Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 4, Ayat: 60-63)

Tafsir: al-Ǧawāhir al-ḥisān fī tafsīr al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

وقوله تعالى : { أَلَمْ تَرَ إِلَى ٱلَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ ءَامَنُواْ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ … } الآية : تقولُ العربُ : زَعَمَ فُلاَنٌ كَذَا ؛ في الأَمْرِ الذي يَضْعُفُ فيه التحقيقُ ، وغايةُ دَرَجَةِ الزَّعْم إذا قَوِيَ : أنْ يكون مظْنُوناً ، وإذا قال سِيبَوَيْه : زَعَمَ الخَلِيلُ ، فإنما يستعملُها فيما ٱنْفَرَدَ الخَلِيلُ به ؛ وكَأَنَّ أقْوَىٰ رُتَبِ « زَعَمَ » أنْ تبقَىٰ معها عُهْدة الخَبَر على المُخْبِرِ . قال عامرٌ الشَّعبيُّ : نزلَتِ الآيةُ في منافِقٍ ٱسْمُهُ بِشْرٌ ، خاصَمَ رجلاً من اليهودِ ، فدعاه اليهوديُّ إلى المُسْلِمِينَ ؛ لعلمه أنهم لاَ يَرْتَشُونَ ، وكان المنافِقُ يدعو اليهودِيَّ إلى اليهودِ ؛ لعلمه أنَّهم يرتَشُونَ ، فَٱتَّفَقَا بَعْدَ ذلك علَىٰ أنْ أَتَيَا كَاهِناً كَانَ بالمدينةِ ، فَرَضِيَاهُ ، فنزَلَتْ هذه الآيةُ فيهما ، وفي صِنْفَيْهِمَا ، فالذينَ يَزْعُمُونَ أنَّهم آمَنوا بما أنزل علَىٰ محمَّد ـــ عليه السلام ـــ هم المنافِقُونَ ، والذين يَزْعُمُونَ أنهم آمنوا بما أُنْزِلَ من قبله هم اليهودُ ، وكلٌّ قد أُمِرَ في كتابه بالكُفْر بالطَّاغوت ، والطَّاغُوتُ هُنَا الكَاهِنُ المذْكُور ، فهذا تأنيبٌ للصِّنْفَيْنِ . وقال ابنُ عبَّاس : الطَّاغُوتُ هنا هو كَعْبُ بْنُ الأشْرَفِ ، وهو الذي تراضَيَا به ، وقيل غير هذا . وقوله : { رَأَيْتُ } ، هي رؤْيَةُ عَيْنٍ لمن صَدَّ من المنافقين مجاهَرَةً وتصريحاً ، وهي رؤيةُ قَلْبٍ لِمَنْ صَدَّ منهم مكْراً وتخابُثاً ومُسَارَقَةَ حتى لاَ يُعْلَمَ ذلك مِنْه إلا بالقرائِنِ الصَّادِرَةِ عنه . وقوله تعالى : { فَكَيْفَ إِذَا أَصَـٰبَتْهُمْ مُّصِيبَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ } ، قالت فرقة : هي في المنافقينَ الَّذين ٱحتَكَموا ؛ حَسْبَمَا تقدَّم ، فالمعنَىٰ : فكَيْفَ بهم إذا عاقَبَهُمُ اللَّه بهذه الذُّنوب بنِقْمَةٍ منه ، ثم حَلَفُوا ، إنْ أردْنَا بالاحتكامِ إلى الطَّاغُوتِ إلاَّ توفيقَ الحُكْمِ وتقريبَهُ . وقوله تعالى : { أُولَـٰئِكَ ٱلَّذِينَ يَعْلَمُ ٱللَّهُ مَا فِي قُلُوبِهِمْ } : تكذيبٌ لهم وتوعُّد ، أي : فهو سبحانَهُ مجازيهم ، فأَعْرِضْ عنهم ، وعظْهم بالتَّخْوِيفِ مِنْ عذابِ اللَّه وغيره من المَوَاعظ . وقوله سبحانه : { وَقُل لَّهُمْ فِي أَنفُسِهِمْ } . قال * ص * : أي : قل لهم خالياً بِهِمْ ؛ لأنَّ النُّصْح ، إذا كان في السِّرِّ ، كان أَنْجَحَ ، أو : قُلْ لهم في حال أنفُسِهِمُ النَّجِسَةِ المنطويةِ على النِّفاق قولاً يَبْلُغُ منهم الزَّجْر عن العَوْد إلَىٰ ما فَعَلوا . انتهى . واختلف في « القَوْلِ البَلِيغِ » ، فقيل : هو الزجْرُ والردْعُ والكَفُّ بالبَلاَغَةِ من القَوْل ، وقيل : هو التوعُّد بالقَتْل ، إن ٱستداموا حالة النِّفَاق ؛ قاله الحسن ، وهذا أبْلَغُ ما يكون في نُفُوسهم ، والبَلاَغَةُ مأخوذةٌ من بُلُوغ المراد بالقَوْل .