Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 4, Ayat: 65-68)
Tafsir: al-Ǧawāhir al-ḥisān fī tafsīr al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
وقوله تعالى : { فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىٰ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ … } الآية : قال الطبريُّ : قوله : « فَلاَ » : رَدٌّ علَىٰ ما تقدَّم ، تقديره : فلَيْسَ الأَمْرُ كما يَزْعُمُونَ أنهم آمنوا بما أُنْزِلَ إلَيْكِ ، ثم ٱستأْنَفَ القَسَمَ ، وقال غيره : إنما قَدَّم « لا » على القَسَم ؛ ٱهتماماً بالنهْي ، وإظهاراً لقوته ، قال ابنُ عطاءِ اللَّه في « التنوير » : وفي قوله سبحانه : { فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىٰ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ } : دلالةٌ علَىٰ أنَّ الإيمان الحقيقيَّ لا يحصُلُ إلا لمن حَكَّمَ اللَّهَ ورسولَهُ علَىٰ نَفْسه ، قولاً وفعلاً ، وأَخْذاً وتَرْكاً ، وحُبًّا وبُغْضاً ؛ فتبيَّن لك من هذا أنه لا تَحْصُلُ لك حقيقةُ الإيمانِ باللَّهِ إلاَّ بأمْرَيْنِ : الامتثالِ لأمْرِهِ ، والاستسلامِ لِقَهْرِهِ سبحانه . انتهى . و { شَجَرَ } : معناه ٱختلَطَ وَٱلْتَفَّ مِنْ أمورهم ، وهو مِنَ الشَّجَرِ ، شبه بٱلتفافِ الأغصان ، والحَرَجُ : الضِّيقُ والتكلُّف والمشقَّة ، قال مجاهد : حَرَجاً : شَكًّا . وقوله : { تَسْلِيماً } . مصدرٌ مؤكِّدٌ مُنْبِىءٌ عن التحقيقِ في التَّسْليمِ ؛ لأنَّ العرب إنَّما تردفُ الفعْلَ بالمصَدرِ ، إذا أرادَتْ أنَّ الفعْلَ وقَعَ حقيقةً ؛ كما قال تعالى : { وَكَلَّمَ ٱللَّهُ مُوسَىٰ تَكْلِيماً } [ النساء : 164 ] قال مجاهد وغيره : المرادُ بهذه الآية مَنْ تقدَّم ذكره ممَّن أراد التحاكُمَ إلى الطاغُوتِ ، وفيهِمْ نَزَلَتْ ، ورجَّح الطبريُّ هذا ؛ لأنه أشبه بنَسَقِ الآية ، وقالَتْ طائفة : نزَلَتْ في رَجُلٍ خَاصَمَ الزُّبَيْر ابْنَ العَوَّام في السَّقْيِ بماءِ الحَرَّةِ ؛ كما هو مذكورٌ في البخاريِّ وغيره ، وأنَّ الزُّبَيْر قالَ : فَمَا أَحْسِبُ أنَّ هذه الآيةَ نَزَلَتْ إلاَّ في ذلك . و { كَتَبْنَا } : معناه : فَرَضْنَا ، { أَنِ ٱقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ } : معناه : يَقْتُلُ بعضُكم بعضاً ، وقد تقدَّم نظيره في « البقرة » ، وسببُ الآية ، علَىٰ ما حُكيَ : أنَّ اليهود قالوا ؛ لَمَّا لم يَرْضَ المنافِقُ بحُكْم النبيِّ صلى الله عليه وسلم : مَا رأَيْنَا أَسْخَفَ مِنْ هؤلاءِ يُؤْمنونَ بمحمَّد ، ثم لا يرضَوْنَ بحُكْمه ، ونحنُ قَدْ أمرنا بقَتْلٍ أَنْفُسِنا ، ففَعَلْنا ، وبَلَغَ القَتْلُ فينا سَبْعِينَ أَلْفاً ، فقَالَ ثابتُ بْنُ قَيْسٍ : لَوْ كُتِبَ ذلك علَيْنا ، لَفَعَلْنَاه ، فنزلَتِ الآية مُعْلِمَةً بحالِ أولئكَ المُنَافِقِينَ ، وأنه لو كُتِبَ ذلك علَى الأمَّة ، لم يَفْعَلُوهُ ، وما كان يَفْعَلُه إلا قليلٌ مؤمنُونَ محقِّقون ؛ كَثَابِتٍ ، قُلْتُ : وفي « العتبية » ، عن مالكٍ ، عن أبي بَكْر ( رضي اللَّه عنه ) نحْوُ مقالَةِ ثابِتِ بْنِ قيسٍ ، قال ابْنُ رُشْدٍ : ولا شَكَّ أنَّ أبا بَكْرٍ مِنَ القليلِ الذي ٱسْتَثْنَى اللَّهُ تعالَىٰ في الآية ، فلا أحد أحقُّ بهذه الصِّفَة منه . انتهى . قال * ص * : { إِلاَّ قَلِيلٌ } : الجمهورُ بالرفْعِ ، على البَدَلِ من واو « فَعَلُوهُ » ؛ عند البصريِّين . انتهى . { وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُواْ مَا يُوعَظُونَ بِهِ } : لو أنَّ هؤلاءِ المنافِقِينَ ٱتَّعَظُوا وأَنَابُوا ، لكان خَيْراً لَهم و { تَثْبِيتاً } ، معناه : يقيناً وتصديقاً ، ونحو هذا ، أيْ : يثبِّتهم اللَّه . ثُمَّ ذكر تعالَىٰ ما كانَ يَمُنِّ به علَيْهم من تفضُّله بالأجر ، ووَصْفُهُ إياه بالعَظِيمِ مقتضٍ مَّا لا يُحْصِيه بَشَرٌ من النعيمِ المقيمِ ، والصِّرَاطُ المستقيمُ : الإيمانُ المؤدِّي إلى الجنَّة ، والمقصودُ تعديدُ ما كان يُنْعِمُ به عليهم سبحانه .