Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 2, Ayat: 44-46)
Tafsir: al-Ǧawāhir al-ḥisān fī tafsīr al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
وقوله تعالى : { أَتَأْمُرُونَ } خرج مخرج الاستفهامِ ، ومعناه التوبيخُ ، و « البِرُّ » يجمع وجوه الخيرِ والطاعاتِ ، و { تَنسَوْنَ } معناه تتركون أنفسكم . قال ابنُ عَبَّاس : كان الأحبار يأمرون أتباعهم ومقلِّديهم بٱتِّبَاعِ التوراة ، وكانوا هم يخالفونَهَا في جَحْدهم منْها صفةَ محمَّد صلى الله عليه وسلم . وقالت فرقة : كان الأحبار إذا استرشدَهُمْ أحد من العرب في ٱتِّباعِ محمَّد صلى الله عليه وسلم ، دلُّوه على ذلك ، وهم لا يفعلونه . * ت * : وخرَّج الحافظُ أبو نُعَيْمٍ أحمد بن عبد اللَّه الأصبهانيُّ في كتاب « رِيَاضَةِ المُتَعَلِّمِينَ » ؛ قال : حدَّثنا أبو بكر بن خَلاَّد ، حدَّثنا الحارث بن أبي أُسَامَةَ ، حدثنا أبو النَّضْرِ ، حدثنا محمَّد بن عبد اللَّه بن علي بن زيْدٍ عن أنس بن مالك ـــ رضي اللَّه عنه ـــ ؛ قال : قال رسولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم : " رَأَيْتُ لَيْلَةَ أُسْرِيَ بِي رِجَالاً تُقْرَضُ أَلْسِنَتُهُمْ وَشِفَاهُهُمْ بِمَقَارِيضَ مِنْ نَارٍ ، فَقُلْتُ : يَا جِبْرِيلُ ، مَنْ هَؤُلاَءِ ؟ قَالَ : الخُطَبَاءُ مِنْ أُمَّتِكَ الَّذِينَ يَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ ، وَيَنْسُونَ أَنْفُسَهُمْ ، وَهُمْ يَتْلُونَ الْكِتابَ أَفَلاَ يَعْقِلُونَ " انتهى . { وَٱسْتَعِينُواْ بِٱلصَّبْرِ وَٱلصَّلَوٰةِ } : قال مقاتل : معناه : على طلب الآخرة ، وقيل : استعينوا بالصبر على الطاعات ، وعن الشهوات علَىٰ نيلِ رضوانِ اللَّه سبحانه ، وبالصلاةِ علَىٰ نيل رضوانِ اللَّه ، وحطِّ الذنوب ، وعلى مصائب الدهْر أيضاً ؛ ومنه الحديثُ : " كان رسولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم ، إذَا حَزَبَهُ أَمْرٌ ، فَزِعَ إلَى الصَّلاَةِ " ، ومنْهُ ما روي أنَّ عبد اللَّه بن عباس نُعِيَ له أخوه قُثَمُ وهو في سفر ، فٱسترجَعَ ، وتنحَّىٰ عن الطريق ، وصلَّىٰ ، ثم ٱنصرفَ إلى راحلته ، وهو يقرأُ : { وَٱسْتَعِينُواْ بِٱلصَّبْرِ وَٱلصَّلَوٰةِ } ، وقال مجاهد : الصبر في هذه الآية الصوْمُ ، ومنه قيل لرمضانَ شهْرُ الصبْرِ ، وخص الصوم والصلاة على هذا القول بالذكْرِ ؛ لتناسبهما في أن الصيام يمنع الشهواتِ ، ويزهِّد في الدنيا ، والصلاة تنْهَىٰ عن الفحشاء والمنْكَرِ ، وتُخشِّع ، ويقرأُ فيها القرآن الذي يذكِّر بالآخرة ، وقال قومٌ : الصبر على بابه ، والصلاة الدعاءُ ، وتجيء الآية على هذا القولِ مشْبِهةً لقوله تعالى : { إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَٱثْبُتُواْ وَٱذْكُرُواْ ٱللَّهَ } [ الأنفال : 45 ] لأن الثبات هو الصبر ، وذكر اللَّه هو الدعاءُ ، وروى ابن المبارك في « رقائقه » ؛ قال : أخبرنا حمَّاد بن سَلَمَةَ عن ثابتٍ البُنَانِيِّ عن صِلَةَ بْنِ أشْيَمِ ؛ قال : قال رسولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم : " مَنْ صَلَّىٰ صَلاَةً ، لَمْ يَذْكُرْ فِيهَا شَيْئاً مِنْ أَمْرِ الدُّنْيَا ، لَمْ يَسْأَلِ اللَّهَ شَيْئاً إِلاَّ أَعْطَاهُ إيَّاه " وأسند ابن المبارك عن عقبة بن عامر الجُهَنِيِّ ؛ قال : سَمِعْتُ رسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ : " مَنْ تَوَضَّأَ ، فَأَحْسَنَ وُضُوءَهُ ، ثُمَّ صَلَّىٰ صَلاَةً غَيْرَ سَاهٍ ، وَلاَ لاَهٍ ، كُفِّرَ عَنْهُ مَا كَانَ قَبْلَهَا مِنْ شَيْءٍ " انتهي . وهذان الحديثان يُبَيِّنَانِ ما جاء في « صحيح البخاريِّ » " عن عثمانَ حيثُ توضَّأَ ثلاثًا ثلاثاً ، ثم قال : قال رسولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم : « مَنْ تَوَضَّأَ نَحْوَ وُضُوئي هَذَا ، ثُمَّ صَلَّىٰ رَكْعَتَيْنِ لاَ يُحَدِّثُ فِيهِمَا نَفْسَهُ ، غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ » " انتهى . والضمير في قوله تعالَىٰ : { وَإِنَّهَا } قيل : يعود على الصلاة ، وقيل : على العبادة التي تضمنها بالمعنى ذكر الصبْرِ والصلاة . قال : * ص * : « وإنَّهَا » الضمير للصلاة ، وهو القاعدة في أن ضمير الغائب لا يعود على غير الأقرب إلا بدليل . انتهى . ثم ذكر أبو حَيَّان وجوهاً أُخَرَ نحو ما تقدَّم . وكَبِيرَةٌ : معناه : ثقيلةٌ شاقَّة ، والخَاشِعُونَ : المتواضعون المخبتُونَ ، والخشوعُ هيئة في النفْسِ يظهر منها على الجوارحِ سكُونٌ وتواضُعٌ . و { يَظُنُّونَ } في هذه الآية ، قال الجمهور : معناه : يوقنُونَ ، والظنُّ في كلام العرب قاعدته الشَّكُّ مع ميلٍ إلى أحد معتقديه ، وقد يقع موقع اليقين ، لكنه لا يقع فيما قد خرج إلى الحِسِّ لا تقول العرب في رجل مَرْئِيٍّ أظن هذا إنسانًا ، وإنَّمَا تجد الاستعمال فيما لم يخرج إلى الحس ؛ كهذه الآية ؛ وكقوله تعالى : { فَظَنُّواْ أَنَّهُمْ مُوَاقِعُوهَا } [ الكهف : 53 ] . قال : * ص * : قلتُ : وما ذكره ابن عَطيَّةَ هو معنَىٰ ما ذكره الزَّجَّاج في معانيه عن بعْض أهل العلْمِ ؛ أنَّ الظنَّ يقع في معنى العلْمِ الذي لم تشاهدْه ، وإِنْ كان قد قامت في نفسك حقيقتُهُ ، قال : وهذا مذهبٌ إلا أن أهل اللغة لم يذكروه ، قال : وسمعته من أبي إسحاق إسماعيل بن إسحاق القاضي ، رواه عن زيد بن أسْلَمَ . انتهى . والمُلاَقَاةُ هي لِلثوابِ أو العقابِ ، ويصحُّ أن تكون الملاقاة هنا بالرؤية التي عليها أهل السنة ، وورد بها متواترُ الْحَدِيث . و { رَٰجِعُونَ } : قيل : معناه : بالموْتِ ، وقيل : بالحشرِ والخروجِ إلى الحساب والعرضِ ، ويقوِّي هذا القوْل الآيةُ المتقدِّمة قوله تعالَىٰ : { ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ } .