Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 5, Ayat: 116-118)

Tafsir: al-Ǧawāhir al-ḥisān fī tafsīr al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

وقوله سبحانه : { وَإِذْ قَالَ ٱللَّهُ يٰعِيسَى ٱبْنَ مَرْيَمَ ءأَنْتَ قُلتَ لِلنَّاسِ ٱتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَـٰهَيْنِ مِن دُونِ ٱللَّهِ … } الآية : اختلف المفسِّرون في وَقْت وقوعِ هذا القَوْل ، فقال السدي وغيره : لما رفَع اللَّه عيسَىٰ إلى السماء ، قالَتِ النَّصَارَىٰ ما قالَتْ ، وزعموا أن عيسَىٰ أمرهم بذلك ، فسأله تعالَىٰ عَنْ قولهم ، فقال : { سُبْحَـٰنَكَ … } الآية ، ويجيء على هذا قولُهُ : { وَإِن تَغْفِرْ لَهُمْ } ، أي : في التوبة مِنَ الكُفْر ؛ لأن هذا قاله ، وهم أحياء في الدنيا ، وقال ابن عباس ، وجمهورُ النَّاس : هذا القولُ مِنَ اللَّه إنما هو يَوْمَ القيامة يقوله اللَّه له علَىٰ رءوس الخلائقِ ، فَيَرَى الكفَّار تبرِّيَهُ منهم ، ويعلَمُون أنَّ ما كانوا فيه باطلٌ ، فـ { قَالَ } ؛ عَلَىٰ هذا التأويلِ بمعنى : « يَقُولُ » ؛ ونُزِّل الماضِي موضِعَ المستقبلِ ؛ لدلالته علَىٰ كون الأمر وثبوته ، وقولُه آخِراً : { وَإِن تَغْفِرْ لَهُمْ } : معناه : إن عذَّبَتْ العالَمَ كلَّه ، فبحقِّك ، فهم عبادُكَ تصنعُ بحَقِّ المُلْكِ ما شِئْت ؛ لا ٱعتراض علَيْك ، وإن غفَرْتَ وسبَقَ ذلك في عِلْمك ؛ فلأنك أهْلٌ لذلك ؛ لا معقِّب لحكمك ، ولا مُنَازَعَ لك ، فيقولُ عيسَىٰ هذا علَىٰ جهة التسليمِ والتعزِّي عنهم ، مع علمه بأنهم كَفَرةٌ قد حُتِمَ عليهم العذابُ ، وهذا القولُ عنْدِي أَرجَحُ ؛ ويتقوَّى بما يأتي بعدُ ، وهو قوله سبحانه : { هَـٰذَا يَوْمُ يَنفَعُ ٱلصَّـٰدِقِينَ صِدْقُهُمْ } [ المائدة : 119 ] . وقوله : { سُبْحَـٰنَكَ } ، أي : تنزيهاً لك عَنْ أن يقال هذا ، ويُنْطَقَ به ؛ { مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ } ، أي : ما يكون لبَشَرٍ مُحْدَثٍ أنْ يَدَّعِيَ الألوهية ، ثم قال : { إِن كُنتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ } لأنك أحطت بكلِّ شيء علماً , وأحصيتَ كلَّ شيء عدداً , فوفَّق اللَّه عيسى لهذه الحُجَّة البالغةِ , وقوله { تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي } ، خصَّ النفْسَ بالذكْرِ ؛ لأنها مَظِنَّةُ الكَتْم والانطواءِ على المعلومات . والمعنى : أن اللَّه ـــ سبحانه ـــ يعلم ما في نَفْسِ عيسى ، ويعلم كل أَمْرِهِ مما عسى ألا يكون في نفسه . وقوله : { وَلاَ أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ } : معناه : ولا أعلم ما عندك من المعلومات ، وما أحَطْتَ به ، وذكْر « النفْس » هنا مقابلةٌ لَفْظِيَّةٌ ، في اللسان العربي ؛ يقتضيها الإيجَازُ ؛ وهذا ينظر من طَرْفٍ خَفِيٍّ إلى قوله تعالى : { وَمَكَرُواْ وَمَكَرَ ٱللَّهُ } [ آل عمران : 54 ] ؛ و { ٱللَّهُ يَسْتَهْزِىء بِهِمْ } [ البقرة : 15 ] فتسمية العُقُوبَةِ باسم الذَّنْبِ إنما قاد إليها طَلَبُ المُقَابَلَةِ اللفظية ، إذ هي من فَصِيحِ الكلام ، وبَارِعِ العبارة . ثم أقر عيسى عليه السلام للَّه تعالى ؛ بأنه سبحانه عَلاَّمُ الغيوب ، أي : ولا عِلْمَ لي أنا بغيب . وقوله : { فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي } : أي : قبضتني بالرَّفْعِ ، والتصييرِ في السَّمَاءِ ، و { الرَّقِيبَ } : الحافظ المراعي . وقوله : { فَإِنَّكَ أَنتَ ٱلْعَزِيزُ } : أي : في قدرتك ، { ٱلْحَكِيمُ } في أفعالك . والمعنى : إن يكن لك في النَّاسِ مُعَذَّبُونَ ، فهم عبادك ، وإن يكن مغفور لهم ، فَعزَّتُكَ وحكمتك تَقْتَضِي هذا كله .