Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 2, Ayat: 258-259)
Tafsir: al-Ǧawāhir al-ḥisān fī tafsīr al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله تعالى : { أَلَمْ تَرَ إِلَى ٱلَّذِي حَاجَّ إِبْرَٰهِيمَ فِي رِبِّهِ … } الآية : { أَلَمْ تَرَ } : تنبيهٌ ، وهي رؤية القَلْب ، والَّذِي حَاجَّ إِبْرَاهِيمَ ، هو نُمْرَوذُ بْنُ كَنْعَانَ مَلِكُ زمانه ، وصاحبُ النَّار ، والبَعُوضَةِ ، قاله مجاهد وغيره ، قال قتادة : هو أولُ من تجبَّر ، وهو صاحبُ الصَّرْح بِبَابِلَ ، قيل : إِنه مَلكَ الدُّنْيَا بأجمعها ، وهو أحد الكَافِرَيْنِ ، والآخر بُخْتَ نَصَّرَ ، وقيل : إِن النُّمْرُوذَ الذي حاجَّ إِبراهيم هو نُمْرُوذُ بْنُ فَالخ ، وفي قصص هذه المحاجَّة روايتان . إحداهما : ذكر زيْد بن أسْلم أنَ النُّمْروذ هذا قَعَدَ يأمر للنَّاس بالميرة ، فكلَّما جاء قومٌ ، قال : مَنْ رَبُّكُمْ وَإِلَهُكِمْ ، فيقولُونَ : أَنْتَ ، فيقولُ : مِيرُوهُمْ ، وجاء إِبراهيم - عليه السلام - ، يَمْتَارُ ، فَقَالَ لَهُ : مَنْ رَبُّكَ وَإِلَهُكَ ؟ قَالَ إِبْرَاهِيمُ : رَبِّي الَّذِي يُحْيِـــي وَيُمِيتُ ، فَلَمَّا سَمِعَهَا نُمْرُوذُ ، قَالَ : أَنَا أُحْيِـــي وَأُمِيتُ ، فَعَارَضَهُ إِبْرَاهِيمُ بِأَمْرِ الشَّمْسِ ؛ فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ ، وَقَالَ : لاَ تُمِيرُوهُ ، فَرَجَعَ إِبْرَاهِيمُ إِلَى أَهْلِهِ دُونَ شَيْءٍ ، فَمَرَّ عَلَىٰ كَثِيبٍ رَمْلٍ ؛ كَالدَّقِيقِ ، فَقَالَ : لَوْ مَلأْتُ غَرَارَتِي مِنْ هَذَا ، فَإذَا دَخَلْتُ بِهِ ، فَرِحَ الصِّبْيَانُ ؛ حَتَّىٰ أَنْظُرَ لَهُمَا ، فَذَهَبَ بِذَلِكَ ، فَلَمَّا بَلَغَ مَنْزِلَهُ ، فَرِحَ الصِّبْيَانُ ، وَجَعَلاَ يَلْعَبَانِ فَوْقَ الغِرَارَتَيْنِ ، وَنَامَ هُوَ مِنَ الإِعْيَاءِ ، فَقَالَتِ ٱمْرَأَتُهُ : لَوْ صَنَعْتُ لَهُ طَعَاماً يَجِدُهُ حَاضِراً ، إِذَا ٱنْتَبَهَ ، فَفَتَحَتْ إِحْدَى الْغِرَارَتَيْنِ ، فَوَجَدَتْ أَحْسَنَ مَا يَكُونُ مِنَ الحَوَارِيِّ ، فَخَبَزَتْهُ ، فَلَمَّا قَامَ ، وَضَعَتْهُ بَيْنَ يَدَيْهِ ، فَقَالَ : مِنْ أَيْنَ هَذَا ؟ قَالَتْ : مِنَ الدَّقِيقِ الَّذِي سُقْتَ ، فَعَلِمَ إِبْرَاهِيمُ ؛ أنَّ اللَّه يسَّر لَهُمْ ذَلِكَ . وقال الربيعُ وغيره في هذا القصص : إِن النُّمروذَ لَمَّا قال : أنَا أُحْيِـــي وأُمِيتُ ، أَحْضَرَ رَجُلَيْنِ ، فَقَتَل أحَدَهُمَا ، وأَرْسَلَ الآخَرَ ، وقَالَ : قَدْ أحْيَيْتُ هَذَا ، وأَمَتُّ هذا ، فردَّ علَيْهِ إِبراهيمُ بأمْرِ الشمْسِ . والروايةُ الأخرَىٰ : ذكر السُّدِّيُّ ؛ أنه لما خَرَجَ إِبراهيمُ من النَّار ، وأُدْخِلَ على المَلِكِ ، قالَ له : مَنْ ربُّكَ ؟ قَالَ : ربِّيَ الَّذِي يُحْيِـــي ويُمِيتُ . يقالُ : بُهِتَ الرَّجُلُ ، إِذا انقطعَ ، وقامَتْ عليه الحُجَّةُ . وقوله تعالى : { وَٱللَّهُ لاَ يَهْدِي ٱلْقَوْمَ ٱلظَّـٰلِمِينَ } : إِخبارٌ لمحمَّد صلى الله عليه وسلم وأمته ، والمعنَىٰ : لا يرشدهم في حججهم على ظُلْمهم ، وظاهر اللفْظ العمومُ ، ومعناه الخصوصُ ؛ لأنَّ اللَّه سبحانه قد يَهْدي بعْضَ الظالمينَ بالتَّوْبة والرجوع إِلى الإِيمان . قوله تعالى : { أَوْ كَٱلَّذِي مَرَّ عَلَىٰ قَرْيَةٍ وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَىٰ عُرُوشِهَا … } الآية : عطفت « أوْ » في هذه الآية على المعنى الَّذِي هو التعجُّب في قوله : { أَلَمْ تَرَ إِلَى ٱلَّذِي حَاجَّ } . قال ابن عبَّاس وغيره : الذي مَرَّ على القَرْيَة هو عُزَيْرٌ ، وقال وهْبُ بن مُنَبِّهٍ وغيره : هو أَرْمِيَا ، قال ابن إِسحاق : أَرْمِيَا هو الخَضِرُ ، وحكاه النَّقَّاش عن وهْب بن منَبِّه . وٱختلف في القَرْيَةِ ، مَا هِيَ ؟ فقِيلَ : المُؤْتَفِكَةُ ، وقال زيْدُ بن أسلم : قريةُ الَّذين خَرَجُوا مِنْ ديارهم ، وهم أُلُوفٌ ، وقال وهْبُ بن مُنَبِّهٍ ، وقتادة ، والضَّحَّاك ، والرَّبيع ، وعِكْرِمَة هي بَيْت المَقْدِسِ ، لما خرَّبها بُخْتَ نَصَّرُ البابليُّ ، والعَرِيشُ : سقْف البيتِ ، قال السُّدِّيُّ : يقول : هي ساقطةٌ علَىٰ سَقْفِها ، أي : سقطت السقْف ، ثم سقطت الحيطانُ عليها ، وقال غيره : معناه : خاوية من الناس ، وخاوية : معناه : خاليةٌ ؛ يقال : خَوَتِ الدَّارُ تَخْوِي خَوَاءً وخُوِيًّا ، ويقال : خويت ، قال الطبريُّ : والأول أفْصَحُ ، قال : * ص * : { وَهِيَ خَاوِيَةٌ } في موضع الحالِ من فَاعِلِ « مَرَّ » أو من « قَرْيَةٍ » و { عَلَىٰ عُرُوشِهَا } : قيل : على بابِهَا ، والمعنَىٰ : خاويةٌ من أهلها ، ثابتةٌ علَىٰ عروشها ، والبُيُوت قائمةٌ ، والمَجْرور علَىٰ هذا يتعلَّق بمحذوفٍ ، وهو ثابتةٌ ، وقيل : يتعلَّق بـــ « خَاوِيَة » والمعنى : وقعتْ جُدُرَاتُهَا علَىٰ سقوفها بعْد سُقُوط السقوفِ . انتهى ، وقد زدنا هذا المعنى وضوحاً في سورة الكهف ، واللَّه الموفِّق بفضله . وقوله : { أَنَّىٰ يُحْيِـي هَـٰذِهِ ٱللَّهُ بَعْدَ مَوْتِهَا } : ظاهر اللفظ السؤَالُ عن إِحياءِ القَرْيَة بعمارةٍ أو سُكَّانٍ ، فكأنَّ هذا تلهُّفٌ من الواقِفِ المعتبر علَىٰ مدينة أحبَّته ، ويحتمل أنْ يكونَ سؤاله إِنما كانَ عن إِحياء الموتَىٰ ، فضرب له المَثَل في نَفْسه ، وحكى الطبريُّ عن بعضهم ؛ أنَّ هذا القَوْلَ منه شك في قدرة اللَّه على الإِحياء ؛ قال : * ع * : والصواب ألاَّ يتأول في الآية شكٌّ ، وروي في قصص هذه الآية ؛ أنَّ بني إِسرائيل ، لَمَّا أحدثوا الأحدَاثَ ، بعث اللَّه عليهم بُخْتَ نَصَّرَ ، فقتَلَهُم ، وجَلاَهم من بْيتِ المَقْدِسِ ، وخرَّبه ، فلَمَّا ذهب عنه ، جاء عُزَيْرٌ أَوْ أزمِيَّا ، فوقَف على المدينة معتبراً ، فقال : { أَنَّىٰ يُحْيِـي هَـٰذِهِ ٱللَّهُ بَعْدَ مَوْتِهَا } ؛ فأماته اللَّه تعالَىٰ ، وكان معه حمارٌ قد رَبَطَهُ بحَبْلٍ جديدٍ ، وكان معه سَلَّة فيها تِينٌ هو طعامه ، وقيل : تِينٌ وعِنَبٌ ، وكانتْ معه رِكْوة من خَمْر ، وقيل : من عصيرٍ ، وقيل : قُلَّة من ماءٍ هي شرابُهُ ، وبقي ميتاً مائةَ عامٍ ، فروي أنَّه بَلِيَ ، وتفرَّقت عظامه هو وحمارُهُ ، وروي أنَّ الحمار بَلِيَ ، وتفرَّقت أوصاله ، دون عُزَيْرٍ . وقوله تعالى : { ثُمَّ بَعَثَهُ } : معناه : أحياه ، فسأله اللَّه تعالَىٰ بوسَاطَةِ المَلَكِ ، كَمْ لَبِثْتَ ؛ علَىٰ جهة التقرير ، فقال : { لَبِثْتُ يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ } ، قال ابن جُرَيْج ، وقتادة ، والربيع : أماته اللَّه غدوة يَوْمٍ ، ثم بعثه قُرْبَ الغروبِ ، فظنَّ هو اليومَ واحداً ، فقال : لَبِثْتُ يوماً ، ثم رأى بَقِيَّةً مِن الشمْسِ ، فَخَشِيَ أنْ يكون كاذباً ، فقال : { أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ } ، فقيل له : { بَل لَّبِثْتَ مِاْئَةَ عَامٍ } . وقوله تعالى : { فَٱنظُرْ إِلَىٰ طَعَامِكَ وَشَرَابِكَ لَمْ يَتَسَنَّهْ } ، أي : لم يتغيَّر . * ت * : قال البخاريُّ في « جامعه » : { يَتَسَنَّهْ } : يتغيَّر . وأمَّا قوله تعالى : { وَٱنظُرْ إِلَىٰ حِمَارِكَ } ، فقال وهْبُ بن منَبِّه وغيره : المعنى : ٱنظر إِلى