Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 11, Ayat: 44-48)
Tafsir: al-Ǧawāhir al-ḥisān fī tafsīr al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
وقوله سبحانه : { وَقِيلَ يَٰأَرْضُ ٱبْلَعِي مَاءَكِ … } الآية : البَلْع : تجرُّع الشيء ؛ وٱزْدِرَادُهُ ، والإِقلاع عن الشيء : تركُه ، و { غِيضَ } معناهُ : نَقَصَ ، وأكْثَرُ ما يجيء فيما هو بمعنى الجُفُوف ، وقوله : { وَقُضِيَ ٱلأَمْرُ } : إِشارة إِلى جميع القصَّة : بعثِ الماء ، وإِهلاكِ الأُممِ ، وإِنجاءِ أَهْلِ السفينة . قال * ع * : وتظاهرت الرواياتُ وكُتُبُ التفسير بأَنَّ الغرق نَالَ جميعَ أَهْلِ الأَرْضِ ، وعَمَّ الماءُ جَمِيعَهَا ؛ قاله ابن عباس وغيره ، وذلك بَيِّن من أمْرِ نوحٍ بحمل الأزواجِ مِنْ كلِّ الحيوانِ ، ولولا خَوْفُ فنائها مِنْ جميعِ الأرضِ ، ما كان ذلك ، وروي أنَّ نوحاً عليه السلام رَكِبَ في السفينةِ مِنْ عَيْنِ الوَرْدَةِ بالشامِ أَوَّلَ يَوْمٍ مِنْ رَجَبٍ ، وٱسْتَوَتْ [ السفينة ] على الجودِيِّ في ذي الحِجَّة ، وأقامَتْ عليه شهراً ، وقيل له : { ٱهْبِطْ } في يوم عاشُورَاءَ ، فصامه هو ومَنْ معه ، وروي أنَّ اللَّه تعالى أَوحى إِلى الجبالِ ؛ أَنَّ السفينة تَرْسِي على واحد منها ، فتطاوَلَتْ كلُّها ، وبقي الجُودِيُّ ، وهو جبلٌ بالمَوْصِل في ناحيةِ الجزيرةِ ، لم يتطاوَلْ ؛ تواضعاً للَّه ؛ فاستوت السفينةُ بأمْر اللَّهِ عليه ، وقال الزَّجَّاجُ : الجُودِيُّ : هو بناحية « آمد » ، وقال قوم : هو عند باقردي ، وأكْثَرَ النَّاسُ في قصص هذه الآية ، واللَّه أعلم بما صَحَّ من ذلك . وقوله : { وَقِيلَ بُعْدًا } : يحتمل أنْ يكون من قول اللَّه عزَّ وجلَّ ؛ عطفاً على قوله : { وَقِيلَ } الأولِ ، ويحتملُ أن يكون من قول نوحٍ والمؤمنين ، والأول أظهر . وقوله : { إِنَّ ٱبُنِي مِنْ أَهْلِي … } الآية : ٱحتجاج من نوحٍ عليه السلام أَنَّ اللَّه أمره بحَمْلِ أهله ، وٱبْنُهُ من أهله ، فينبغي أن يُحْمَلَ ، فأظهر اللَّه له أنَّ المراد مَنْ آمَنَ من الأهْلِ ، وهذه الآية تقتضي أن نوحاً عليه السلام ظَنَّ أنَّ ابنه مؤمنٌ . وقوله : { إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ } أي : الذين عَمَّهم الوعْد ؛ لأنه ليس على دينِك ، وإِن كان ٱبْنَكَ بالولادة . وقوله : { عَمَلٌ غَيْرُ صَـٰلِحٍ } : جعله وصفاً له بالمصدر ؛ على جهة المبالغة في وصفه بذلك ؛ كما قالت الخَنْسَاءُ تصفُ ناقَةً ذَهَبَ عنْها ولَدُها : [ البسيط ] @ تَرْتَعُ مَا رَتَعَتْ حَتَّى إِذَا ٱدَّكَرَتْ فَإِنَّمَا هِيَ إِقْبَالٌ وَإِدْبَارُ @@ أي : ذاتُ إِقبالٍ وإِدبارٍ ؛ ويبيِّن هذا قراءةُ الكسَائِيِّ « إِنَّهُ عَمِلَ غَيْرَ صَالحٍ » فعلاً ماضياً ، ونصب « غير » على المفعول لـــ « عَمِلَ » ، وقولُ من قال : « إِن الولد كان لِغِيَّةٍ » خطأ محضٌ ، وهذا قولُ ابنِ عبَّاسٍ والجمهور ؛ قالوا : وأما قوله تعالى : { فَخَانَتَاهُمَا } [ التحريم : 10 ] فإِن الواحدة كانَتْ تقول للناس : هو مجنونٌ ، والأخرَى كانت تنبِّه على الأضيافِ ، وأما خيانة غَيْرُ هذا ، فلا ؛ ويَعْضُدُه المعنَى ، لشرف النبوَّة ، وجوَّز المَهْدَوِيُّ أَنْ يعود الضمير في « إِنَّهُ » على السؤال ، أي : إِن سؤالك إِيَّايَ ما ليس لَكَ به علْم عملٌ غَيْرُ صالحٍ ؛ قاله النَّخَعِيُّ وغيره . انتهى . والأولُ أبينُ ؛ وعليه الجمهورُ ، وبه صدَّر المهدويُّ ، ومعنى قوله : { فَلاَ تَسْأَلْنِ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ } أي : إِذَا وَعَدتكَ ، فٱعلم يقيناً ؛ أَنه لا خُلْفَ في الوعد ، فإِذا رأيتَ ولدك لم يُحْمَلْ ، فكان الواجبُ عليك أنْ تقف ، وتَعْلَم أَنَّ ذلك بحقٍّ واجبٍ عند اللَّه . قال * ع * : ولكنَّ نوحاً عليه السلام حملته شفقةُ الأُبوَّة وسجيَّة البَشَر على التعرُّض لنفَحَاتِ الرحْمة ، وعَلَى هذا القَدْر وقَع عتابُهُ ؛ ولذلك جاء بتلطُّف وترفيع في قوله سبحانه : { إِنِّي أَعِظُكَ أَن تَكُونَ مِنَ ٱلْجَـٰهِلِينَ } ، ويحتمل قوله : { فَلاَ تَسْأَلْنِ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ } أي : لا تطلُبْ منِّي أمراً لا تعلم المصلحة فيه عِلْمَ يقينٍ ، ونحا إِلى هذا أبو عليٍّ الفارسيُّ ، وهذا والأول في المعنَى واحدٌ . وقوله : { رَبِّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ أَنْ أَسْأَلَكَ مَا لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ } : إِنابة منه عليه السلام ، وتسليمٌ لأمر ربه ، والسؤالُ الذي وقع النهْيُ عنه ، إِنما هو سؤالُ العَزْمِ الذي معه محاجَّة وطَلِبَةٌ مُلِحَّةٌ فيما قد حُجِبَ وجْهُ الحكمة فيه ، وأما السؤال ؛ علَى جهة ٱلاسترشاد والتعلُّم ، فغير داخل في هذا ، ثم قيل له : { ٱهْبِطْ بِسَلَـٰمٍ } ، وذلك عند نزوله من السفينة ، والـــ { سَلَـٰم } ؛ هنا : السلامةُ والأمن ، والـــ { بَرَكَـٰتٍ } الخيرُ والنموُّ في كلِّ الجهات ، وهذه العِدَةُ ، تعمُّ جميع المؤمنين إِلى يوم القيامة ، قاله محمد بن كَعْب القُرَظِيُّ ، ثم قطع قَوْلُهُ : { وَأُمَمٍ } عَلَى وجْه ٱلابْتِدَاء ، وهؤلاء هم الكُفَّار إِلى يوم القيامة .