Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 2, Ayat: 61-64)
Tafsir: al-Ǧawāhir al-ḥisān fī tafsīr al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
وقوله تعالَىٰ : { وَإِذْ قُلْتُمْ يَـٰمُوسَىٰ لَن نَّصْبِرَ عَلَىٰ طَعَامٍ وٰحِدٍ … } الآيةَ : كان هذا القول منهم في التيه حينَ ملُّوا المَنَّ والسلْوَىٰ ، وتذكَّروا عيشهم الأول بمصْرَ ، قال ابنُ عَبَّاس وأكثر المفسِّرين : الفُومُ : الحِنْطَة ، وقال قتادة ، وعطاء : الفوم : جميع الحبوب التي يمكن أن تختبز ، وقال الضحَّاك : الفوم : الثُّوم ، وهي قراءة عبد اللَّه بن مسعود ، وروي ذلك عن ابن عبَّاس ، والثاء تُبْدَلُ من الفاءِ ؛ كما قالوا : مَغَاثِيرُ ومَغَافِير . * ت * : قال أحمد بن نصر الدَّاوُوديُّ : وهذا القولُ أشبه لما ذكر معه ، أي : من العَدَسِ والبَصَلِ . انتهى . { وَأَدْنَى } : قال عليُّ بن سليمان الأخْفَشُ . مأخوذٌ من الدَّنِيءِ البيِّنِ الدناءةِ ؛ بمعنى : الأَخَسِّ ، إلا أنه خُفِّفَت همزته ، وقال غيره : هو مأخوذ من الدُّون ، أي : الأحط فأصله أَدْوَن ، ومعنى الآية : أَتَسْتَبْدِلُونَ البَقْلَ ، والْقِثَّاءَ ، والفُومَ ، وَالعَدَسَ ، والبَصَلَ الَّتي هى أدنَىٰ بالمَنِّ والسلْوَى الذي هو خيرٌ . وجمهور النَّاس يقرءون « مِصْراً » بالتنوين ، قال مجاهدٌ وغيره : أراد مِصْراً من الأمصار غير معيَّن ، واستدلُّوا بما اقتضاه القرآن من أمرهم ؛ بدخول القرية ، وبما تظاهَرَتْ به الرواياتُ ؛ أنهم سكنوا الشَّام بعد التيه ، وقالت طائفة : أراد مِصْرَ فِرْعَونَ بعينها ، وٱستدلُّوا بما في القرآن من أنَّ اللَّه أورَثَ بني إسْرائيل ديار آل فرعون وآثارهم ، قال في « مختصر الطبريِّ » : وعلى أن المراد مصْر التي خرجُوا منها ، فالمعنَىٰ : إنَّ الذي تطلُبُونَ كان في البَلَد الَّذي كان فيه عذابُكُم ، وٱستعبادُكُم ، وأسْركم ، ثمَّ قال : والأظهر أنهم مُذْ خرجوا من مصْر ، لم يرجعوا إليها ، واللَّه أعلم . انتهى . وقوله تعالَىٰ : { فَإِنَّ لَكُم مَّا سَأَلْتُمْ } يقتضي أنه وَكَلَهُمْ إِلى أنفسهم ، و { وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ ٱلذِّلَّةُ وَٱلْمَسْكَنَةُ } معناه : ٱلْزَمُوهَا ؛ كما قالت العربُ : ضَرْبَةُ لاَزِبٍ ، { وَبَاءُوا بِغَضَبٍ } : معناه : مروا متحمِّلين له ، قال الطبري : باءوا به ، أي : رجعوا به ، واحتملوه ، ولا بد أن يوصل بَاءَ بخير أو بشرٍّ . انتهى . وقوله تعالى : { ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُواْ يَكْفُرُونَ بِآيَـٰتِ ٱللَّهِ وَيَقْتُلُونَ ٱلنَّبِيِّينَ بِغَيْرِ ٱلْحَقِّ } الأشارة بـــ { ذَٰلِكَ } إلى ضرب الذلَّة وما بعدهُ ، وقوله تعالَىٰ : { بِغَيْرِ ٱلْحَقِّ } تعظيمٌ للشنعة ، والذَّنْب ، ولم يجرم نبيٌّ قطُّ ما يوجبُ قتله ، وإنما التسليطُ عليهم بالقَتْل كرامةٌ لهم ، وزيادةٌ لهم في منازلهم صلى اللَّه عليهمْ ؛ كَمَثَلِ مَنْ يُقْتَلُ في سبيلِ اللَّهِ من المؤمنين ، والباء في « بِمَا » باء السبب . و { يَعْتَدُونَ } : معناه : يتجاوزون الحُدُود ، والاعتداء هو تجاوُزُ الحدِّ . وقوله تعالَىٰ : { إِنَّ ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ وَٱلَّذِينَ هَادُواْ وَٱلنَّصَـٰرَىٰ وَٱلصَّـٰبِئِينَ … } الآية . اختلف في المراد بـ { ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ } في هذه الآية . فقالت فرقة : الذين آمنوا هم المؤمنون حقًّا بنبيِّنا محمَّد صلى الله عليه وسلم ، وقوله : { مَنْ ءَامَنَ بِٱللَّهِ } يكون فيهم بمعنَىٰ مَنْ ثَبَتَ ودَامَ ، وفي سائر الفرق : بمعنى : مَنْ دخَلَ فيه ، وقال السُّدِّيُّ : هم أهل الحنيفيَّة ممَّن لم يلحق محمَّداً صلى الله عليه وسلم ، والذين هَادُوا ، ومن عطف عليهم كذلك ممَّن لم يلحق محمَّداً صلى الله عليه وسلم ، { وَٱلَّذِينَ هَادُواْ } هم اليهودُ ، وسُمُّوا بذلك ؛ لقولهم : { هُدْنَـا إِلَيْكَ } [ الأعراف : 156 ] ، أي : تبنا ، { وَٱلنَّصَـٰرَىٰ } لفظةٌ مشتقَّة من النَّصْرِ . قال : * ص * : { وَٱلصَّـٰبِئِينَ } : قرأ الأكثر بالهمز ؛ صَبَأَ النَّجْمُ ، والسِّنُّ ، إِذا خرج ، أي : خَرَجُوا من دينٍ مشهورٍ إِلى غيره ، وقرأ نافع بغير همز ، فيحتمل أن يكون من المهموز المُسَهَّل ، فيكون بمعنى الأول ، ويحتمل أن يكون مِنْ صَبَا غيْرَ مهموزٍ ، أي : مَالَ ؛ ومنه : [ الهزج ] @ إِلَىٰ هِنْدٍ صَبَا قَلْبِي وَهِنْدٌ مِثْلُهَا يُصْبِي @@ انتهى . قال : * ع * : والصَّابِىءُ ؛ في اللغة : من خرج من دين إلى دين . وأما المشار إليهم في قوله تعالَىٰ : { وَٱلصَّـٰبِئِينَ } فقال السديُّ : هم فرقة من أهل الكتاب ، وقال مجاهد : هم قوم لا دِينَ لهم ، وقال ابنُ جْرَيْج : هم قوم تركب دينهم بين اليهوديَّة والمجوسيَّة ، وقال ابنُ زَيْد : هم قومٌ يقولون لا إله إلا اللَّه ، وليس لهم عمل ولا كتابٌ كانوا بجزيرةِ المَوْصِلِ ، وقال الحسنُ بْنُ أبي الحسن ، وقتادة : هم قوم يعبدون الملائكةَ ، ويصلُّون الخمْسَ إلى القبلة ، ويقرءون الزَّبُور