Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 5, Ayat: 103-104)
Tafsir: al-Ǧawāhir al-ḥisān fī tafsīr al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
وقوله سبحانه : { مَا جَعَلَ ٱللَّهُ مِن بَحِيرَةٍ وَلاَ سَآئِبَةٍ وَلاَ وَصِيلَةٍ وَلاَ حَامٍ … } الآية : أي : لم يجعلْ سبحانه شيئاً مِنْ ذلك ، ولا سَنَّهُ لعباده ، المعنَىٰ : ولكن الكُفَّار فعلوا ذلك ؛ كعَمْرِو بْنِ لُحَيٍّ وغيره مِنْ رؤسائهم ؛ { يَفْتَرُونَ عَلَى ٱللَّهِ ٱلْكَذِبَ } ؛ بقولهم : هذه قربةٌ إلى اللَّهِ ، { وَأَكْثَرُهُمْ } ، يعني : الأتْبَاعَ { لاَ يَعْقِلُونَ } ، بل يتَّبِعون هذه الأمور تقليداً ، و { جَعَلَ } في هذه الآية : لا يتَّجه أنْ تكون بمعنى « خَلَقَ » ، ولا بمعنى « صَيَّرَ » ، وإنما هي بمعنى : « مَا سَنَّ ولا شَرَعَ » . قال * ص * : { مَّا جَعَلَ } : ذَهَبَ ابن عطيةَ والزمخشريُّ إلى أنها بمعنى : « شَرَعَ » ، قال ابن عطيَّة : ولا تكونُ بمعنى « خلق » ، لأن اللَّه تعالَىٰ خَلَقَ هذه الأشياء كلَّها ، ولا بمعنَىٰ « صيَّر » ؛ لعدم المفعولِ الثاني ، قال أبو حيَّان : ولم يذكر النحويُّون لها هذا ، وقد جاء حَذْفُ أحد مفعولَيْ « ظَنَّ » وأخواتِها قليلاً ، فتحمل هذه على حَذْفِ المفعولِ الثانيِ ، أي : ما صَيَّر اللَّه بحيرةً ولا سائبةً ولا وصيلةً ولا حامياً ــــ مشروعاً ، وهو أولَىٰ من إثبات معنًى لم يُسْمَعْ فيها ، وذكر أبو البقاء ؛ أنها هنا بمعنى « سَمَّى » انتهى . قُلْتُ : وحاصل كلامِ أبي حيَّان ؛ أنه شهادةٌ على نفْيٍ ، وعلى تقدير صحَّته ، فيحمل كلام ابن عطيَّة علَىٰ أنه تفسيرُ معنًى ، لا تفسير إعرابٍ . وبحيرة : فعليةٌ بمعنى مَفْعُولة ، وبَحَرَ : شَقَّ ، كانوا إذا نُتِجَتِ النَّاقَةُ عَشَرَةَ بُطُونٍ ، شَقُّوا أذنها بِنِصْفَيْن طُولاً ، فهي مَبْحُورة ، وتُرِكَتْ ترعَىٰ ، وتَرِدُ الماء ، ولا ينتفعُ بشيء منْها ، ويحرَّمُ لحْمُها ؛ إذا ماتَتْ على النساء ، ويُحلَّلُ للرِّجَال ؛ وذلك كلُّه ضلالٌ ، والسائبة : هي الناقة تسيَّب للآلهة ، والناقةُ أيضاً إذا تابَعَتْ ثِنْتَيْ عَشْرَةَ إناثاً ليس فيهِنَّ ذكَرٌ ، سُيِّبَتْ ، وكانت السوائبُ أيضاً في العرب ؛ كالقُرْبة عند المرَضِ يُبْرَأُ منه ، والقُدُوم من السفرِ ، وإذا نزل بأحدهم أمْرٌ يُشْكَرُ اللَّه تعالَىٰ عليه ، تقرَّب بأنْ يسيِّب ناقةً ، فلا ينتفعُ منها بِلَبَنٍ ، ولا ظَهْر ، ولا غَيْره ، يَروْنَ ذلك كعِتْقَ بني آدمَ ؛ ذكَره السُّدِّيُّ وغيره ، وكانَتِ العربُ تعتقدُ أنَّ مَنْ عَرَضَ لهذه النوقِ ، فأخذها أو ٱنتفع منْهَا بشيْءٍ ، فإنه تلحقه عُقُوبةٌ مِنَ اللَّه ، والوصيلةُ : قال أكثر النَّاس : إن الوصيلَةَ في الغَنَمِ ، قالوا إذا وَلَدتِ الشاة ثلاثةَ بُطونٍ ، أو خمسةً ، فإن كان آخرها جَدْياً ، ذبحوه لِبَيْت الآلهة ، وإن كان عَنَاقاً ، ٱستحْيَوْها ، وإن كان جَدْيٌ وعَنَاقٌ ، ٱستحْيَوْهُما ، وقالوا : هذه العَنَاقُ وَصَلَتْ أخاهَا ، فمنعتْهُ مِنْ أنْ يُذْبَحَ ، وعلى أن الوَصِيلة في الغَنَم ، جاءت الرِّوايات عن أكثر الناس ، وروي عَنِ ابن المسيَّب ؛ أن الوصيلة مِنَ الإبل ، وأما الحامِي ؛ فإنه الفَحْل من الإبل ، إذا ضَرَبَ في الإبل عشر سنين ، وقيل : إذا وُلِدَ من صُلْبه عَشْرٌ ، وقيل : إذا وُلِدَ مِن وَلَدِ ولده ، قالوا : حَمَىٰ ظهره ، فسيَّبوه ، لا يركب ، ولا يسخَّر في شيء ، وعبارةُ الفَخْر : وقيل : الحامِي : الفَحْلُ ؛ إذا رَكِبَ وَلَدُ وَلَدِهِ . انتهى ، قلتُ : والذي في « البخاريِّ » : والحامِ : فحلُ الإبلِ يَضْرِب الضِّرَابَ المعدُودَ ، وإذا قَضَىٰ ضِرَابه ، وَدَعُوهُ للطَّواغيتِ ، وأعْفَوْه من الحمل ، فلم يُحْمَلْ شيءٌ عليه ، وسمَّوْه الحامِيَ . انتهى . وقوله سبحانه : { وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ } ، يعني : لهؤلاءِ الكفار المستنِّينَ بهذه الأشياء : { تَعَالَوْاْ إِلَىٰ مَا أَنزَلَ ٱللَّهُ } ، يعني : القرآن الذي فيه التحريمُ الصحيحُ ، { قَالُواْ حَسْبُنَا } ، معناه : كَفَانَا .