Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 2, Ayat: 183-184)

Tafsir: al-Ǧawāhir al-ḥisān fī tafsīr al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله جلَّت قدرته : { يَٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ ٱلصِّيَامُ … } الآية : { كُتِبَ } : معناه فُرِضَ ، والصيام ؛ في اللغة : الإِمساك ، ومنه قوله سبحانه : { إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَـٰنِ صَوْماً } [ مريم : 26 ] وفي الشرع : إِمساكٌ عن الطعام والشراب مقترنةٌ به قرائنُ ؛ مِنْ مُراعاة أوقاتٍ ، وغير ذلك . وقوله تعالى : { كَمَا كُتِبَ عَلَى ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ } : اختلف في موضع التشبيه : قالتْ فرقة : التشبيهُ : كُتِبَ عليكم كصيامٍ قد تقدَّم في شرع غيركم ، فـ « الَّذِينَ » عامٌّ في النصارَىٰ وغيرهم . و { لَعَلَّكُمْ } : ترجٍّ في حقهم . و { تَتَّقُونَ } : قيل على العموم ؛ " لأن الصيام ؛ كما قال صلى الله عليه وسلم : « جُنَّةٌ ووِجَاءٌ ، وسببُ تقوَىٰ ؛ لأنه يميتُ الشهوات » " . و { أَيَّامًا مَّعْدُودَٰتٍ } : قيل : رمضان ، وقيل : الثلاثةُ الأيام من كل شهرٍ ، ويومُ عاشوراءَ الَّتي نُسخَتْ بشهر رمضان . * ص * : و { أَيَّامًا } : منصوبٌ بفعل مقدَّر يدلُّ عليه ما قبله ، أي : صوموا أياماً ، وقيل : { أَيَّامًا } : نصب على الظرف انتهى . وقوله سبحانه : { فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضًا أَوْ عَلَىٰ سَفَرٍ } : التقدير : فأفْطَرَ ، { فَعِدَّةٌ } ، وهذا يسمونه فَحْوَى الخطابِ ، واختلف العلماءُ في حَدِّ المرض الذي يقع به الفطْر ، فقال جمهور العلماء : إِذا كان به مرضٌ يؤذيه ، ويؤلمه أو يخاف تَمادِيَهُ ، أو يخافُ من الصوم تزيُّده ، صحَّ له الفطْرُ ، وهذا مذْهَبُ حُذَّاقِ أصحاب مالكٍ ، وبه يناظرونَ ، وأما لفظ مالكٍ . فهو المرضُ الَّذي يَشُقُّ على المرء ، ويبلغ به ، واختلف في الأفضل من الفِطْرِ أو الصَّوْمِ ، ومذهبُ مالكٍ ٱستحبابُ الصومِ لمن قَدَرَ علَيْه ، وتقصيرُ الصَّلاة حَسَنٌ ؛ لأن الذمَّة تبرأ في رخصة الصلاة ، وهي مشغولةٌ في أمر الصيام ، والصوابُ : المبادرةُ بالأعمال . والسَّفَرُ : سفَرُ الطاعةِ ؛ كالحجِّ ، والجهادِ ؛ بإجماع ، ويتصلُ بهذَيْن سفَرُ صلَةِ الرَّحِمِ ، وطلبِ المعاشِ الضروريِّ . وأما سفر التجارة ، والمباحاتِ ، فمختلَفٌ فيه بالمنع ، والجواز ، والقولُ بالجواز أرجحُ . وأما سفر العصْيَان ، فمختلف فيه بالجوازِ ، والمنعِ ، والقولُ بالمنع أرجحُ . ومسافةُ سفر الفطر ؛ عند مالك ، حيث تقصر الصلاة ثمانيةٌ وأربعون ميلاً . وقوله تعالى : { فَعِدَّةٌ } ، أي : فالحكم أو الواجب عِدَّةٌ ، وفي وجوبِ تتابعها قولانِ ، و { أُخَرَ } لا ينصرف للعَدْلِ . وقوله تعالى : { وَعَلَى ٱلَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ … } الآية : قرأ باقي السبعة غيْرَ نافعٍ وابنِ عامر : « فِدْيَةٌ » ؛ بالتنوين « طَعَامُ مِسْكِينٍ » ؛ بالإِفراد ، وهي قراءة حَسَنةٌ ؛ لأنها بيَّنت الحكم في اليوم . واختلفوا في المراد بالآية ، فقال ابن عُمَر وجماعةٌ : كان فرضُ الصيامِ هكذا على الناس ؛ مَنْ أراد أن يصوم ، صام ، ومن أراد أن يفطر أطعم مسكيناً ، وأفطر ، ثم نسخ ذلك بقوله سبحانه : { فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ } [ البقرة : 185 ] . وقالتْ فرقةٌ : في الشيوخ الذين يطيقونه