Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 2, Ayat: 148-151)
Tafsir: al-Ǧawāhir al-ḥisān fī tafsīr al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
وقوله تعالى : { وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ } : الوجهةُ : من المواجهة ؛ كالقبلة ، والمعنَىٰ : ولكلِّ صاحبِ ملَّة وجهةٌ هو مولِّيها نفْسَه ، قاله ابن عَبَّاس وغيره . وقرأ ابن عامر : « هُوَ مَولاَّهَا » ، أيْ : اللَّه مُوَلِّيها إياهم ، ثم أمر تعالى عباده بٱستباقِ الخَيْرات ، والبدارِ ، إلى سبيل النجاة ، وروى ابن المُبَارك في « رقائقه » بسنده ؛ أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال : " مَنْ فُتِحَ لَهُ بَابٌ مِنَ الخَيْرِ فَلْيَنْتَهُزْهُ ، فَإِنَّهُ لاَ يَدْرِي ، مَتَىٰ يُغْلَقُ عَنْهُ " انتهى . ثم وعظهم سبحانه بذكْر الحشر موعظةً تتضمَّن وعيداً وتحذيراً . * ص * : « أينما » ظرفٌ مضمَّن معنى الشرط في موضعِ خَبَرِ « كان » . انتهى . وقوله : { يَأْتِ بِكُمُ ٱللَّهُ جَمِيعًا } يعني به البعْثَ من القبور . وقوله تعالى : { وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ ٱلْمَسْجِدِ ٱلْحَرَامِ وَإِنَّهُ لَلْحَقُّ مِن رَّبِّكَ وَمَا ٱللَّهُ بِغَـٰفِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ } معناه : حيثُ كنْتَ ، وأَنى توجَّهْتَ من مشارقِ الأرض ، ومغاربِها ، وكرَّرت هذه الآية ؛ تأكيداً من اللَّه سبحانه ؛ لأن موقع التحويلِ كان صَعْباً في نفوسهم جدًّا ، فأكَّد الأمر ؛ ليرى الناسُ التهمُّم به ، فيخفَّ عليهم وتسكُنَ نفوسُهم إليه . وقوله تعالى : { وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ ٱلْمَسْجِدِ ٱلْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنتُمْ فَوَلُّواْ وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَيْكُمْ حُجَّةٌ … } الآية : المعنَىٰ : عرفتكم وجه الصواب في قبلتكم ، والحجة لذلك ؛ لئلاَّ يكون للناسِ عليكم حجةٌ ، والمراد بـــ « النَّاس » العمومُ في اليهودِ والعربِ وغيرهم { إِلاَّ ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ مِنْهُمْ } ، أي : من المذكورين ممَّن تكلَّم في النازلة في قولهم : { مَا وَلَّـٰهُمْ عَن قِبْلَتِهِمُ } [ البقرة : 142 ] . وقوله تعالى : { فَلاَ تَخْشَوْهُمْ وَٱخْشَوْنِي … } الآية : [ فيه ] تحقيرٌ لشأنهم ، وأمر بٱطراح أمرهم ، ومراعاة أمره سبحانه ، قال الفَخْر : وهذه الآية تدلُّ على أن الواجب علَى المَرْء في كلِّ أفعاله وتروكه ؛ أن ينصب بين عينيه خشيةَ ربه تعالَىٰ ، وأن يعلم أنه ليس في أيدي الخَلْقِ شيء البتَّةَ وألاَّ يكون مشتغل القَلْب بهم ، ولا ملتفت الخاطر إلَيْهِم . انتهى . قال : * ص * : { إِلاَّ ٱلَّذِينَ } استثناءٌ متَّصِلٌ ، قاله ابن عباس وغيره ، أي : لئلاَّ تكون حجةٌ من اليهود المعاندين القائلين ما ترك قبلتنا ، وتوجَّه للكعبة إِلاَّ حبًّا لبلده ، وقيل : منقطع ، أي : لكن الذين ظلموا منهم ؛ فإِنهم يتعلَّقون عليكم بالشُّبَه ، وزعم أبو عُبَيْدة مَعْمَرُ بْنُ المثنَّىٰ : إن « إِلاَّ » في الآية بمعنى « الواو » ، قال ومنه : [ الوافر ] : @ وَكُلُّ أَخٍ مُفَارِقُهُ أَخُوه لَعَمْرُ أَبِيكَ إِلاَّ الفَرْقَدَانِ @@ أي : والَّذين ظلموا ، وَالفَرْقَدَان ، ورُدَّ بأنَّ « إِلاَّ » بمعنى الواو ولا يقوم علَيْه دليلٌ . انتهى . وقوله تعالى : { فَوَلُّواْ وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ } أمر بٱستقبالِ القبْلَة ، وهو شرطٌ في الفرض إِلاَّ في القتالِ حالة الالتحامِ ، وفي النوافل إِلا في السفرِ الطويلِ للرَّاكب ، والقدرةُ على اليقينِ في مصادفتها تَمْنَعُ من الاِجتهادِ ، وعلى الاِجتهادِ تَمْنَعُ من التقليد . وقوله سبحانه : { وَلأُتِمَّ نِعْمَتِي عَلَيْكُمْ } عطْفٌ على قوله : « لَئِلاَّ » وقيل : هو في موضع رفع بالاِبتداء ، والخبرُ مضمرٌ ، تقديره : ولأتمَّ نعمتي عليكم ، عرَّفتكم قبلتي ، ونحوهُ ، { وَلَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ } ترجٍّ في حقِّ البشر ، والكافُ في قوله : « كَمَا » ردٌّ على قوله : « وَلأُتِمَّ » ، أي : إِتماماً كما ، وهذا أحسنُ الأقوال ، أي : لأتم نعمتي عليكم في بيان سُنَّة إِبراهيم عليه السلام ؛ { كَمَآ أَرْسَلْنَا فِيكُمْ رَسُولاً مِّنكُمْ } إِجابة لدعوته في قوله : { رَبَّنَا وَٱبْعَثْ فِيهِمْ رَسُولاً مِّنْهُمْ } [ البقرة : 129 ] . وقيل : الكاف من « كمَا » رَدٌّ على « تَهْتَدُونَ » ، أي : اهتداء كما . قال الفَخْر : وهنا تأويلٌ ثالثٌ ، وهو أن الكاف متعلِّقة بما بعدها ، أي : كما أرسلنا فيكم رسولاً ، وأوليتكم هذه النعم ، { فَٱذْكُرُونِى أَذْكُرْكُمْ وَٱشْكُرُواْ لِي … } الآيةَ : انتهى . * ت * : وهذا التأويل نقله الدَّاوُودِيُّ عن الفراء . انتهى ، وهذه الآيةُ خطابٌ لأمة محمَّد صلى الله عليه وسلم و { ءايَـٰتِنَا } يعني : القُرآن ، وَ { يُزَكِّيكُمْ } ، أي : يطهركم من الكفر ، وينمِّيكم بالطاعة ، و { ٱلْكِتَـٰبَ } : القُرآن ، و { ٱلْحِكْمَةَ } : ما يتلقَّىٰ عنه صلى الله عليه وسلم من سنَّةٍ ، وفقْهٍ ، ودينٍ ، وما لم تكونوا تعلمون قصص من سلف ، وقصص ما يأتي من الغيوب .