Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 38, Ayat: 62-69)
Tafsir: al-Ǧawāhir al-ḥisān fī tafsīr al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
وقوله تعالى : { وَقَالُواْ مَا لَنَا لاَ نَرَىٰ رِجَالاً كُنَّا نَعُدُّهُمْ مِّنَ ٱلأشْرَارِ … } الآية : الضميرُ في { قَالُواْ } لأشْرَافِ الكفارِ ورؤسائِهم ، وهذا مطَّرِدٌ في كل أمة ، ورُوِيَ أن قائِلي هذه المقالةِ أهْلُ القَلِيبِ ؛ كأبِي جَهْلٍ وأُمَيَّةَ بنِ خَلَفٍ وعُتْبَةَ بن رَبيعةِ ، ومَنْ جَرَى مَجْرَاهُمْ ، وأنَّ الرجالَ الذين يشيرون إليهم هم كَعَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ ، وبِلاَلٍ وصُهَيْبٍ ، ومَنْ جَرَىٰ مجراهم ، قاله مجاهد وغيره ، والمعنى : كنا في الدنيا نَعُدُّهم أشْرَاراً ، وقرأ حمزةُ والكسائي وأبو عمرو « ٱتَّخَذْنَاهُمْ » بِصِلَةِ الألِف ، على أن يكونَ ذلك في موضِع الصفةِ لرجال ، وقرأ الباقونَ « أَتَّخَذْنَاهُمْ » بهمزةِ الاسْتِفْهَامِ ، ومعناها : تقريرُ أنفسِهِم على هذا ؛ على جهة التوبيخ لها والأسفِ ، أي : اتخذناهم سِخْرِيًّا ولم يكونوا كذلك ، وقرأ نافع وحمزة والكسائي : « سُخْرِيًّا » ـــ بضم السين ـــ من السُّخْرةِ ، والاستخدامِ ، وقرأ الباقون : « سِخْرِيًّا » ـــ بكسر السين ـــ ، ومعناها المشهورُ من السَّخْرِ الذي هو بمعنى الهُزْءِ ، وقولُهُمْ : { أَمْ زَاغَتْ } معادلةٌ لما في قولِهِمْ : { مَا لَنَا لاَ نَرَىٰ } والتقديرُ في هذه الآيةِ : أمَفْقُودُونَ هم أَمْ هُمْ معنا ، ولكن زاغَتْ عنهم أبصارنا ، فلا نراهم ، والزَّيْغُ : المَيْلُ . ثم أخْبَرَ تعالى نبيَّه بقوله : { إِنَّ ذَلِكَ لَحَقٌّ تَخَاصُمُ أَهْلِ ٱلنَّارِ } والإشارةُ بقوله تعالى : { قُلْ هُوَ نَبَأٌ عَظِيمٌ } إلى التوحيد والمَعَادِ ، فهي إلى القرآن وجميعِ ما تَضَمَّنَ ، وعِظَمُهُ أنَّ التصديقَ بهِ نجاةٌ والتكذيبُ به هَلَكَةٌ ، ووبَّخَهُمْ بقوله : { أَنتُمْ عَنْهُ مُعْرِضُونَ } ، ثم أُمِرَ ـــ عليه السلام ـــ أن يقولَ محتجًّا علَىٰ صِحَّةِ رسالتِه : « { مَا كَانَ لِىَ مِنْ عِلْمٍ بِٱلْمَـَلإِ ٱلأَعْلَىٰ } لولا أنْ اللَّه أخْبَرَنِي بذلك » والملأ الأعلى أَرَادَ بِهِ : الملائكةَ ، واخْتُلِفَ في الشَّيْءِ الذي هُوَ اخْتِصَامُهُمْ فِيه ؛ فقالت فرقةٌ : ٱخْتِصَامُهُمْ في شأن آدَمَ : كقولهم : { أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا } [ البقرة : 30 ] وَيَدُلُّ على ذلك ما يأتي من الآياتِ ، وقالت فرقة : بل اختصَامُهم في الكفَّارَاتِ وَغَفْرِ الذُّنُوبِ ، ونحوه فإن العَبْدَ إذا فعل حسنَةً ، ٱخْتَلَفَتِ الملائكةُ في قَدْرِ ثوابِهِ في ذلك ، حتى يَقْضِيَ اللَّهُ بما شاء ، وروي في هذا حديثٌ فَسَّرَهُ ابنُ فُورَكَ يتضمَّنُ أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قالَ له ربُّهُ ـــ عزَّ وجلَّ ـــ في نومه : « أتَدْرِي فِيمَ يَخْتَصِمُ المَلأُ الأَعْلَىٰ ؟ قُلْتُ : لاَ ، قَالَ : ٱخْتَصِمُوا في الْكَفَّارَاتِ والدَّرَجَاتِ ، فَأَمَّا الكَفَّارَاتُ : فَإسْبَاغُ الوُضُوءِ في الغَدَوَاتِ البارِدَةِ ، ونَقْلُ الأَقْدَامِ إلَى الجَمَاعَاتِ ، وَٱنْتِظَارُ الصَّلاَةِ بَعْدَ الصَّلاَةِ ، وأَمَّا الدَّرَجَاتُ : فَإفْشَاءُ السَّلامِ ، وَإطْعَامُ الطَّعَامِ ، وَالصَّلاَةُ بِاللَّيْلِ وَالنَّاسُ نِيَامٌ » الحديثَ قال ابن العربيِّ في « أحكامِه » : وقَدْ رَوَاهُ الترمذيُّ صحيحاً ، وفيه « قال : سَلْ ؛ قَالَ : اللَّهُمَّ ، إنِّي أَسْأَلُكَ فِعْلَ الخَيْرَاتِ ، وَتَرْكَ المُنْكَرَاتِ ، وَحُبَّ المَسَاكِينِ ، وأَنْ تَغْفِرَ لِي وَتَرْحَمَنِي ، وَإذَا أَرَدْتَ فِتْنَةً في قَوْمٍ ، فَتَوَفَّنِي غَيْرَ مَفْتُونٍ ، وأَسْأَلُكَ حُبَّكَ ، وَحُبَّ مَنْ يُحِبُّكَ ، وَعَمَلاً يُقَرِّبُ إلَيَّ حُبِّكَ » قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم : " إنَّهَا حَقٌّ فَٱرْسُمُوَها ، ثُمَّ تَعَلَّمُوهَا " انتهى .