Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 2, Ayat: 39-41)

Tafsir: al-Ǧawāhir al-ḥisān fī tafsīr al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

وقوله تعالى : { وَٱلَّذِينَ كَفَرُواْ … } : لما كانت لفظة الكُفْرِ يشترك فيها كفر النعمِ ، وكفر المعاصي ، ولا يجب بهذا خلودٌ ، بيَّن سبحانه أن الكفر هنا هو الشرك ، بقوله : { وَكَذَّبُواْ بِآيَـٰتِنَا … } والآياتُ هنا يحتمل أن يريد بها المتلوَّة ، ويحتمل أن يريد العلاماتِ المنصوبَةَ ، والصُّحْبَةُ الٱقترانُ بالشيْءِ في حالةٍ مَّا زَمَنًا . قوله تعالَىٰ : { يَـٰبَنِي إِسْرَٰءِيلَ ٱذْكُرُواْ نِعْمَتِيَ } : إسْرَائِيلَ : هو يَعْقُوبُ بْنُ إسْحَاقَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ ـــ عليهم السلام ـــ وإِسْرَا : هو بالعبرانية عبد ، وإِيلُ : اسم اللَّه تعالَىٰ ، فمعناه عَبْدُ اللَّهِ ، والذِّكْرُ في كلام العَرَبِ على أنحاء ، وهذا منها ذكر القلب الذي هو ضدّ النسيان ، والنعمة هنا اسم جنس ، فهي مفردة بمعنى الجَمْعِ ، قال ابن عَبَّاس ، وجمهور العلماء : الخِطَابُ لجميع بني إسرائيل في مدَّة النبيِّ صلى الله عليه وسلم . وقوله تعالى : { وَأَوْفُواْ بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ } : أمر وجوابه ، وهذا العهد في قول جمهور العلماءِ عامٌّ في جميع أوامره سبحانه ونواهيه ووصاياه لهم ، فيدخل في ذلك ذكر محمَّد صلى الله عليه وسلم الذي في التوراة ، والرهبةُ يتضمَّن الأمر بها معنى التهديد ، وأسند الترمذيُّ الحَكِيمُ في « نَوَادِرِ الأُصُولَ » له عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم ؛ أنه قال : " قَالَ رَبُّكُمْ سُبْحَانَهُ : لاَ أَجْمَعُ عَلَىٰ عَبْدِي خَوْفَيْنِ ، وَلاَ أَجْمَعُ لَهُ أَمْنَيْنِ ، فَمَنْ خَافَنِي فِي الدُّنْيَا أَمَّنْتُهُ فِي الآخِرَةِ ، وَمَنْ أَمِنَنِي فِي الدُّنْيَا ، أَخَفْتُهُ فِي الآخِرَةِ " انتهى في « التذكرة » للقرطبيِّ ، ورواه ابن المبارك في « رَقَائِقِهِ » من طريق الحسن البصريِّ ، وفيه : " قَالَ اللَّهُ : وَعِزَّتِي ، لاَ أَجْمَعُ عَلَىٰ عَبْدِي خَوْفَيْنِ ، وَلاَ أَجْمَعُ لَهُ أَمْنَيْنِ ؛ فَإذَا أَمِنَنِي فِي الدُّنْيَا أَخَفْتُهُ يَوْمَ القِيَامَةِ ، وَإذَا خَافَنِي فِي الدُّنْيَا أَمَّنْتُهُ يَوْمَ القِيَامَةِ " انتهى ، ورواه أيضاً الترمذيُّ الحكيمُ في كتاب « خَتْمِ الأَوْلِيَاءِ » قال صاحب « الكَلِمِ الفَارِقِيَّةِ ، والحِكَمِ الحقيقيَّة » : « بقدر ما يدخل القلْبَ من التعظيم والحرمة تنبعثُ الجوارحُ في الطاعةِ والخدمة » . انتهى . و { ءَامِنُواْ } : معناه : صدِّقوا ، و { مُصَدِّقاً } نصبٌ على الحال من الضمير في { أَنزَلْتُ } ، و { مَا أَنزَلْتُ } كنايةٌ عن القرآن ، و { لِّمَا مَعَكُمْ } ، يعني : التوراةَ . وقوله : { وَلاَ تَكُونُواْ أَوَّلَ كَافِرٍ بِهِ } هذا من مفهوم الخطاب الذي المذكورُ فيه والمسكوتُ عنه حكُمُهما واحدٌ ، وَحُذِّرُوا البدارَ إلى الكفر به ؛ إِذ على الأول كِفْلٌ من فعل المقتدى به ، ونصب « أَوَّلَ » على خبر « كَانَ » . * ع * : وقد كان كَفَر قبلهم كفار قريشٍ ، وإِنما معناه من أهل الكتاب ؛ إِذ هم منظورٌ إِليهم في مثل هذا ، واختلف في الضمير في « به » ، فقيل : يعود على محمَّد صلى الله عليه وسلم ، وقيل : على القرآن ، وقيل : على التوراة ، واختلف في الثمن الذي نُهُوا أن يشتروه بالآياتِ . فقالتْ طائفةٌ : إن الأحبار كانوا يُعلِّمُونَ دينَهم بالأجرة ، فَنُهُوا عن ذلك ، وفي كتبهم : « عَلِّمْ مَجَّاناً ؛ كَمَا عُلِّمْتَ مَجَّاناً » ، أي : باطلاً بغير أجرة . وقيل : كانتْ للأَحبار مأكلة يأكلونها على العِلْمِ . وقال قوم : إن الأحبار أخذوا رُشاً علَىٰ تغييرِ صفَةِ محمَّد صلى الله عليه وسلم في التوراة ، فنُهُوا عن ذلك . وقال قوم : معنى الآية : ولا تشتروا بأوامري ، ونواهِيَّ ، وآياتي ثمناً قليلاً ، يعني : الدنيا ومدَّتها والعيش الذي هو نزْرٌ لا خَطَر له ، وقد تقدَّم نظير قوله : { وَإِيَّـٰيَ فَٱتَّقُونِ } ، وبيْنَ « ٱتَّقُونِ » ، و « ٱرْهَبُونِ » فرق إن الرهبة مقرونٌ بها وعيدٌ بالغٌ .