Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 48, Ayat: 29-29)

Tafsir: al-Ǧawāhir al-ḥisān fī tafsīr al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

وقوله تعالى : { مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ ٱللَّهِ } قال جمهور الناس : هو ابتداء وخبر ، استوفى فيه تعظيمَ منزلة النبي صلى الله عليه وسلم . وقوله : { وَٱلَّذِينَ مَعَهُ } ابتداء ، وخبره : { أَشِدَّاءُ } و { رُحَمَاءُ } خبر ثانٍ ، وهذا هو الراجح ؛ لأَنَّهُ خبر مضاد لقول الكفار : « لا تكتب مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ » ، { وَٱلَّذِينَ مَعَهُ } إشارة إلى جميع الصحابة عند الجمهور ، وحكى الثعلبيُّ عن ابن عباس أَنَّ الإشارة إلى مَنْ شَهِدَ الحديبية . * ت * : ووصف تعالى الصحابة بأَنَّهُمْ رحماء بينهم ، وقد جاءت أحاديثُ صحيحةٌ في تراحم المؤمنين ؛ حدثنا الشيخ وليُّ الدين العراقيُّ بسنده عن عبد اللَّه بن عمرو بن العاصي أَنَّ رسولَ اللَّه صلى الله عليه وسلم قال : " الرَّاحِمُونَ يَرْحَمُهُمُ الرَّحْمٰنُ ؛ ارْحَمُوا مَنْ في الأَرْضِ يَرْحَمْكُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ " وأخرج الترمذيُّ من طريق أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قال : " لاَ تُنْزَعُ الرَّحْمَةُ إلاَّ مِنْ [ قَلْبٍ ] شَقِيٍّ " وخَرَّجَ عن جرير بن عبد اللَّه قال : قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم : " مَنْ لاَ يَرْحَمِ النَّاسَ ، لاَ يَرْحَمْهُ اللَّهُ " قال أبو عيسى : هذا حديث حسن صحيح ، وهذا الحديث خَرَّجه مسلم عن جرير ، وخَرَّجَ مسلم أيضاً من طريق أبي هريرةَ : " مَنْ لاَ يَرْحَمْ لاَ يُرْحَمْ " انتهى ، وبالجملة : فأسباب الألفة والتراحم بين المؤمنين كثيرةٌ ، ولو بأَنْ تَلْقَى أخاك بوجه طَلْقٍ ، وكذلك بَذْلُ السلام وَطيِّبُ الكلام ، فالمُوَفَّقُ لا يحتقر من المعروف شيئاً ، وقد روى الترمذي الحكيم في كتاب « ختم الأولياء » له بسنده عن عمر بن الخطاب ـــ رضي اللَّه عنه ـــ قال : سمعتُ رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يقول : " إذَا الْتَقَى الْمُسْلِمَانِ كَان أَحَبَّهُمَا إلَى اللَّهِ سُبْحَانَهُ أَحْسَنُهُمَا بِشْراً بِصَاحِبِهِ " أوْ قَالَ : " أَكْثَرُهُمَا [ بِشْراً ] بِصَاحِبِهِ ، فَإذَا تَصَافَحَا ، أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْهِمَا مِائَةَ رَحْمَةٍ ، تِسْعُونَ مِنْهَا لِلَّذِي بَدَأَ ، وَعَشَرَةٌ لِلَّذِي صُوفِحَ " انتهى . وقوله : { تَرَاهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً } أي : ترى هاتين الحالتين كثيراً فيهم و { يَبْتَغُونَ } : معناه : يطلبون . وقوله سبحانه : { سِيمَـٰهُمْ فِى وُجُوهِهِمْ } قال مالك بن أنس : كانت جِبَاهُهُم مَتْرِبَةً من كثرة السجود في التراب ؛ وقاله عِكْرِمَةُ ، ونحوه لأبي العالية ، وقال ابن عباس وخالد الحنفي وعطية : هو وعد بحالهم يومَ القيامة من