بتكلُّف شديدٍ ، والآيةُ عند مالك : إِنما هي فيمَنْ يدركه رمضانٌ ثانٍ ، وعليه صومٌ من المتقدِّم ، فقد كان يطيق في تلك المدة الصوْمَ ، فتركه ، والفديةُ عند مالك وجماعةٍ من العلماء : مُدٌّ لكلِّ مسكين . وقوله تعالى : { فَمَن تَطَوَّعَ خَيْرًا فَهُوَ خَيْرٌ لَّه … } الآية : قال ابنُ عَبَّاس وغيره : المراد مَنْ أطعم مسكينَيْنِ فصاعدًا ، وقال ابن شِهَابٍ : من زاد الإِطعام مع الصوم ، وقال مجاهدٌ : مَنْ زاد في الإِطعام على المُدِّ ، و { خَيْرًا } الأول قد نُزِّل منزلة مالٍ ، أو نفعٍ ، و { خَيْرٌ } الثاني والثالثُ صفةُ تفضيلٍ . وقوله تعالى : { إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ } يقتضي الحضَّ على الصوْمِ ، أي : فاعلموا ذلك وصوموا . * ت * : وجاء في فضل الصومِ أحاديثُ صحيحةٌ مشهورةٌ ، وحدث أبو بكر بْنُ الخَطِيبُ بسنده عن سهل بن سعد الساعديِّ عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ : " مَنْ صَامَ يَوْماً تَطوُّعاً ، لَمْ يَطَّلِعْ عَلَيْهِ أَحَدٌ ، لَمْ يَرْضَ اللَّهُ لَهُ بِثَوَابٍ دُونَ الجَنَّةِ " ، قال : وبهذا الإِسناد عن أبي هريرة عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم بمثله . انتهى . قال ابن عبد البَرِّ في كتابه المسمَّىٰ بـــ « بهجة المَجالِسِ » قال أبو العالية : الصائمُ في عبادةٍ ما لم يغتَبْ . قال الشيخُ الصالحُ أبو عبد اللَّه محمَّد البلاليُّ الشافعيُّ في « ٱختصاره للإحياء » : وذكر السُّبْكِيُّ في شرحه ؛ أن الغِيبَةَ تمنع ثوابَ الصوْمِ إِجماعاً ، قال البلاليُّ : وفيه نظر ؛ لمشقَّة الاحتراز ، نعم ، إِن أكثر ، توجَّهت المقالة . انتهى ، وهذا الشيخ البلاليُّ لقيتُهُ ، ورويتُ عنه كتابه هَذَا . وصحَّ عنه صلى الله عليه وسلم ؛ أنَّهُ قَالَ : " إِذَا دَخَلَ شَهْرُ رَمَضَانَ ، فُتِحَتْ أَبْوَابُ الجَنَّةِ ، وَغُلِّقَتْ أَبْوَابُ جَهَنَّمَ " قال أبو عمر في « التمهيد » : وذلك لأن الصوْمَ جُنَّةٌ يستجنُّ بها العَبْدُ من النار ، وتُفْتَحُ لهم أبوابُ الجنة ؛ لأن أعمالهم تزكُو فيه ، وتُقْبَل منهم ، ثم أسند أبو عمر عن أبي هريرة ، قال : قَالَ رَسُولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم : " أُعْطِيَتْ أُمَّتِي خَمْسَ خِصَالٍ فِي رَمَضَانَ ، لَمْ تُعْطَهُنَّ أُمَّةٌ قَبْلَهَا : خُلُوفُ فَمِ الصَّائِم أَطْيَبُ عِنْدَ اللَّهِ مِنْ رِيحِ الْمِسْكِ ، وَتَسْتَغْفِرُ لَهُمُ المَلاَئِكَةُ حَتَّىٰ يُفْطِرُوا ، وَيُزَيِّنُ اللَّهُ لَهُمْ كُلَّ يَوْمٍ جَنَّتَهُ ، ثُمَّ يَقُولُ : يُوشِكُ عِبَادِي الصَّائِمُونَ أَنْ يُلْقُوا عَنْهُمْ المَئُونَةَ ، وَالأَذَىٰ ، ثُمَّ يَصِيرُونَ إِلَيْكِ ، وَتُصَفَّدُ فِيهِ مَرَدَةُ الشَّيَاطِينِ ، فَلاَ يَخْلُصُونَ إِلَىٰ مَا كَانُوا يَخْلُصُونَ إِلَيْهِ فِي غَيْرِهِ ، ويَغْفِرُ لَهُمْ آخِرَ لَيْلَةٍ ، قيلَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، أَهِيَ لَيْلَةُ القَدْرِ ؟ قَالَ : لاَ ، ولَكِنَّ العَامِلَ إِنَّمَا يُوَفَّىٰ أَجْرَهُ إِذَا ٱنْقَضَى " ، قال أبو عمر : وفي سنده أبو المِقْدام ، فيه ضعف ، ولكنَّه محتملٌ فيما يرويه من الفضائل . وأسند أبو عمر عن الزهْريّ ، قال : " تسبيحةٌ في رمَضَان أفضلُ من ألفِ تسبيحةٍ في غيره " انتهى . * ت * : وخرَّجه الترمذيُّ عن الزهري قال : " تَسْبِيحَةٌ فِي رَمَضَانَ أَفْضَلُ مِنْ أَلْفِ تسبيحةٍ في غيره " انتهى .