رَآهُمْ زيادُ بن أبي سفيان ، فأراد وضع الجزْيَة عنْهم حتَّى عُرِّفَ أنهم يعبدون الملائكَةَ . وقوله تعالى : { وَرَفَعْنَا فَوْقَكُمُ ٱلطُّورَ … } الآية : { ٱلطُّور } : اسم الجبلِ الَّذي نُوجِيَ موسَىٰ عليه السلام قاله ابنُ عبَّاس ، وقال مجاهدٌ وغيره : { ٱلطُّور } : اسمٌ لكلِّ جبلٍ ، وقصص هذه الآية أنَّ موسَىٰ عليه السلام ، لما جاء إلى بني إسرائيل من عنْد اللَّه تعالَىٰ بالألواح ، فيها التوراة ، قال لهم : خُذُوهَا ، وٱلْتَزِمُوهَا ، فقَالُوا : لا ، إِلاَّ أنْ يكلَّمنا اللَّهُ بهَا كما كلَّمك ، فصُعِقُوا ، ثم أُحْيُوا ، فقال لهم : خُذُوها ، فقالوا : لاَ ، فأمر اللَّه الملائكَةَ ، فٱقتلعَتْ جَبَلاً من جبالِ فِلَسْطِينَ طولُه فَرْسَخٌ في مثله ، وكذلك كان عسْكَرهم ، فجعل عليهم مثْلَ الظُّلَّة ، وأخرج اللَّه تعالى البَحْرَ من ورائهم ، وأضرم نَاراً من بين أيديهم ، فأحاط بهم غضبه ، وقيل لهم : خذوها ، وعليكُم الميثَاقُ ، ولا تضيِّعوها ، وإِلا سقط علَيْكم الجبَلُ ، وأغرقكم البَحْر ، وأحرقتكم النارُ ، فَسَجَدُوا ؛ توبةً للَّه سبحانه ، وأخذوا التوراةَ بالميثاقِ ، قال الطبريُّ عن بعض العلماء : لو أخذوها أوَّلَ مرَّة ، لم يكُنْ عليهم ميثاقٌ ، وكانت سجدتهم علَىٰ شِقٍّ ؛ لأنهم كانوا يرقبون الجَبَل ؛ خوْفاً ، فلما رحمهم اللَّه سبحانه ، قالوا : لا سجدَةَ أفضلُ من سَجْدة تقبَّلها اللَّه ، ورَحِمَ بها ، فأَمَرُّوا سجودَهم علَىٰ شِقٍّ واحدٍ . قال : * ع * : والذي لا يصحُّ سواه أن اللَّه تعالى اخترع وقْتَ سجودهم الإِيمان في قلوبهم ، لا أنهم آمنوا كُرْهاً ، وقلوبهم غيرُ مطمئنة ، قال : وقد اختصرْتُ ما سرد في قصصِ هذه الآية ، وقصدت أَصَحَّهُ الذي تقتضيه ألفاظُ الآية ، وخلط بعْضُ الناس صَعْقَةَ هذه القصَّة بصَعْقة السبعين . وَ { بِقُوَّةٍ } : قال ابن عباس : معناه : بجِدٍّ وٱجتهادٍ . وقال ابن زيد : معناه : بتصديق وتحقيق . { وَٱذْكُرُواْ مَا فِيهِ } ، أي : تدبُّروه واحْفَظُوا أوامره ووعيدَهُ ، ولا تنسوه ، ولا تضيِّعوه . وقوله تعالَىٰ : { ثُمَّ تَوَلَّيْتُم … } الآية : تولَّى : أصله الإِعراض والإِدبار عن الشيء بالجِسْمِ ، ثم استعمل في الإعراض عن الأمورِ ، والأديانِ ، والمعتقداتِ ؛ اتِّساعاً ومجازاً ، وتَوَلِّيهِمْ من بعد ذلك : إما بالمعاصِي ، فكان فضل اللَّه بالتوبة والإِمهال إِلَيْها ، وإما أن يكون تَوَلِّيهم بالكُفْر ، فلم يعاجلْهم سبحانه بالهَلاَكِ ؛ لِيَكُونَ من ذرِّيَّتهم من يُؤْمِنُ .