Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 42, Ayat: 52-53)

Tafsir: al-Ǧawāhir al-ḥisān fī tafsīr al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

وقوله تعالى : { وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحاً مِّنْ أَمْرِنَا … } الآية ، المعنى : وبهذه الطرق ، ومن هذا الجنس أوحينا إليك ، أي : بالرسول ، و « الرُّوحُ » في هذه الآية : القرآن آن وهدى الشريعة ، سَمَّاه رُوحاً من حيث يُحْيي به البَشَرَ والعَالَم ؛ كَما يُحْيِي الجسدَ بالروح ، فهذا على جهة التشبيه . وقوله تعالى : { مِّنْ أَمْرِنَا } أي : واحد من أُمورنا ، ويحتمل أَنْ يكون الأمر بمعنى الكلام ، { وَمِنْ } لابتداء الغاية . وقوله تعالى : { مَا كُنتَ تَدْرِى مَا ٱلْكِتَـٰبُ وَلاَ ٱلإِيمَـٰنُ } توقيفٌ علَىٰ مِقْدَارِ النعمةِ ، والضميرُ في { جَعَلْنَـٰهُ } عائدٌ على الكتابِ ، و { نَّهْدِى } بمعنى : نُرْشِدُ ، وقرأ جمهور الناس : « وإنَّكَ لَتَهْدِي » ـــ بفتح التاء وكسر الدال ـــ ، وقرأ حَوْشَبٌ : « لَتُهْدَىٰ » ـــ بضم التاء وفتح الدال ـــ ، وقرأ عاصم : « لَتُهْدِي » ـــ بضم التاء وكسر الدال ـــ . وقوله : { صِرٰطِ ٱللَّهِ } يعني : صراط شرع اللَّه ، ثم استفتح سبحانه القَوْلَ في الإخبار بصيرورة الأمور إليه سبحانه ؛ مبالغةً وتحقيقاً وتثبيتاً ، فقال : { أَلاَ إِلَى ٱللَّهِ تَصِيرُ ٱلاْمُورُ } قال الشيخُ العارفُ باللَّه أبو الحسن الشاذليُّ رحمه اللَّه : إنْ أردتَ أَنْ تغلب الشَّرَّ كُلَّه ، وتلحق الخيرَ كُلَّه ، ولا يَسْبِقَكَ سَابِق ، وإنْ عمل ما عمل ـــ فقل : يا مَنْ له الخَيْرُ كُلُّهُ ، أسألك الخيرَ كُلَّه ، وأعوذ بك من الشَّرِّ كُلِّه ، فإنَّك أنت اللَّه الغَنِيُّ الغفُورُ الرَّحِيم ، أَسْأَلُكَ بالهادِي محمد صلى الله عليه وسلم إلَىٰ صراطٍ مستقيمٍ ، صراطِ اللَّهِ الذي له ما في السَّمٰوَاتِ وما في الأرض ، أَلاَ إلى اللَّه تصيرُ الأمور ، اللَّهُمَّ ، إنِّي أَسْأَلُكَ مَغْفِرَةً تَشْرَحُ بها صَدْرِي ، وتَضَعُ بها وِزْرِي ، وترفعُ بها ذِكْرِي ، وتُيَسِّرَ بها أمري ، وتُنَزِّهَ بها فكري ، وتُقَدِّسَ بها سِرِّي ، وتكشفَ بها ضُرِّي ، وترفَعَ بها قَدْرِي ؛ إنَّك على كُلِّ شَيْءٍ قدير ، اهـــ . * قلت * : قوله تعالى : { مَا كُنتَ تَدْرِى مَا ٱلْكِتَـٰبُ } : هذا بَيِّنٌ ، وقوله : { وَلاَ ٱلإِيمَـٰنُ } : فيه تأويلات : قيل معناه : ولا شرائع الإيمان ومعالمَه ؛ قال أبو العالية : يعني : الدعوةَ إلى الإيمان ، وقال الحسين بن الفَضْل : يعني أهل الإيمان ، مَنْ يؤمن ومَنْ لا يؤمن ، وقال ابن خُزَيْمَةَ : الإيمان هنا الصلاة ؛ دليله : { وَمَا كَانَ ٱللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَـٰنَكُمْ } [ البقرة : 143 ] قال ابن أبي الجَعْدِ وغيره : احترق مُصْحَفٌ فلم يبقَ منه إلاَّ : { أَلاَ إِلَى ٱللَّهِ تَصِيرُ ٱلأُمُورُ } وغَرِقَ مصحفٌ فامحى كُلُّه إلاَّ قولَه : { أَلاَ إِلَى ٱللَّهِ تَصِيرُ ٱلأُمُورُ } نقله الثعلبيُّ وغيره ، انتهى . قال العبد الفقير إلى اللَّه تعالى ، عبدُ الرحمن بْنُ محمَّدِ بنِ مَخْلُوفٍ الثَّعَالِبيُّ ، لَطَفَ اللَّه به في الدَّارَيْنِ : قد يَسَّر اللَّهُ عَزَّ وجَلَّ في تحرير هذا المختَصَر ، وقد أودعتُهُ بحمد اللَّه جزيلاً من الدُّرُر ، قد استوعبتُ فيه بحمد اللَّه مُهِمَّاتِ ابْنِ عطيَّةَ ، وزدته فوائدَ جليلةً من غيره ، وليس الخَبَرُ كالْعِيَانِ ، تَوَخَّيْتُ فيه بحمد اللَّه الصَّوَاب ؛ وجعلته ذخيرةً عند اللَّه لِيَوْمِ المآبِ ، لا يَسْتَغْنِي عنه المُنْتَهِي ؛ وفيه كفايةٌ للْمُبَتِدي ، يستغني به عن المُطَوَّلاَت ؛ إذْ قد حَصَّل منها لُبَابَهَا ؛ وكَشَفَ عن الحقائقِ حِجَابَهَا . التَّعْرِيفُ بِرِحْلَةِ المُؤَلِّف رحلْتُ في طَلَبِ العِلْمِ في أواخر القَرْنِ الثَّامِنِ ، ودخلْتُ بِجَايَةَ في أوائل القرن التاسع ، فلقيتُ بها الأَئمةَ المُقْتَدَىٰ بهم ، أَصحابَ سيِّدِي عبد الرحمنِ الوغليسيِّ متوافرِين ، فحضَرْتُ مجالسَهُمْ ، وكانَتْ عُمْدَةُ قراءتي بها على سيدي [ علي بن ] عثمان المَانْجِلاَتِيِّ ـــ رحمه اللَّه ـــ بمَسْجِدِ عَيْنِ البَرْبَرِ ، ثم ارتحلْتُ إلى تُونُسَ ، فلقيت بها سيدي عيسى الغبريني والأُبِّيَّ ، والبرزليَّ ، وغيرهم ، وأخذْتُ عنهم ، ثم ارتحلْتُ إلى المشرق ، فلقيتُ بِمِصْرَ الشيْخَ وَلِيَّ الدِّينِ العِرَاقِي ، فأخذْتُ عنه علوماً جَمَّةً مُعْظَمُهَا عِلْمُ الحديث ، وفتح اللَّه لي فيه فتحاً عظيماً ، وكتب لي وأَجَازَنِي جميعَ ما حضَرْتُهُ عليه ، وأطلق في غيره ، ثم لقيتُ بمَكَّةَ بعض المحدِّثين ، ثم رجعتُ إلى الديار المصرية وإلى تُونُسَ ، وشاركْتُ مَنْ بها ، ولقيت بها شيخَنَا أبا عبد اللَّه محمَّدَ بْنَ مَرْزُوقٍ قادماً لإرادة الحَجِّ ، فأخذتُ عنه كثيراً ، وأجازني [ التدريسَ ] في أنواع الفُنُونِ الإسلاميَّةِ ، وحَرَّضَنِي على إتمام تقييدٍ وضعتُه على ابن الحاجِبِ الفرعيِّ . قلت : ولما فرغْتُ من تحرير هذا المختَصَرِ وافَقَ قدومَ شيخِنَا أبي عبد اللَّهِ محمد بن مرزوقٍ علينا في سَفْرَةٍ سافرها من تِلْمِسَانَ متوجِّهاً إلى تُونُسَ ، ليصلح بَيْنَ سلطانها وبين صَاحِبِ تِلْمِسَانَ ، فأوقفته على هذا الكتاب ، فنظر فيه وأمعن النظر ، فَسُرَّ به سروراً كثيراً ودعا لنا بخير ، واللَّه الموفِّق بفَضْلِه .