Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 30, Ayat: 17-29)

Tafsir: al-Ǧawāhir al-ḥisān fī tafsīr al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

وقوله تعالى : { فَسُبْحَانَ ٱللَّهِ … } الآية خطابٌ للمؤمنين بالأمر بالعبادة والحضِّ على الصلاة في هذه الأوقات ، كأنه يقول سبحانه : إذا كان أمر هذه الفرق هكذا من النقمة والعذاب ، فجِدَّ أيها المؤمن في طريق الفوز برحمة اللّه . ورَوَى ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " مَنْ قَالَ حِينَ يُصْبِحُ { فَسُبْحَانَ اللّه حين تمسون وحين تصبحون } إلى قوله : { وكذلك تخرجون } أَدْرَكَ مَا فَاتَهُ فِي يَوْمِه ذَلِكَ ، وَمَنْ قَالَهُنَّ حِينَ يُمْسِي أَدْرَكَ مَا فَاتَهُ فِي لَيْلَتِهِ " رواه أبو داود ، انتهى من « السلاح » . قال ابن عباس وغيره : في هذه الآية تنبيهٌ علَى أربع صلواتٍ : المغرب ، والصبح ، والظهر ، والعصر ، قالوا : والعشاءُ الأخيرةُ هي في آية أخرى : في زلف الليل ، وقد تقدم بيانُ هذا مُسْتَوْفَى في مَحَاله . وقوله تعالى : { يُخْرِجُ ٱلْحَيَّ مِنَ ٱلْمَيِّتِ … } الآية ، تقدم بيانُها . ثم بعد هذه الأَمثِلَةِ القاضيةِ بتجويز بعث الأجساد عقلاً ؛ ساق الخبر سبحانه بأن كذلك خروجَنا من قبورِنا ، و { تَنتَشِرُونَ } معناه : تتصرفون وتتفرقون ، والمودة والرحمة : هما على بابهما المشهور من التواد والتراحم ؛ هذا هو البليغ . وقيل : غيرُ هذا . وقرأ الجمهور : « للعالَمين » ـــ بفتح اللام ـــ يعني : جميع العالم . وقرأ حفصٌ عن عاصم ـــ بكسرها ـــ على معنى : أَنَّ أهلَ الانتفاع بالنظر فيها إنما هم أهل العلم ، وباقي الآية اطْلبه في مَحَالِّه ؛ تجده إن شاء اللّه مبيناً ، وهذا شأننا إلاحالة في هذا المختصر ؛ على ما تقدم بيانه ، فاعلمه راشداً . * ت * : وهذه الآياتُ والعبر إنما يعظمُ موقعُها في قلوب العارفين باللَّه سبحانه ، ومن أكثرَ التفكُّرَ في عجائب صنع اللّه تعالى حَصَلَتْ له المعرفةُ باللّه سبحانه . قال الغَزَالِيُّ في « الإحياء » : وبحر المعرفة لا ساحل له ؛ والإحاطة بكنه جلال اللّه محالٌ ، وكلما كثرت المعرفةُ باللّه تعالى وصفاتِه . وأَفعاله وأسرار مملكته وقويت ـــ كثر النعيم في الآخرة ؛ وعظم ، كما أنه كلما كثر البذر وحسن ـــ كثر الزرع وحسن . وقال أيضاً في كتاب « شرح عجائب القلب » من « الإحياء » : وتكون سَعَةُ ملك العبد في الجنة ؛ بحسب سِعَة معرفتِه باللّه ، وبحسب ما يتجلَّىٰ له من عظمة اللّه ـــ سبحانه ـــ ، وصفاتِه ، وأفعاله ، انتهى . وقوله تعالى : { أَن تَقُومَ ٱلسَّمَاء وَٱلأَرْضُ } معناه : تثبت كقوله تعالى : { وَإِذَا أَظْلَمَ عَلَيْهِمْ قَامُواْ } [ البقرة : 20 ] . وهذا كثير ، والدعوة من الأرض : هي البعث ليوم القيامة ، قال مكي : والأحسن عند أهل النظر أنَّ الوقفَ في هذه الآية يكونُ في آخرها ، { تَخْرُجُونَ } ؛ لأن مذهب سيبويهِ والخليلِ في « إذا » الثانية : أنها جوابُ الأولى ، كأنه قال : ثم إذا دعاكم خرجتم ؛ وهذا أسدُّ الأقوال . وقال * ص * : { إِذَا أَنتُمْ } ، « إذا » : للمفاجأة ، وهل هي ظرفُ مكانٍ أو ظرفَ زمان ؟ خلاف ، و { مِنَ ٱلأَرْضِ } علَّقهُ الحُوفِيُّ بـ « دَعَا » ، وأجاز * ع * : أن يتعلقَ بـ « دعوة » انتهى . وقرأ حمزة والكسائي : « تَخْرُجُونَ » ـــ بفتح التاء ، والباقون بضمها ـــ ، والقنوت هنا بمعنى الخضوعِ ، والانقيادِ في طاعتهِ سبحانه . وإعادة الخلق : هو بعثُهم من القبور . وقوله تعالى : { وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ } قال ابن عباس وغيره : المعنى : وهو هين عليه ، وفي مصحف ابن مسعود « وهو هين عليه » ، وفي بعض المصاحف « وكل هين عليه » . وقال ابن عباس أيضاً وغيره : المعنى : وهو أيسر عليه ، قال : ولكن هذا التفضيل إنَّما هو بحسْب معتقدِ البَشَرِ ؛ وما يعطيهم النظر في الشاهد من أن الإعَادَةِ في كثير من الأشياء أهون علينا من البدأة . ولما جاء بلفظٍ فيه استعارة ، وتشبيه بما يعهده الناس من أنفسهم خَلُصَ جانبُ العظمة ؛ بأن جعل له المثلَ الأعْلَى الذي لا يلحقه تكييف ؛ ولا تماثل مع شيء . ثم بين تعالى أمر الأصنام وفسادَ معتقدِ مَن يُشْرِكُها باللّه ـــ بضربه هذا المثلَ ـــ ؛ وهو قوله : { ضَرَبَ لَكُمْ مَّثَلاً مِّنْ أَنفُسِكُمْ … } الآية ، ومعناه : أَنكم أيها الناس إذا كان لكم عبيدٌ تَمْلِكُونَهم ؛ فإنكم لا تشركونهم في أموالكم ، ومُهِمِّ أموركم ، ولا في شيء على جهة استواءَ المنزلة . وليس من شأنكم أن تخافوهم في أن يرثوا أموالكم ، أو يقاسموكم إياها في حياتكم ، كما يفعل بعضكم ببعض ؛ فإذا كان هذا فيكم ، فكيف تقولون : أن من عبيده وملكه شركاءُ في سلطانِه وألوهيته ؛ هذا تفسير ابن عباس والجماعة .