ٱتصالِ عظامِهِ ، وإِحيائه جُزْءاً جُزْءاً ، ويروَىٰ ؛ أنه أحياه اللَّهُ كذلك ؛ حتى صار عظَاماً ملتئِمَةً ، ثم كساه لَحْماً ، حتَّىٰ كمل حماراً ، ثم جاء ملَكٌ ، فنفَخَ في أنْفِهِ الرُّوح ، فقام الحمارُ ينْهَقُ . ورُوِيَ عن الضَّحَّاكِ ، ووهْبِ بْنِ مُنَبِّهٍ أيضاً ؛ أنهما قالا : بل قيلَ لَهُ : وٱنظر إِلَىٰ حمارك قائماً في مربطه ، لم يُصِبْهُ شيء مِائَةَ سَنَةٍ ، قالا : وإِنما العظامُ التي نَظَر إِلَيْها عظامُ نَفْسِهِ ، وأعمى اللَّه العُيُون عنه ، وعن حِمَاره طُولَ هذه المُدَّة ، وكَثَّر أهْلُ القصص في صورة هذه النَّازلة تَكْثيراً ٱختصرتُهُ ، لعدم صحته . وقوله تعالى : { وَلِنَجْعَلَكَ ءَايَةً لِّلنَّاسِ } ، قال : * ع * : وفي إِمَاتَتِهِ هذه المُدَّةَ ، ثم إِحيائِهِ - أعظمُ آية ، وأمره كلّه آية للناس غابر الدهر . * ت * : قال ابن هِشَامٍ : لا يصحُّ ٱنتصابُ « مِائَة » بـــ « أَمَاتَهُ » ؛ لأن الإِماتة سلْبُ الحياة ، وهي لا تمتدُّ ، وإِنما الوجْهُ أنْ يضمَّن « أَمَاتَهُ » معنى « أَلْبَثَهُ » ، فكأنه قيلَ : فألبثه اللَّه بالمَوْت مِائَةَ عامٍ ؛ وحينئذٍ يتعلَّق به الظرف . انتهى من « المُغْنِي » . ومعنى « نُنْشِرُهَا » ، أي : نُحْيِيها ، وقرأ حمزةُ وغيره : « نُنْشِزُهَا » ومعناه : نرفعها ، أي : ٱرتفاعاً قليلاً قليلاً ؛ فكأنه وَقَفَ علَىٰ نباتِ العظامِ الرُّفَاتِ ، وقال النَّقَّاشُ : نُنْشِزُهَا : معناه : نُنْبِتُهَا ، ومِنْ ذلك : نَشَزَ نَابُ البَعِيرِ . وقوله تعالى : { فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ قَالَ أَعْلَمُ } : المعنى : قال هو : أَعلَمُ أنَّ اللَّه علَىٰ كلِّ شيء قديرٌ ، وهذا عنْدي لَيْسَ بإِقرار بما كان قَبْلُ يُنْكِرُهُ ؛ كما زعم الطبريُّ ، بل هو قولٌ بَعَثَهُ الاعتبارُ ؛ كما يقول الإِنسان المؤمن ، إِذا رأى شيئاً غريباً مِنْ قدرةِ اللَّهِ : لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ ، ونحْو هذا . وأما قراءة حمزةَ والكسائي : « قال ٱعْلَمْ » ـ موصولةَ الألفِ ، ساكنةَ الميمِ ، فتحتمل وجهيْن : أحدهما : قال المَلَكُ له : ٱعْلَمْ ، وقد قرأ ابن مسعود ، والأعمشُ : « قِيلَ ٱعْلَمْ » . والوجه الثاني : أنْ يُنَزِّلَ نفسه منزلةَ المُخَاطَبِ الأجنبيِّ المُنْفَصِلِ ، أي : قال لنفسه : ٱعْلَمْ ، وأمثلةُ هذا كثيرةٌ .