Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 39, Ayat: 29-31)

Tafsir: al-Ǧawāhir al-ḥisān fī tafsīr al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

وقوله سبحانه : { ضَرَبَ ٱللَّهُ مَثَلاً رَّجُلاً فِيهِ شُرَكَاءُ مُتَشَـٰكِسُونَ } ، هَذا مَثَلٌ ضربَه اللَّهُ سبحانه في التوحيدِ ، فَمَثَّلَ تَعَالَىٰ الكافرَ العابِدَ للأوثانِ والشياطينِ بِعَبْدٍ لرِجَالٍ عِدَّةٍ ؛ في أَخْلاَقِهِم شَكَاسَةٌ وَعَدَمُ مُسَامَحَةٍ ؛ فهم لذلك يُعَذِّبُونَ ذلك العَبْدَ بتضايقهم في أوقاتهم ، ويضايِقُون العبدَ في كثْرَةِ العَمَلِ ؛ فهو أبَداً في نَصَبٍ منهم وعناءٍ ، فكذلك عَابِدُ الأوْثَانِ الذي يَعْتَقِدُ أَنَّ ضُرَّهُ ونَفْعَهُ عِنْدَهَا ؛ هو معذَّبُ الفِكْرِ بِهَا وبحراسَةِ حَالِهِ مِنْهَا ، ومَتَىٰ تَوَهَّمَ أنه أرْضَىٰ صَنَماً بالذبحِ له في زعمِه ، تَفَكّر فيما يصنعُ معَ الآخرِ ؛ فهو أبداً تَعِبٌ في ضلالٍ ، وكذلك هو المُصَانِعُ للنَّاس المُمْتَحَنُ بخدمةِ الملوكِ ، ومَثَّلَ تَعالى المُؤْمِنَ باللَّهِ وحدَهُ ؛ بعَبْدٍ لرجُلٍ واحدٍ يُكَلِّفُه شُغْلَهُ ؛ فهو يعمله عَلَىٰ تُؤدَةٍ وقَدْ سَاسَ مَوْلاَهُ ، فالمولى يَغْفِر زَلَّتهُ ويشكُرُه على إجادةِ عَمَلهِ ، و { مَثَلاً } مفعولُ بـ { ضَرِبَ } و { رَجُلاً } نَصْبٌ على البَدَلِ و { مُتَشَـٰكِسُونَ } معناه : لا سَمْحَ في أخلاقِهم ؛ بل فيها لَجَاجٌ ، وقرأ ابن كثير وأبو عمرو « سالماً » أي : سالماً من الشّرْكَة ، ثم وَقَفَ تعالى الكفارَ بقوله : { هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلاً } ونَصْبُ { مَثَلاً } على التمييز ؛ وهذا التوقيفُ لا يجيبُ عَنْهُ أحدٌ إلاَّ بأنهما لا يستويان ؛ فلذلك عَامَلَتْهُمُ العِبَارَةُ الوجيزةُ عَلَىٰ أنهم قد أجابوا ، فقال : { ٱلْحَمْدُ للَّهِ } أي : على ظهور الحجَّةِ عليكم من أقوالِكم ، وباقي الآية بيِّن . والاخْتِصَامُ في الآية قيلَ : عَامٌّ في المؤمنِين والكَافِرين ، قال * ع * : ومعنى الآيةِ عندي : أن اللَّه تعالى تَوَعَّدَهُم بأنهم سيَتَخاصَمُونَ يَوْمَ القيامةِ في معنَىٰ ردِّهم في وجهِ الشريعةِ وتكذيبِهمْ لرسول اللَّه صلى الله عليه وسلم ، وَرَوَى الترمذيُّ من حديث عبد اللَّه بن الزُّبَيْرِ قال : " لما نَزَلَتْ : { ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ ٱلْقِيَـٰمَةِ عِندَ رَبِّكُمْ تَخْتَصِمُونَ } قال الزُّبَيْرُ : يا رَسُولَ اللَّهِ : أَتُكَرَّرُ عَلَيْنَا الخُصُومَةُ بَعْدَ الَّذِي كَانَ بَيْنَنَا في الدُّنْيَا ؟ قَالَ : نَعَمْ قَالَ : إنَّ الأَمْرَ إِذَنْ لَشَدِيدٌ " انتهى .