Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 2, Ayat: 154-157)
Tafsir: al-Ǧawāhir al-ḥisān fī tafsīr al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
وقوله تعالى : { وَلاَ تَقُولُواْ لِمَن يُقْتَلُ فِى سَبيلِ ٱللَّهِ أَمْوَاتٌ … } الآية : سببها أن الناس قالوا فيمن قتل ببدر وأُحُدٍ من المؤمنين : مَاتَ فلانٌ ، ماتَ فلانٌ ، فكره اللَّه سبحانه ؛ أن تُحَطَّ منزلةُ الشهداءِ إِلى منزلة غيرهم ، فنزلَتْ هذه الآية ، وأيضاً : فإِن المؤمنين صَعْبٌ عليهم فراقُ إِخوانهم وقراباتِهِمْ ، فنزلَتِ الآيةُ مسلِّية لهم ، تعظِّم منزلة الشهداءِ ، وتخبر عن حقيقةِ حالِهِمْ ، فصاروا مغبوطين لا محزوناً لهم ؛ ويظهر ذلك من حديث أُمِّ حارثَةَ في السِّيَرِ . * ت * : وخرَّجه البخاريُّ في « صحيحه » عن أنسٍ ، قال : " أُصِيبَ حارثةُ يوم بَدْر أصابه غَرْبُ سَهْمٍ ، وهو غلامٌ ، فجاءَتْ أُمُّهُ إِلى النبيِّ صلى الله عليه وسلم فقالَتْ : يا رسُولَ اللَّهِ ، قد عَرَفْتَ مَنْزِلَةَ حَارِثَةَ مِنِّي ، فَإِنْ يَكُ فِي الجَنَّةِ أَصْبِرْ ، وَأَحْتَسِب ، وَإِن تَكُن الأُخْرَىٰ ، تَرَىٰ مَا أَصْنَعُ ، فَقَالَ : وَيْحَكِ ، أَوَ هُبِلْتِ ، أَو جَنَّةٌ وَاحِدَةٌ هَيَ ؛ إنَّهَا جِنَانٌ كَثِيرَةٌ ، وَإِنَّهُ فِي الفِرْدَوْسِ الأَعْلَىٰ … " الحديثَ . انتهى . * ع : والفرق بين الشهيدِ وغيرهِ إِنما هو الرِّزْقُ ، وذلك أنَّ اللَّه تعالَىٰ فضَّلهم بدوام حالِهِمُ التي كانَتْ في الدنيا فرزَقهُم . * ت * : وللشهيدِ أحوالٌ شريفةٌ منها ما خرَّجه الترمذيُّ وابن ماجة عن النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ : " لِلشَّهِيدِ عِنْد اللَّهِ سِتُّ خِصَالٍ ؛ يُغْفَرُ لَهُ فِي أَوَّلِ دَفْعَةٍ ، وَيَرَىٰ مَقْعَدَهُ مِنَ الجَنَّةِ ، وَيُجَارُ مِنْ عَذَابِ القَبْرِ ، وَيَأْمَنُ مِنَ الفَزَعِ الأَكْبَرِ ، وَيُوضَعُ عَلَىٰ رَأْسِهِ تَاجُ الوَقَارِ ، اليَاقُوتَةُ مِنْهُ خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا ، ومَا فِيهَا ، وَيُزَوَّجُ ثِنْتَيْنِ وَسَبْعِينَ زَوْجَةً مِنَ الحُورِ الْعِينِ ، وَيَشْفَعُ فِي سَبْعِينَ مِنْ أقْرِبَائِهِ " قال الترمذيُّ : هذا حديثٌ حَسَنٌ غريبٌ ، زاد ابن ماجَة : " وَيُحَلَّىٰ حُلَّةَ الإِيمَانِ " ، قال القرطبيُّ في « تذكرته » : هكذا وقع في نسخ الترمذيِّ وابن ماجة : « ستَّ خِصَالٍ » وهي في متن الحديث سَبْعٌ ، وعلى ما في ابن ماجة : « وَيُحَلَّىٰ حُلَّةَ الإِيمَانِ » تكون ثمانياً ، وكذا ذكره أبو بكر أحمد بن سَلْمَان النَّجَّاد بسنده عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم قال : " لِلشَّهِيدِ عِنْدَ اللَّهِ ثَمَانِ خِصَالٍ " انتهى . وخرَّج الترمذيُّ ، والنسائِيُّ عنْه صلى الله عليه وسلم أنه قال : " الشَّهِيدُ لاَ يَجِدُ أَلَمَ القَتْلِ إلاَّ كَمَا يَجِدُ أَحَدُكُمْ أَلَمَ القَرْصَةِ " انتهى . * ع * : روي عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم : " أنَّ أرْوَاحَ الشُّهَدَاءِ فِي حَوَاصِلِ طَيْرٍ خُضْرٍ تُعَلَّقُ مِنْ ثَمَرِ الجَنَّةِ " ، وروي : " أَنَّهُمْ فِي قُبَّةٍ خَضْرَاءَ " ، ورويَ : " أنهم في قَنَادِيلَ مِنْ ذَهَبٍ " ، إِلى كثير من هذا ، ولا محالة أنها أحوالٌ لِطَوَائِفَ ، أو للجميع في أوقات متغايرة . * ت * : وكذا ذكر شَبِيبُ بن إِبراهيم في كتاب « الإِفصاح » أنَّ المنعَّمين على جهاتٍ مختلفةٍ ؛ بحسب مقاماتهم وتفاوتهم في أعمالهم ، قال صاحب « التذكرة » : وهذا قول حَسَنٌ ، وبه يجمع بين الأخبار حتى لا تتدافع . انتهى . قال : * ع * : وجمهور العلماء علَىٰ أنهم في الجَنَّة ؛ ويؤيِّده قولُ النبيِّ صلى الله عليه وسلم لأمِّ حَارِثَةَ : « إِنَّهُ فِي الفِرْدَوْسِ الأَعْلَىٰ » . وقال مجاهد : هم خارجُ الجَنَّةِ ويعلَّقون من شجرِهَا ، وفي « مختصر الطبريِّ » ، قال : ونهى عزَّ وجَلَّ أنْ يقال لِمَنْ يقتلُ في سبيلِ اللَّهِ أمْوَاتٌ ، وأعْلَمَ سبحانه أنهم أحياءٌ ، ولكنْ لا شعورَ لَنَا بذلك ؛ إذ لا نُشَاهِدُ باطنَ أمرهم ، وخُصُّوا مِنْ بين سائر المُؤمنين ، بأنهم في البَرْزَخِ يرزَقُون من مطاعِم الجَنَّة ما يُرْزَقُ المؤمنون من أهْل الجنة علَىٰ أنه قد ورد في الحديثِ : " إِنَّمَا نَسَمَةُ المُؤْمِنِ طَائِرٌ يُعَلَّقُ فِي شَجَرِ الجَنَّةِ " ، ومعنى : « يُعَلَّق » : يأكل ؛ ومنه قوله : ما ذقْتُ عَلاقاً ، أي : مأكلاً ، فقد عم المؤمنين ؛ بأنهم يرزقُونَ في البرزخ من رزق الجنة ، ولكن لا يمتنعُ أن يخصَّ الشهداء من ذلك بقَدْر لا يناله غيرهم ، واللَّه أعلم . انتهى . وروى النسائيُّ " أن رجلاً قال : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، مَا بَالُ المُؤْمِنِينَ يُفْتَنُون فِي قُبُورِهِمُ إِلاَّ الشَّهِيدَ ؟ قَالَ : كَفَىٰ بِبَارِقَةِ السُّيُوفِ عَلَىٰ رَأْسِهِ فِتْنَةً " انتهى . * ت * : وحديثُ : " إِنَّمَا نَسَمَةُ المُؤْمِنِ طَائِرٌ " خرَّجه مالك رحمه اللَّه . قال الدَّاووديُّ : وحديث مالكٍ ، هذا أصحُّ ما جاء في الأرواح ، والذي روي أنها تجعل في حواصِلِ طيرٍ لا يصحُّ في النقل . انتهى . قال أبو عُمَرَ بْنُ عبْدِ البَرِّ في « التمهيد » : والأشبه قولُ من قال : كَطَيْرٍ أو كصُوَرِ طيرٍ ؛ لموافقته لحديثِ « الموطَّإ » ، هذا وأسند أبو عمر هذه الأحاديثَ ، ولم يذكر مطعناً في إسنادها . انتهى . ثم أعلمهم تعالَىٰ أن الدنيا دارُ بلاءٍ ومحنةٍ ، ثم وعد على الصَّبْر ، فقال : { وَلَنَبْلُوَنَّكُم } أي : نمتحنكم { بِشَيْءٍ مِّنَ ٱلْخَوْفِ } ، أي : من الأعداء في الحروبِ ، { وَنَقْصٍ مِّنَ ٱلأَمْوَالِ } أي بالجوانحِ ، والمصائبِ ، { وَٱلأَنفُسِ } بالموت ، والقَتْل ، { وَٱلثَّمَرٰتِ } بالعَاهَاتِ ، والمرادُ بشيءٍ من هذا وشيءٍ من هذا ، واكتفَىٰ بالأول إِيجازاً ، ثم وصف سبحانه الصابرين الَّذين بشَّرهم بقوله : { ٱلَّذِينَ إِذَا أَصَـٰبَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُواْ إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّـا