Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 10, Ayat: 5-9)
Tafsir: al-Ǧawāhir al-ḥisān fī tafsīr al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
وقوله سبحانه : { هُوَ ٱلَّذِي جَعَلَ ٱلشَّمْسَ ضِيَاءً وَٱلْقَمَرَ نُوراً … } الآية : هذا استمرارٌ على وَصْف آياته سبحانه ، والتنْبيه على صنعته الدَّالة علَى وحدانيته ، وعظيم قُدْرته . وقوله : { قَدَّرَهُ مَنَازِلَ } : يحتمل أنْ يعود الضمير على « القمر » وحده ؛ لأنه المراعَى في معرفة عَدَدِ السِّنينَ والحِسَابِ عنْد العرب ، ويحتمل أنْ يريدَ الشَّمْسَ والقَمَرَ معاً ، لكنه ٱجتزأ بذكْر أَحدهما ؛ كما قال : { وَٱللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَن يُرْضُوهُ } [ التوبة : 62 ] . وقوله : { لِتَعْلَمُواْ عَدَدَ ٱلسِّنِينَ وَٱلْحِسَابَ } أيْ : رفقاً بكم ، ورَفعاً للالتباس في معايشِكُم وغير ذلك مما يُضْطَرُّ فيه إلى معرفة التواريخ . وقوله : { لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ } : إِنما خصهم ، لأن نَفْعَ هذا فيهم ظَهَرَ . وقوله سبحانه : { إِنَّ فِي ٱخْتِلَـٰفِ ٱلَّيْلِ وَٱلنَّهَارِ وَمَا خَلَقَ ٱللَّهُ فِي ٱلسَّمَـٰوَاتِ وَٱلأَرْضِ … } الآية : آية ٱعتبارٍ وتنبيهٍ ، والآياتُ : العلامات ، وخصَّص القوم المتَّقين ؛ تشريفاً لهم ؛ إِذ ٱلاعتبارُ فيهم يقع ، ونسبتهم إِلَى هذه الأشياء المَنْظُور فيها أَفْضَلُ مِنْ نسبة مَنْ لم يَهْتَدِ ولا ٱتَّقى . وقوله سبحانه : { إِنَّ ٱلَّذِينَ لاَ يَرْجُونَ لِقَاءنَا … } الآية : قال أبو عُبَيْدة وغيره : { يَرْجُونَ } ، في هذه الآية : بمعنى يخافُون ؛ وٱحتجُّوا ببَيْتِ أَبي ذُؤَيْبٍ : [ الطويل ] @ إِذَا لَسَعَتْهُ النَّحْلُ لَمْ يَرْجُ لَسْعَهَا وَحَالَفَهَا فِي بَيْتِ نُوبٍ عَوَامِلِ @@ وقال ابن سِيدَه والفرّاء : لفظة الرَّجاءِ ، إِذا جاءَتْ منفيَّةً ، فإِنها تكونُ بمعنى الخَوْفِ ، فعَلَى هذا التأويل معنى الآية : إِنَّ الذين لا يخافون لقاءنا ، وقال بعض أهل العلم : الرجاءُ ، في هذه الآية : على بابه ؛ وذلك أن الكافر المكذِّب بالبعث لا يُحْسِنُ ظَنًّا بأنه يَلْقَى اللَّه ، ولا له في الآخرة أمَلٌ ؛ إِذ لو كان له فيها أَمَلٌ ؛ لقارنه لا محالة خَوْفٌ ، وهذه الحالُ من الخَوْفِ المقارِنِ هي القائِدَةُ إِلى النجاة . قال * ع * : والذي أقُولُ به : إنَّ الرجاء في كلِّ موضع هو علَى بابه ، وأنَّ بيت الهُذَلِيِّ معناه : لَمْ يَرْجُ فَقَدْ لَسْعِهَا ، قال ابن زَيْد : هذه الآية في الكُفَّار . وقوله سبحانه : { وَرَضُواْ بِٱلْحَيَوٰةِ ٱلدُّنْيَا } : يريد : كَانَتْ مُنتَهى غرضهم ، وقال قتادة في تفسير هذه الآية : إِذا شئْتَ رأَيْت هذا الموصُوفَ صاحِبَ دنيا ، لها يغضبُ ، ولها يرضَى ، ولها يفرح ، ولها يهتَمُّ ويحزن ، فكأَنَّ قتادةَ صَوَّرها في العصاةِ ، ولا يترتب ذلك إِلا مع تأوُّل الرَّجَاءِ على بابه ؛ لأن المؤمِنَ العاصِيَ مستَوْحِشٌ من آخرته ، فأما على التأويلِ الأول ، فمن لا يخافُ اللَّه ، فهو كَافِرٌ . وقوله : { وَٱطْمَأَنُّواْ بِهَا } : تكميلٌ في معنى القناعةِ بها ، والرفْضِ لغيرها . وقوله : { وَٱلَّذِينَ هُمْ عَنْ آيَـٰتِنَا غَـٰفِلُونَ } : يحتمل أنْ يكون ٱبتداءَ إِشارةٍ إِلى فرقةٍ أُخرَى ، ثم عقَّب سبحانه بذكْر الفرقة الناجيَةِ ، فقال : { إِنَّ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّـٰلِحٰتِ يَهْدِيهِمْ رَبُّهُم … } الآية ، الهدايةُ في هذه الآية تحتملُ وجْهين : أحدهما : أن يريد أنَّه يديمهم ويثبِّتهم . الثَّانِي : أنْ يريد أنه يرشدُهم إِلى طريق الجِنانِ في الآخرة . وقوله : { إِيمَـٰنِهِمْ } يحتملُ أَنْ يريد : بسبب إِيمانهم ، ويحتمل أن يكونَ الإِيمانُ هو نَفْس الهُدَى ، أيْ ، يهديهم إِلى طريق الجنة بنور إِيمانهم . قال مجاهد : يكون لهم إِيمانُهم نوراً يمشُونَ به ، ويتركَّب هذا التأويل ، على ما رُوِيَ عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم : " أَنَّ العَبْدَ المُؤْمِنَ ، إِذَا قَامَ مِنْ قَبْرِهِ لِلْحَشْرِ تَمَثَّلَ لَهُ رَجُلٌ جَمِيلُ الوَجْهِ طَيِّبُ الرَّائِحَةِ ، فَيَقُولُ : مَنْ أَنْتَ ؟ فَيَقُولُ : أَنَا عَمَلُكَ الصَّالِحُ فَيَقُودُهُ إِلَى الجَنَّةِ ، وبعَكْسِ هذا في الكَافِرِ " ، ونحو هذا مما أسنده الطبري وغيره .