اللَّه تعالى ، يجعل لهم نوراً من أَثر السجود ، قال * ع * : كما يجعل غُرَّةً من أثر الوضوء ، حسبما هو في الحديث ، ويؤيد هذا التأويلَ اتصالُ القولِ بقوله : « فَضْلاً مِنَ اللَّهِ » وقال ابن عباس : السَّمْتُ الحَسَنُ هو السيما ، وهو خشوع يبدو على الوجه ، قال * ع * : وهذه حالةُ مُكْثِرِي الصلاةَ ؛ لأَنَّها تنهاهم عن الفحشاء والمنكر ، وقال الحسن بن أبي الحسن ، وشِمْرُ بن عَطِيَّةَ : « السيما » : بَيَاضٌ وصُفْرَةٌ وتَبْهِيجٌ يعتري الوجوهَ من السَّهَرِ ، وقال عطاء بن أبي رباح ، والربيع بن أنس : « السِّيمَا » : حُسْنٌ يعتري وُجُوهَ المُصَلِّينَ ، قال * ع * : ومن هذا الحديثُ الذي في « الشِّهاب » : " مَنْ كَثُرَتْ صَلاَتُهُ بِاللَّيْلِ حَسُنَ وَجْهُهُ بِالنَّهَارِ " قال * ع * : وهذا حديث غَلِطَ فيه ثابت بن موسى الزاهد ، سَمِعَ شَرِيكَ بنَ عبد اللَّه يقول : حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ عن أبي سفيانِ ، عن جابر ، ثم نزع شريك لما رأى ثابتاً الزاهد فقال يعنيه : مَنْ كَثُرَتْ صَلاَتُهُ بِاللَّيْلِ ، حَسُنَ وَجْهُهُ بِالنَّهَارِ ، فَظَنَّ ثابت أَنَّ هذا الكلام حديث متركِّب على السند المذكور ، فَحَدَّثَ به عن شريك . * ت * : واعلم أَنَّ اللَّه سبحانه جعل حُسْنَ الثناء علامةً على حسن عُقْبَى الدار ، والكون في الجنة مع الأبرار ، جاء بذلك صحيح الآثار عن النبي المختار ؛ ففي « صحيح البخاريِّ » « ومسلم » عن أنس قالَ : " مَرُّوا بِجَنَازَةٍ فَأَثْنَوْا عَلَيْهَا خَيْراً ، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم : وَجَبَتْ ، ثُمَّ مَرُّوا بِأُخْرَىٰ فَأَثْنَوْا عَلَيْهَا شَرًّا ، فَقَالَ : وَجَبَتْ ، فَقَالَ عُمَرُ : مَا وَجَبَتْ ؟ فَقَالَ : هَذا أَثْنَيْتُمْ عَلَيْهِ خَيْراً فَوَجَبَتْ لَهُ الجَنَّةُ ، وَهَذَا أَثْنَيْتُمْ عَلَيْهِ شَرًّا فَوَجَبَتْ لَهُ النَّارُ ، أَنْتُمْ شُهَدَاءُ اللَّهِ في الأَرْضِ " ، انتهى ، ونقل صاحب « الكوكب الدُّرِّيِّ » من مسند البَزَّارِ عنِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّه قال : " يُوشِكُ أَنْ تَعْرِفُوا أَهْلَ الجَنَّةِ مِنْ أَهْلِ النَّارِ ، فَقَالُوا : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، بِمَ ؟ قَالَ : بالثَّنَاءِ الحَسَنِ وَالثَّنَاءِ السَّيِّىءِ " ، انتهى ، ونقله صاحب كتاب « التشوُّف إلى رجال التصوُّف » وهو الشيخ الصالح أبو يعقوب يوسف بن يحيى التالي ، عن ابن أبي شيبةَ ، ولفظه : وخَرَّجَ أبو بكر بن أبي شيبةَ أَنَّهُ قال صلى الله عليه وسلم في خُطْبَتِهِ : " تُوشِكُوا أَنْ تَعْرِفُوا أَهْلَ الجَنَّةِ مِنْ أَهْلِ النَّارِ ، أَوْ قَالَ : خِيَارَكُمْ مِنْ شِرَارِكُمْ ، قَالُوا : بِمَ يَا رَسُولَ اللَّهِ ؟ قَالَ : بِالثَّنَاءِ الحَسَنِ ، وَبِالثَّنَاءِ السَّيِّىءِ ، أَنْتُمْ شُهَدَاءُ اللَّهِ بَعْضُكُمْ عَلَى بَعْضٍ " ومن كتاب « التشوُّف » قال : وخَرَّجَ البزَّارُ عن أنس قال : " قيل : يا رَسُولَ اللَّهِ ، مَنْ أَهْلُ الجَنَّةِ ؟ قال : مَنْ لاَ يَمُوتُ حَتَّىٰ تُمْلأَ مَسَامِعُهُ مِمَّا يُحِبُّهُ ، قِيلَ : فَمَنْ أَهْلُ النَّارِ ؟ قَالَ : مَنْ لاَ يَمُوتُ حَتَّى تُمْلأَ مَسَامِعُهُ مِمَّا يَكْرَهُ " قال : وخَرَّج البَزَّارُ عن أبي هريرةَ " أَنَّ رجلاً قال : يا رَسُولَ اللَّهِ ، دُلَّنِي عَلَى عَمَلٍ أَدْخُلُ بِهِ الجَنَّةَ ، قَالَ : لاَ تَغْضَبْ ، وَأَتَاهُ آخَرُ ، فَقَالَ : مَتَىٰ أَعْلَمُ أَنِّي مُحْسِنٌ ؟ قَالَ : إذَا قَالَ جِيرَانُكَ : إنَّكَ مُحْسِنٌ ، فَإنَّكَ مُحْسِنٌ ، وَإذَا قَالُوا : إنَّكَ مُسِيءٌ ، فَإنَّكَ مُسِيءٌ " انتهى ، ونقل القرطبي في « تذكرته » عن عبد اللَّه بن السائب قال : مَرَّتْ جنازةٌ بابن مسعود فقال لرجُلٍ : قُمْ فانظرْ أَمِنْ أهل الجنَّةِ هُوَ أَمْ مِنْ أَهْلِ النَّارِ ، فقال الرجل : ما يُدْرِينِي أمِنْ أهل الجنة هو أَمْ مِنْ أهل النار ؟ قال : انظر ما ثَنَاءُ الناسِ عليه ، فأنتم شهداءُ اللَّه في الأرض ، انتهى وباللَّه التوفيق ، وإياه نستعين . وقوله سبحانه : { ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِى ٱلتَّوْرَاةِ … } الآية : قال مجاهد وجماعة من المتأولين : المعنى : ذلك الوصف هو مَثَلُهُمْ في التوراة ومثلهم في الإنجيل ، وتم القول ، و { كَزَرْعٍ } ابتداءُ تمثيل ، وقال الطبريُّ وحكاه عن الضَّحَّاك : المعنى : ذلك الوصف هو مثلهم في التوراة ، وتَمَّ القولُ ، ثم ابتدأ { وَمَثَلُهُمْ فِى ٱلإِنجِيلِ كَزَرْعٍ } . * ت * : وقيل غير هذا ، وأبينها الأَوَّلُ ، وما عداه يفتقر إلى سند يقطع الشكِ . وقوله تعالى : { كَزَرْعٍ } على كل قول هو مَثَلٌ للنبيِّ ـــ عليه السلام ـــ وأصحابِهِ في أَنَّ النبي ـــ عليه السلام ـــ بُعِثَ وَحْدَهُ فكان كالزرع حَبَّةً واحدة ، ثم كَثُرَ المسلمون فهم كالشطء ، وهو فراخ السُّنْبُلَةِ التي تنبت حول الأصل ؛ يقال : أشطأتِ الشجرةُ : إذا أخرجت غُصُونَها ، وأشطأ الزرع : إذا أخرج شطأه ، وحكى النقاش عن ابن عباس أَنَّهُ قال : الزَّرْعُ : النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم ، { فَازَرَهُ } : عليُّ بن أبي طالب ، { فَٱسْتَغْلَظَ } بأبي بكر ، { فَٱسْتَوَىٰ عَلَىٰ سُوقِهِ } بعمر بن الخطاب . * ت * : وهذا لَيِّنُ الإسناد والمتن ، كما ترى ، واللَّه أعلم بِصِحَّتِهِ . وقوله تعالى : { فَازَرَهُ } له معنيان : أحدهما : ساواه طولاً . والثَّاني : أنَّ : « آزره » و « وَازَرَهُ » بِمعنى : أعانه وَقَوَّاهُ ؛ مأخوذٌ من الأَزَرِ ، وفَاعِلُ « آزر » يحتملُ أنْ يكون الشَّطْءَ ، ويحتمل أَنْ يكون الزَّرْعَ . وقوله تعالى : { لِيَغِيظَ بِهِمُ ٱلْكُفَّارَ } ابتداء كلام قبله محذوف ، تقديره : جعلهم اللَّه بهذه الصفة ؛ ليغيظ بهم الكفار ، قال الحسن : مِنْ غَيْظِ الكُفَّارِ قولُ عُمَرَ بِمَكَّةَ : لاَ يُعْبَدُ اللَّهُ سِرّاً بَعْدَ الْيَوْمِ . وقوله تعالى : { مِنْهُمْ } هي لبيان الجنس ، وليست للتبعيض ؛ لأَنَّه وعد مرجٍ للجميع .