إِلَيْهِ رٰجِعونَ } ، فجعل سبحانه هذه الكلماتِ ملجأً لذوي المصائبِ ؛ لما جمعتْ من المعاني المباركةِ من توحِيدِ اللَّهِ سبحانه ، والإِقرار له بالعبودية ، والبعثِ من القبورِ ، واليقينِ بأنَّ رجوع الأمر كلِّه إِليه ؛ كما هو له ، قال الفَخْرُ : قال أبو بَكْرٍ الوَرَّاق : { إِنَّا لِلَّهِ } : إقرارٌ منَّا له بالمُلْكِ ، { وَإِنَّـا إِلَيْهِ رٰجِعونَ } إِقرارٌ على أنفسنا بالهلاكِ . واعلم أن قوله : { إِنَّا لِلَّهِ } يدلُّ علَىٰ كونه راضيًا بكلِّ ما نَزَلَ به ، ووردَتْ أخبارٌ كثيرةٌ في هذا البابِ عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم ، فمنِ ٱسترجَع عند المصيبة ، جَبَر اللَّه مصيبته ، وأحْسَنَ عقباه ، وجعل له خَلَفاً صالحاً يرضَاهُ . انتهى . ورُوِيَ : " أنَّ مَصْبَاحَ رسُولِ اللَّه صلى الله عليه وسلم ٱنْطَفَأَ ذَاتَ لَيْلَةٍ ، فَقَالَ : { إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّـا إِلَيْهِ رٰجِعُونَ } ، فَقِيلَ : أَمُصِيبَةٌ هِيَ ، يَا رَسُولَ اللَّهِ ؟ قَالَ : نَعَمْ ؛ كُلُّ مَا آذَى المُؤْمِنَ ، فَهُوَ مُصِيبَةٌ " قال النوويُّ : ورُوِّينَا في « كتاب ابن السُّنِّيِّ » عن أبي هريرة ، قال : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : " ليسترجعْ أحدُكُمْ في كلِّ شيء ، حتَّىٰ في شِسْعِ نَعْلِه ؛ فَإِنها من المصائِبِ " انتهى من « الْحِلْيَةِ » . وقوله تعالى : { أُوْلَـٰئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَٰتٌ مِّن رَّبِّهِمْ … } الآية : نِعَمٌ من اللَّه تعالَىٰ على الصابرين المسترجعين ، وصلوات اللَّه علَىٰ عبده : عفْوُهُ ، ورحمتُه ، وبركته ، وتشريفه إِياه في الدنيا والآخرة ، وكرَّر الرحْمَة ، وهي من أعظم أجزاء الصلاة ، لمَّا اختلف اللَّفْظ ؛ تأكيداً منه تعالَىٰ وشهد لهم بالٱهتداء . * ت * : وفي « صحيح البخاري » : وقال عُمَرُ : نِعْمَ العدلان ، ونَعْمُ العِلاَوة الَّذين إذا أصابتهم مصيبةٌ ، قالوا : { إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّـا إِلَيْهِ رٰجِعُونَ … } إلى { ٱلْمُهْتَدُونَ } ، قال النوويُّ في « الحلية » : ورُوِّينا في سنن ابن ماجة ، والبيهقيِّ بإِسناد حَسَنٍ عن عمرِو بْنِ حَزْمٍ عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ : " مَا مِنْ مُؤْمِنٍ يُعَزِّي أَخَاهُ بِمُصِيبَةٍ إِلاَّ كَسَاهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ مِنْ حُلَلِ الكَرَامَةِ يَوْم القِيَامَةِ " ، ورُوِّينا في كتاب الترمذيِّ ، والسنن الكَبيِرِ للبيهقيِّ عن ابْنِ مسعودٍ عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ : " مَنْ عَزَّىٰ مُصَابًا ، فَلَهُ مِثْلُ أَجْرِهِ " إِسناده ضعيف ، ورُوِّينا في كتاب الترمذيِّ أيضاً عن أبي هريرة ؛ عن النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ : " مَنْ عَزَّىٰ ثَكْلَىٰ ، كُسِيَ بِرِدَاءٍ فِي الجَنَّةِ " قال الترمذيُّ ليس إِسناده بالقَوِيِّ . انتهى .