { هذا ما وعد الرحمن وصدق المرسلون } [ يس : 52 ] والباء في قوله { بأن ربك } إما أن تتعلق بـ { تحدث } والإيحاء بمعنى الأمر أي تحدث بسبب أن ربك أمرها بالتحديث ومفعول { تحدث } محذوف أي تحدث الناس ، أو متروك لأن المقصود تحديثها لا من تحدثه . وقيل : تحديثها بأن ربك أوحى لها تحديث بأخبارها كما تقول " نصحتني كل النصيحة بأن نصحتني في الدين " . وقيل : بدل من { أخبارها } لأنك تقول : حدثته كذا وحدثته بكذا . وأوحى لها بمعنى أوحى إليها وهو مجاز عند صاحب الكشاف . وأبي مسلم كأنها بلسان الحال تبين لكل أحد جزاء عمله ، أو تحدث أن الدنيا قد انقضت والآخرة قد أقبلت . والجمهور على أنه تعالى يجعل الأرض ذات فهم ونطق ويعرفها جميع ما عمل عليها فحينئذ تشهد لمن أطاع وعلى من عصى . وكان علي رضي الله عنه إذا فرغ بيت المال صلى فيه ركعتين ويقول : إشهدي أني ملأتك بحق وفرغتك بحق . وقيل : لفظ التحديث يفيد الاستئناس ، فعل الأرض تبث شكواها إلى أولياء الله وملائكته ، وقالت المعتزلة : إن الله تعالى يخلق في الأرض وهي جماد أصواتاً مقطعة مخصوصة فيكون المتكلم والشاهد على أن التقدير هو الله . قوله { يصدر } الصدر ضد الورود فالوارد الجائي والصادر المنصرف ، { أشتاتاً } أي متفرقين جمع شت أو شتيت أي يذهبون من مخارج قبورهم إلى الموقف . فبعضهم إثر بعض راكبين مع الثياب الحسنة وبياض الوجه وينادي مناد بين يديه هذا ولي الله ، وبعضهم مشاة عراة حفاة سود الوجوه مقيدين بالسلاسل والأغلال والمنادي ينادي هذا عدو الله . وقيل : أشتاتاً أي كل فريق مع شكله اليهودي مع اليهودي ، والنصراني مع النصراني وقيل : من كل قطر من أقطار الأرض ليروا صحائف أعمالهم أو جزاء أعمالهم وهو الجنة أو النار وما يناسب كلاً منهما . والذرة أصغر النمل أو هي الهباءة ، وعن ابن عباس إذا وضعت راحتك على الأرض ثم رفعتها فكل واحد مما لزق بها من التراب مثقال ذرة ، فليس من عبد عمل خيراً أو شراً ، قليلاً كان أو كثيراً إلا أراه الله تعالى إياه . قال مقاتل : نزلت هذه الآية في رجلين وذلك أنه لما نزل { ويطعمون الطعام على حبه } [ الدهر : 8 ] كان أحدهما يأتيه السائل فيسأم أن يعطيه الثمرة والكسرة والجوزة ويقول : ما هذا بشيء وإنما يؤجر على ما نعطي وكان أحدهما يتهاون بالذنب الصغير ويقول : لا شيء علي من هذا فرغب الله تعالى في القليل من الخير لأنه يوشك أن يكثر ، وحذر من الذنب اليسير فإنه يوشك أن يعظم ، فلهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم " اتقوا النار ولو بشق تمرة فمن لم يجد فبكلمة طيبة " والتحقيق أن المقصود النية فإن كان العمل قليلاً والنية خالصة حصل المطلوب ، وإن كان العمل كثيراً والنية فاسدة فالمقصود فائت ، ولهذا قال كعب الأحبار : لا تحقروا شيئاً من المعروف فإن رجلاً دخل الجنة بإعارة إبرة في سبيل الله ، وإن امرأة أعانت بحبة في بناء بيت المقدس فدخلت الجنة . وعن عائشة أنه كان بين يديها عنب قدمته إلى نسوة بحضرتها فجاء سائل فأمرت له بحبة من ذلك ، فضحك بعض من كان عندها فقالت : إن فيما ترون مثاقيل وتلت هذه الآية . قال جار الله : إن حسنات الكافر محبطة بالكفر وسيئات المؤمن مكفرة باجتناب الكبائر ، فما معنى الجزاء لمثاقيل الذر من الخير والشر ؟ وأجاب على مذهبه بأن المعنى فمن يعمل من فريق السعداء مثقال ذرة خيراً يره ، ومن يعمل من فريق الأشقياء مثقال ذرة شراً . يره . وذلك أن الحكم جاء بعد قوله { يصدر الناس أشتاتاً } والأولى في جوابه ما روي عن ابن عباس : ليس من مؤمن ولا كافر عمل خيراً أو شراً إلا أراه الله تعالى إياه . فأما المؤمن فيغفر له سيئاته ويثاب بحسناته وأما الكافر فترد حسناته ويعذب بسيئاته . وقل : إن حسنات الكافر وإن كانت محبطة بكفرة لكن الموازنة معتبرة فتقدر تلك الحسنات انحبطت من عقاب كفره ، وكذا القول في الجانب الآخر . وعن محمد بن كعب القرظي : معناه فمن يعمل مثقال ذرة من خير وهو كافر فإنه يرى ثواب ذلك في الدنيا في نفسه أو أهله أو ماله حتى يلقى الآخرة وليس له فيها خير ، ومن يعمل مثقال ذرة من شر وهو مؤمن فإنه يرى عقوبة ذلك في الدنيا في نفسه أو أهله أو ماله حتى يلقى الآخرة وليس له فيها شر ، وهذا مروي عن ابن عباس أيضاً ويؤيده ما روي أنه صلى الله عليه وسلم قال لأبي بكر : يا أبا بكر ما رأيت في الدنيا مما تكره فبمثاقيل ذر الشر ويدخر الله لك مثاقيل الخير حتى توفاها يوم القيامة . فإن قيل : إن كان الأمر إلى هذا الحد فأين الكرم ؟ قلت : هذا هو الكرم لأن المعصية وإن قلت ففيها استخفاف والكريم لا يحتمله ، والطاعة تعظيم وإن قلت فالكريم لا يضيعه . قال أهل العرفان : كأنه تعالى يقول : ابن آدم أنك مع ضعفك وعجزك لم تضيع ذرة من مخلوقاتي بل نظرت فيها واعتبرت بها واستدللت بوجودها على وجود الصانع ، فأنا مع كمال قدرتي وكرمي كيف أضيع ذرتك والله الكريم .