Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 4, Ayat: 95-96)
Tafsir: al-Ǧawāhir al-ḥisān fī tafsīr al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
وقوله تعالى : { لاَّ يَسْتَوِي ٱلْقَـٰعِدُونَ مِنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُوْلِي ٱلضَّرَرِ … } الآية : في قوله تعالَىٰ : { لاَ يَسْتَوِي } إبهامٌ على السَّامعِ ، وهو أبْلَغُ من تحديدِ المَنْزِلَةِ التي بَيْنَ المجاهد والقاعِدِ ، فالمتأمِّل يَمْشِي مع فِكْرته ، ولا يَزَالُ يتخيَّل الدرَجَاتِ بينهما ، والقاعدُونَ عبارةٌ عن المتخلِّفين . قلْتُ : وخرَّج أبو بَكْرِ بْنُ الخطيبِ بسنده ، عن عليِّ بن أبي طالبٍ ( رضي اللَّه عنه ) قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : " إنَّ فِي الجَنَّةِ شَجَرَةً تَخْرُجُ مِنْ أَعْلاَهَا الحُلَلُ ، ومِنْ أَسْفَلِهَا خَيْلٌ بُلْقٌ مِنْ ذَهَبٍ مُسَرَّجَةٌ مُلْجَمَةٌ بالدُّرِّ واليَاقُوت ، لاَ تَرُوثُ ، وَلاَ تَبُولُ ، ذَوَاتُ أَجْنِحَةٍ ، فَيَجْلِسُ عَلَيْهَا أَوْلِيَاءُ اللَّهِ ؛ فتطِيرُ بِهِمْ حَيْثُ شَاءُوا ، فَيَقُولُ الَّذِينَ أَسْفَلَ مِنْهُمْ : يأهْلَ الجَنَّة ، ناصِفُونا ، يا ربِّ ، ما بَلَّغَ هؤلاءِ هذه الكرامَةَ ؟ ! فَيَقُولُ اللَّه تعالَىٰ : إنهم كانُوا يَصُومُونَ ، وكُنْتُمْ تُفْطِرُونَ ، وَكَانُوا يقُومُونَ باللَّيْلِ وَكُنْتُمْ تَنَامُونَ ، وَكَانُوا يُنْفِقُونَ ، وَكُنْتُمْ تَبْخَلُونَ ، وَكَانُوا يُجَاهِدُونَ العَدُوَّ وَكُنْتُمْ تَجْبُنُونَ " انتهى . وقرأ ابن كثيرٍ وأبو عمرو وحمزة : « غَيْرُ » - بالرفع - صفةً للقاعدين ، وقرأ نافعٌ وغيره : « غَيْر » - بالنصب - ٱستثناءً من القاعدينَ ، ورُوِيَ من غيرِ مَا طَرِيقٍ ؛ أنَّ الآية نزلَتْ : « لاَ يَسْتَوِي القَاعِدُونَ مِنَ المُؤْمِنِينَ وَالمُجَاهِدُونَ » ، فجاء ابنُ أمِّ مكتومٍ ، حين سمعها ، فقال : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، هَلْ مِنْ رُخْصَةٍ ، فَإنِّي ضَرِيرُ البَصَرِ ، فَنَزَلَتْ عِنْدَ ذَلِكَ ؛ { غَيْرُ أُوْلِي ٱلضَّرَرِ } ، قَالَ الفَلَتَانُ بْنُ عَاصِمٍ ( رضي اللَّه عنه ) ؛ كُنَّا قُعُوداً عِنْدَ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم ، فأنزل علَيْه ، وكان إذَا أُوحِيَ إلَيْهِ ، دَامَ بَصَرُهُ مَفْتُوحَةً عَيْنَاهُ ، وفَرَّغَ سَمْعَهُ وَبَصَرَهُ لِمَا يَأْتِيهِ مِنَ اللَّهِ ، وَكُنَّا نَعْرِفُ ذَلِكَ فِي وَجْهِهِ ، قَالَ : فَلَمَّا فَرَغَ ، قَالَ لِلْكَاتِبِ : ٱكْتُبْ : « لاَ يَسْتَوِي القَاعِدُونَ مِنَ المُؤْمِنِينَ وَالمُجَاهِدُونَ … » إلَى آخر الآية ، قال : فقام الأعمَىٰ ، فقَاَل : يا رسُولَ اللَّهِ ، مَا ذَنْبُنَا ؟ قَالَ : فأنزلَ اللَّهُ علَىٰ رسولِهِ ، فقلْنا للأعْمَىٰ : إنه يَنْزِلُ عليه ، قال : فَخَافَ أنْ ينزلَ فيه شيْءٌ ، فبقيَ قائماً مكانَهُ ، يقولُ : أَتُوبُ إلَىٰ رسُولِ اللَّهِ ، حتَّىٰ فَرَغَ رسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ، فَقَالَ للكَاتِبِ : ٱكْتُبْ : { غَيْرُ أُوْلِي ٱلضَّرَرِ } ، وأهْلُ الضررِ : هم أهل الأعذار ، إذ قد أضرَّت بهم ؛ حتى منعتهم الجهَادَ ؛ قاله ابنُ عَبَّاس وغيره . وقوله تعالى : { بِأَمْوٰلِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ } ، هي الغايةُ في كمالِ الجهَاد ، قال ابن جُرَيْجٍ : الفَضْلُ بدرجةٍ هو على القَاعِدِينَ مِنْ أهْل العذر . قال * ع * : لأنهم مع المؤمنين بنيَّاتهم ؛ كما هو مذكورٌ في الحديثِ الصَّحيحِ . قال ابنُ جُرَيجٍ : والتفضيلُ بالأجْر العظيمِ والدرجاتِ هُوَ على القَاعِدِينَ مِنْ غَيْرِ عُذْر ، و { ٱلْحُسْنَىٰ } : الجنةُ التي وَعَدَهَا اللَّهُ المؤمِنِينَ ؛ وكذلك قال السُّدِّيُّ وغيره . وقال ابنُ مُحَيْرِيزٍ : الدرجاتُ : هي درجاتٌ في الجنَّةِ سَبْعُونَ ما بَيْنَ الدرجَتَيْنِ حُضْرُ الجَوَادِ المُضَمَّرِ سَبْعِينَ سَنَةً ، قُلْتُ : وفي « صحيح البُخاريِّ » ، عن أبي هريرةَ ، عن رسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ؛ أنه قَالَ : " إنَّ فِي الجَنَّةِ مِائَةَ دَرَجَةٍ أَعَدَّهَا اللَّهُ لِلْمُجَاهِدِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ، مَا بَيْنَ الدَّرَجَتَيْنِ كَمَا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالأرْضِ ، فَإذَا سَأَلْتُمُ اللَّهَ فَٱسْأَلُوهُ الفِرْدَوْسَ فَإنَّهُ أَوْسَطُ الجَنَّةِ ، وَأَعْلَى الجَنَّةِ ، وَفَوْقَهُ عَرْشُ الرَّحْمَنِ ؛ وَمِنْهُ تُفَجَّرُ أَنْهَارُ الجَنَّةِ " انتهى . وقال ابن زَيْدٍ : الدرجاتُ في الآيةِ هي السَّبْعُ المذكورةُ في « بَرَاءَةَ » في قوله تعالى : { ذٰلِكَ بِأَنَّهُمْ لاَ يُصِيبُهُمْ ظَمَأٌ وَلاَ نَصَبٌ } [ التوبة : 120 ] الآية . قال * ع * : ودرجاتُ الجهادِ ، لَوْ حُصِرَتْ ، أكْثَرُ من هذه ، لكنْ يَجْمَعُها بذْلُ النفْسِ ، والاعتمالُ بالبَدَنِ والمالِ في أنْ تكُونَ كَلمةُ اللَّهِ هي العُلْيَا ، ولا شَكَّ أنَّ بحَسَب مراتِبِ الأعمال ودرجاتِهَا تكُونُ مراتِبُ الجَنَّة ودرجاتُها ، فالأقوالُ كلُّها متقاربةٌ ، وباقي الآية وَعْدٌ كريمٌ وتأنيسٌ .