Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 114, Ayat: 1-6)

Tafsir: al-Ǧawāhir al-ḥisān fī tafsīr al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله عز وجل : { قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ ٱلنَّاسِ * مَلِكِ ٱلنَّاسِ * إِلَـٰهِ ٱلنَّاسِ * مِن شَرِّ ٱلْوَسْوَاسِ ٱلْخَنَّاسِ } : { ٱلْوَسْوَاسِ } : اسم مِنْ أسماء الشيطانِ ، وقولُه : { ٱلْخَنَّاسِ } معناه : الرَّاجِعُ علَىٰ عَقِبِهِ المُسْتَتِرُ أحياناً ، فإذَا ذكر العَبْدُ اللَّه تعالى وتعوَّذ ، تذكَّر فأبْصَرَ ؛ كما قال تعالى : { إِنَّ ٱلَّذِينَ ٱتَّقَوْاْ إِذَا مَسَّهُمْ طَـٰئِفٌ … } [ الأعراف : 201 ] قال النَّوَوِيُّ : قال بعضُ العلماءِ : يُسْتَحَبُّ قَول : لا إلٰه إلا اللَّهِ لِمَنِ ٱبْتُلِيَ بالوَسْوَسَةِ في الوضوءِ والصلاةِ وشِبْهِهِمَا ؛ فإن الشيطان إذا سمع الذِّكرَ ، خَنَسَ ، أي : تأخَّر وبَعُدَ ، و « لا إله إلا اللَّهُ » : رَأْسُ الذِّكْرِ ؛ ولذلك ٱختارَ السَّادَةُ الجِلَّةُ مِنْ صَفْوة هذه الأمة أهْلُ تربيةِ السَّالكين وتأدِيبِ المُرِيدِينَ ـــ قَوْلَ « لا إلٰه إلا اللَّه » لأَهْلِ الخَلْوَةِ ـــ ، وأمَرُوهم بالمداومة علَيْهَا ، وقالوا : أنْفَعُ علاجٍ في دَفْعِ الوسوسةِ الإقبالُ علَىٰ ذِكْرِ اللَّه تَعالَىٰ والإكْثَارُ منْه ، وقال السَّيِّدُ الجليلُ أحْمَدُ بْنُ أبي الحوارِيِّ : شَكَوْتُ إلَىٰ أبي سُلَيْمَانَ الدَّرَانِيِّ الوَسْوَاسَ ، فقال : إذا أَرَدت أَنْ ينقطعَ عَنْكَ ، فَأَيَّ وَقْتٍ أحْسَسْتَ به ، فٱفْرَحْ ، فإنك إذا فَرِحْتَ به ، ٱنقطَعَ عنك ؛ لأنه ليْسَ شيءٌ أبْغَضُ إلى الشيطانِ مِنْ سرورِ المؤمن ، وإن ٱغْتَمَمْتَ بِه ، زَادَكَ ، * ت * : وهذا مما يؤيِّد ما قاله بَعْضُ الأئمة ؛ أنَّ الوسواس إنما يُبْتَلَىٰ به مَنْ كَمُلَ إيمانه ؛ فإن اللِّصَّ لا يقصدُ بيتاً خَرباً . انتهى ، * ت * : ورأيتُ في « مختصر الطبريِّ » نَحْوَ هٰذا . وقوله تعالى : { مِنَ ٱلْجِنَّةِ } يعني : الشياطينَ ، ويظهر أنْ يَكُونَ قولُهُ : { وَٱلنَّاسِ } يراد به : مَنْ يُوَسْوِسُ بخدعة مِنَ الشَّرِّ ، ويدعو إلى الباطل ، فهو في ذلك كَالشَّيْطان ، قال أحْمَدُ بْنُ نَصْرٍ الداوديُّ : وعن ابن جُرَيْجٍ : { مِنَ ٱلْجِنَّةِ وَٱلنَّاسِ } قَالَ : « إنهما وَسْوَاسَانِ ، فَوَسْوَاسٌ من الجِنَّة ، ووَسْوَاسٌ مِنْ نَفْسِ الإنسان » انتهى ، وفي الحديث الصحيحِ ، " أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ إذَا آوَىٰ إلَىٰ فِرَاشِهِ كُلَّ لَيْلَةٍ جَمَعَ كَفَّيْهِ ، ثُمَّ نَفَثَ فِيهِمَا ، فَقَرأَ : « قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ » ، و « قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الفَلَقِ » ، و « قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ » ثُمَّ مَسَحَ بِهِمَا مَا ٱسْتَطَاعَ مِنْ جَسَدِهِ يَبْدَأ بِهِما مِنْ رَأْسه وَوَجْهِهِ ، وَمَا أَقْبَلَ مِنْ جَسَدِهِ ؛ يَفْعَلُ ذَلِكَ ثَلاَثَ مَرَّاتٍ ـــ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَىٰ آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيماً " . يَقُولُ العبدُ الفقيرُ إِلى اللَّه تعالىٰ : عَبْدُ الرحمٰنِ بْنُ مُحَمِّدِ بْنِ مَخْلُوفٍ الثَّعَالِبِيُّ لَطَفَ اللَّهُ به في الدارَيْنِ : قَدْ يَسَّرَ اللَّهُ عزَّ وجلَّ في إِتمام تَِلْخِيصِ هذا المختَصَر ؛ وقَدْ أودَعتُهُ بحَوْلِ اللَّهِ جزيلاً من الدُّرَر ، قد ٱسْتَوعَبْتُ فيه - بِحَمْدِ اللَّهِ - مُهِمَّاتِ ابْنِ عِطَيَّةَ ، وأسقطْتُ كَثيراً من التَّكْرار ، وما كان من الشَّواذِّ في غاية الوهي ، وزدْتُ من غيره جَوَاهِرَ ونَفَائِسَ لا يُسْتَغْنَىٰ عنها مميزةً معزوَّة لِمَحَالِّها مَنْقُولةً بألفاظِهَا ، وتوخَّيْتُ في جميع ذلك الصِّدْقَ والصَّواب ، وإلى اللَّه أَرْغَبُ في جَزِيلِ الثواب ، وقد نَبَّهْتُ بَعْضَ تَنْبِيهٍ ، وعرَّفْتُ بأيام رِحْلَتِي في طَلَبِ العِلْمِ بعْضَ تعريفٍ عِنْدَ خَتْمِي لتفسير سورة الشُّورَىٰ ؛ فَلْيَنْظُرْ هُنَاكَ ، واللَّهُ المَسْؤُولُ أنْ يجعَلَ هذا السعْيَ منا خالصاً لوَجْهِهِ ، وعملاً صالحاً يقرِّبنا إِلَىٰ مرضاته ، ومَنْ وَجَدَ في هذا الكتاب تَصْحِيفاً أو خَلَلاً فَأَرْغَبُ إِلَيْهِ أَنْ يُصْلِحَهُ مِنَ الأُمِّهاتِ المَنْقُولِ منها متثبِّتاً في ذلك لا برَأْيه وبديهةِ عَقْلِهِ : [ من الوافر ] @ فَكَمْ مِنْ عَائِبٍ قَوْلاً صَحِيحــاً وَآفَتُهُ مِنَ الفَهْمِ السَّقِيـــمِ @@ وكان الفراغُ من تألِيفه في الخامسَ عَشَرَ مِنْ رَبِيع الأَوَّلِ مِنْ عَامِ ثَلاَثَةٍ وثَلاَثِينَ وَثَمَانِمائَةٍ وَأَنَا أَرْغَبُ إِلى كُلِّ أَخ نَظَرَ فيه أنْ يُخْلِصَ لي وَلَهُ بِدَعْوَةٍ صالحةٍ ، وهذا الكتابُ لاَ يَنْبَغِي أنْ يَخْلُوَ عنه مُتَدَيِّنٌ ، ومُحِبٌّ لكلامِ رَبِّه ، فإِنه يَطَّلِعُ فيه عَلَىٰ فَهْمِ القرآن أجْمَعَ في أَقْرَبِ مُدَّةٍ ، وليس الخَبَرُ كَالعِيَانِ ، هذا مَعَ مَا خُصَّ بِهِ تَحْقِيقِ كَلامَ الأَئِمَّةِ المحقِّقينَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهم - نَقَلْتُهُ عَنْهُمْ بألفاظِهِمْ متحرِّياً لِلصَّوَابِ ، ومِنَ اللَّهِ أَرْتَجِي حُسْنَ المَآب ، وصَلَّى اللَّهُ عَلَىٰ سَيِّدِنَا محمَّد خاتَمِ النبيِّينَ ، وَعَلى آله وصَحْبِهِ أجمعين ، وآخِرُ دَعْوَانَا أَنِ الحَمْدُ للَّهِ رَبِّ العالمين .