Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 2, Ayat: 67-73)
Tafsir: al-Ǧawāhir al-ḥisān fī tafsīr al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
وقوله تعالى : { وَإِذْ قَالَ مُوسَىٰ لِقَوْمِهِ إِنَّ ٱللَّهَ يَأْمُرُكُمْ … } الآية : المراد تذكيرهم بنقْضِ سلفهم للميثاقِ ، وسبب هذه القصَّة علَىٰ ما روي أن رجلاً من بني إسرائيل أَسَنّ ، وكان له مالٌ ، فاستبطأ ابن أخيه موته ، وقيل : أخوه ، وقيل : ابنا عمه ، وقيل : ورثةٌ غيْرُ معيَّنين ، فقتله ؛ ليرثه ، وألقاه في سبط آخر غير سبطه ؛ ليأخذ ديته ، ويلطِّخهم بدمه . وقيل : كانت بنو إسرائيل في قريتين متجاورتين ، فألقاهُ إِلى باب إِحدى القريتَيْن ، وهي التي لم يُقْتَلْ فيها ، ثم جعل يطلبه هو وسبطه ؛ حتى وجده قتيلاً ، فتعلَّق بالسبط ، أوْ بسكَّان المدينة التي وجد القتيل عندها ، فأنكروا قتله ، فوقع بين بني إسرائيل في ذلك لحاء ؛ حتى دخلوا في السِّلاح ، فقال أهل النُّهَىٰ ، منهم : أَنَقْتَتِلُ ورسُولُ اللَّهِ معنا ، فذهبوا إِلَىٰ موسَىٰ عليه السلام ، فقصُّوا علَيْهِ القصَّة ، وسألوهُ البيانَ ، فأوحى اللَّه تعالَىٰ إِليه أن يذبحوا بقرةً ، فيُضْرَبُ القتيل ببعضها ، فَيَحْيَـــىٰ ويُخْبِرُ بقاتله ، فقال لهم : { إِنَّ ٱللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تَذْبَحُواْ بَقَرَةً } ، فكان جوابهم أنْ { قَالُواْ أَتَتَّخِذُنَا هُزُوًا } وهذا القول منهم ظاهره فسادُ اعتقادٍ مِمَّنْ قاله ، ولا يصحُّ إيمان من يقول لِنبيٍّ قد ظهرتْ معجزته ، وقال : إن اللَّه يأمرُ بكذا : أنتخذُنَا هُزُواً ، ولو قال ذلك اليوْمَ أحدٌ عن بعض أقوال النبيِّ صلى الله عليه وسلم ، لوجب تكفيره . وذهب قوم إلى أنَّ ذلك منهم على جهة غلظ الطبع والجفاء ، وقول موسَىٰ عليه السلام : { أَعُوذُ بِٱللَّهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ ٱلْجَـٰهِلِينَ } يَحْتَمِلُ مَعْنَيَيْنِ : أحدهما : الاستعاذةُ من الجهل في أن يخبر عن اللَّه تعالَىٰ مستهزئاً . والآخر : من الجهل ؛ كما جهلوا في قولهم . وقوله تعالَىٰ : { قَالُواْ ٱدْعُ لَنَا رَبَّكَ … } الآيةَ : هذا تعنيتٌ منهم ، وقلَّةُ طواعية ، ولو امتثلوا الأمر ، فٱستعرضوا بقرةً فذبحُوها ، لَقَضَوْا ما أمروا به ، ولكن شدَّدوا ، فشَدَّدَ اللَّهُ علَيْهم ؛ قاله ابن عَبَّاسٍ وغيره . والفارض : المسنَّة الهَرِمَة ، والبِكْر ؛ من البقر : التي لم تلدْ من الصغر ، ورفعت « عَوَانٌ » على خبر ابتداءِ مضمرٍ ، تقديره : هي عَوَانٌ ، والعَوَانُ التي قد وَلَدَتْ مرَّةً بعد مرّة . قال : * م * : قال الجَوْهَرِيُّ : والعَوَانُ : النَّصَفُ في سِنِّها من كل شيْء ، والجمعُ عُونٌ . انتهى . * ت * : قال الشيخُ زين الدين عبد الرحيم بن حُسَيْنٍ العَراقيُّ في نظمه لغريب القُرآن جمع أبي حيان : [ الرجز ] @ مَعْنَىٰ « عَوَانٌ » نَصَفٌ بَيْنَ الصِّغَرْ وَبَيْنَ مَا قَدْ بَلَغَتْ سِنَّ الْكِبَرْ @@ وكل ما نقلته عن العِرَاقِيِّ منظوماً ، فمن أرجوزته هذه . وقوله : { فَٱفْعَلُواْ مَا تُؤْمَرونَ } تجديدٌ للأمر ، وتأكيدٌ وتنبيهٌ على ترك التعنُّت ، فما تركوه . قال ابنُ زَيْد : وجمهورُ الناسِ في قوله : { صَفْرَاءُ } ؛ أنَّها كانت كلُّها صفراء ، وفي « مختصر الطبريِّ » : { فَاقِـعٌ لَّوْنُهَا } أي : صافٍ لونُها . انتهى . والفقوعُ مختصٌّ بالصفرة ؛ كما خُصَّ أحمرُ بِقَانِىء ، وأسْوَدُ بحالِك ، وأبْيَضُ بناصِع ، وأخْضَرُ بناضِرٍ ، قال ابن عبَّاس وغيره : الصفرة تسر النفْسَ ، وسأَلُوا بعد هذا كلِّه عن ما هي سؤال متحيِّرين ، قد أحسُّوا مقْتَ المعصية . وفي استثنائهمْ في هذا السؤالِ الأخيرِ إنابةٌ مَّا ، وانقيادٌ ، ودليلُ ندمٍ وحِرْصٌ على موافقة الأمر ورُوِيَ عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم ؛ أنَّهُ قَالَ : " لَوْلاَ مَا ٱسْتَثْنَوْا ، مَا ٱهْتَدَوْا إِلَيْهَا أَبَداً " وقوله : { لاَّ ذَلُولٌ تُثِيرُ ٱلأَرْضَ } ، أي : غير مذللة بالعمل والرياضة ، و { تُثِيرُ ٱلأَرْضَ } معناه : بالحراثة ، وهي عند قوم جملةٌ في موضعِ رفعٍ على صفة البقرة ، أي : لا ذلول مثيرة ، وقال قوم : « تُثِيرُ » فعلٌ مستأنفٌ والمعنى إيجاب الحرث ، وأنها كانت تحرُثُ ، ولا تسقي ، و { مُسَلَّمَةٌ } : بناء مبالغة من السلامة ؛ قال ابن عبَّاس وغيره : معناه : من العيوب ، وقال مجاهد : معناه : من الشِّيَاتِ والألوانِ ، وقيل : من العمل . و { لاَّ شِيَةَ فِيهَا } ، أي : لا خلاف في لونها ؛ هي صفراء كلُّها ؛ قاله ابن زيد وغيره ، والمُوَشَّى المختلِطُ الألوان ، ومنه : وَشْيُ الثَّوْب : تزينه بالألوان ، والثَّوْرُ الأَشْيَهُ الذي فيه بلقة ؛ يقال : فرس أَبْلَقُ ، وكبش أَخْرَجُ ، وتَيْسٌ أَبْرَق ، وكَلْبٌ أَبْقَعُ ، وثَوْرٌ أَشْيَهُ ؛ كل ذلك بمعنى البلقة . وهذه الأوصاف في البقرة سببها أنهم شدَّدوا ، فشدَّد اللَّه عليهم ، ودينُ اللَّه يُسْر ، والتعمُّق في سؤال الأنبياء مذمومٌ ، وقصَّة وجود هذه البقرة علَىٰ ما روي ؛ أنَّ رجلاً من بني إِسرائيل ولد له ابنٌ ، وكانت له عِجْلَةٌ ، فأرسلها في غيضة ، وقال : اللهم ، إني قد استودعتُكَ هذه العِجْلَةَ لهذا الصبيِّ ، ومات الرجُلُ ، فلما كبر الصبيُّ ، قالت له أمه : إِن أباك كان قد ٱستودَعَ اللَّه عِجْلَةً لكَ ، فٱذْهَبْ ، فخذْها ، فلما رأَتْه البقَرَة ، جاءت إلَيْه ؛ حتى أخذ بقرنَيْها ، وكانت مستوحشةً ، فجعل يقودها نحو أمه ، فلقيه بنو إسرائيل ، ووجدوا بقرته على الصِّفَة التي أمروا بها ، فلمَّا وجدت البقرة ، ساموا صاحبها ، فٱشتطَّ عليهم ، فَأَتَوْا به موسَىٰ عليه السلام وقالوا له : إِن هذا اشتطَّ علينا ، فقال لهم موسى : أرضُوهُ في مِلْكِه . فٱشتروْهَا منه بِوَزْنِهَا مرَّةً ؛ قاله عَبِيدة السَّلْمَانِيُّ ، … وقيل : بوزنها مرتَيْنِ . وقيل : بوزنها عشْرَ مرَّات ، وقال مجاهد : كانت لرجل يبَرُّ أمه ، وأخذت منه بملْء جلْدها دنانير . و { ٱلئَـٰنَ } : مبنيٌّ على الفتح ، معناه : هذا الوقت ، وهو عبارة عما بين الماضِي والمستقبلِ ، و { جِئْتَ بِٱلْحَقِّ } : معناه ؛ عند من جعلهم عُصَاةً : بيَّنْتَ لنا غاية البيانِ ، وهذه الآية تعطي أن الذَّبْح أصل في البقر ، وإن نحرت أَجْزَأَ . وقوله تعالى : { وَمَا كَادُواْ يَفْعَلُونَ } : عبارة عن تثبُّطهم في ذَبْحِها ، وقلَّة مبادرتهم إلى أمر اللَّه تعالى ، وقال محمَّد بن كَعْب القُرَظِيُّ : كان ذلك منهم لغلاء البَقَرة ، وقيل : كان ذلك خوف الفَضيحة في أمر القاتل . و { ٱدَّارَءْتُمْ } : معناه : تدافَعْتُم قتْلَ القتيل ، و { فِيهَا } ، أي : في النَّفْس . وقوله تعالى : { ٱضْرِبُوهُ بِبَعْضِهَا } : آية من اللَّه تعالَىٰ علَىٰ يدَيْ موسَىٰ عليه السلام أن أمرهم أن يضربوا ببعض البقرة القتيلَ ، فَيَحْيَـــىٰ ويخبر بقاتله ، فقيل : ضربوه ، وقيل : ضربوا قبره ؛ لأن ابن عباس ذكر أنَّ أمر القتيل وقع قَبْل جواز البَحْر ، وأنهم داموا في طلب البقرة أربعين سنَةً . وقوله تعالى : { كَذَٰلِكَ يُحْيِ ٱللَّهُ ٱلْمَوْتَىٰ … } الآيةَ : في هذه الآية حض على العبرة ، ودلالةٌ على البعث في الآخرة ، وظاهرها أنها خطاب لبني إسرائيل حينئذ ، حُكِيَ لمحمَّد صلى الله عليه وسلم ؛ ليعتبر به إلى يوم القيامة . وذهب الطبريُّ إلى أنها خطاب لمعاصِرِي محمَّد صلى الله عليه وسلم ، وأنها مقطوعة من قوله : { ٱضْرِبُوهُ بِبَعْضِهَا } ، وروي أن هذا القتيل لما حَيِـــيَ ، وأخبر بقاتله ، عاد ميتاً كما كان .