Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 5, Ayat: 6-6)
Tafsir: al-Ǧawāhir al-ḥisān fī tafsīr al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
وقوله تعالى : { يَـٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ إِذَا قُمْتُمْ إِلَى ٱلصَّلوٰةِ فَٱغْسِلُواْ وُجُوهَكُمْ … } الآية : قال ابن العَرَبِيِّ : في « أحكامه » : لا خِلاَفَ بَيْن العلماءِ أنَّ هذه الآيةَ مَدَنِيَّةٌ ؛ كما أنه لا خِلاَفَ أنَّ الوضوء كانَ مَعْقُولاً قَبْلَ نزولها غَيْرَ مَتْلُوٍّ ؛ ولذلك قال علماؤُنا : إنَّ الوُضُوءَ كان بمكَّة سُنَّةً ، ومعناه : كان مفْعولاً بالسُّنَّة ، وقوله : { إِذَا قُمْتُمْ } : معناه : إذا أردتُّمُ القِيَامَ إلى الصلاة . انتهى . قال زيدُ بْنُ أَسْلَمَ والسُّدِّيُّ : معنى الآية : إذا قمتُمْ من المضاجِعِ ، يعني النَّوْمَ ، والقصْدُ بهذا التأويلِ أنْ يعمَّ الأحداث بالذِّكْر ، وفي الآية علَىٰ هذا التأويلِ تقديمٌ وتأْخيرٌ ، تقديره : يا أيها الذين آمنوا إذا قمتم إلى الصلاة من النومِ ، أو جاء أَحدٌ منكم من الغائِطِ ، أو لامَسْتُمُ النِّساء ، يعني : الملامسة الصغْرَىٰ فٱغسلوا ، وهنا تمَّتْ أحكامُ الحَدَثِ الأَصْغَرِ ، ثم قال : { وَإِن كُنتُمْ جُنُباً فَٱطَّهَّرُواْ } ، فهذا حُكْم نوعٍ آخر ، ثم قال للنوعين جميعاً : { وَإِنْ كُنتُم مَّرْضَىٰ أَوْ عَلَىٰ سَفَرٍ … فَلَمْ تَجِدُواْ مَاء فَتَيَمَّمُواْ صَعِيداً طَيِّباً } ، وقال بهذا التأويل محمَّد بْنُ مَسْلمة مِنْ أصحاب مالكٍ وغيره . وقال جمهورُ أهْلِ العِلْمِ : معنى الآيةِ : إذا قمتم إلى الصلاةِ مُحْدِثِينَ ، وليس في الآيةِ علَىٰ هذا تقديمٌ ولا تأْخيرٌ ، بل ترتَّب في الآية حُكْمُ واجِدِ المَاءِ إلى قوله : { فَٱطَّهَّرُواْ } ، ودخلَتِ الملامسةُ الصغْرَىٰ في قولنا : « مُحْدِثِينَ » ، ثم ذكَرَ بعد ذلك بقوله : { وَإِنْ كُنتُم مَّرْضَىٰ … } إلى آخر الآية حُكْمَ عادمِ الماءِ مِنَ النوعَيْنِ جميعاً ، وكانت الملامسةُ هي الجماعَ . وقال * ص * : { إِذَا قُمْتُمْ } أي : إذا أردتُّم ، وعبَّر بالقيامِ عن إرادَتِهِ ؛ لأنه مُسَبَّبٌ عنها . انتهى . ومِنْ أحسن الأحادِيثِ وأصحِّها في فَضْل الطهارةِ والصَّلاة : ما رواه مالكٌ في « الموطَّإ » ، عن العَلاءِ بْنِ عَبْدِ الرحمن ، عن أبِيهِ ، عن أبي هريرة ؛ أنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ : " أَلاَ أُخْبِرَكُمْ بِمَا يَمْحُو اللَّهُ بِهِ الخَطَايَا ، وَيَرْفَعُ بِهِ الدَّرَجَاتِ : إسْبَاغُ الوُضُوءِ عِنْدَ المَكَارِهِ ، وَكَثْرَةُ الخُطَا إلَى المَسَاجِدِ ، وَٱنْتِظَارُ الصَّلاَةِ بَعْدَ الصَّلاَةِ ، فَذَلِكُمُ الرِّبَاطُ ، فَذَلِكُمُ الرِّبَاطُ ، فَذَلِكُمُ الرِّبَاطُ " قال أبو عمر في « التمهيد » : هذا الحديثُ مِنْ أَحْسَنِ ما رُوِيَ عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم في فضائِلِ الأعمالِ . قال صاحبُ « كتاب العَيْنِ » : الرِّبَاطُ : ملازمةُ الثُّغُور ، قال : والرِّبَاطُ مواظبةُ الصلاةِ أَيضاً انتهى . والغُسْلُ ، في اللغة : إيجادُ المَاء في المَغْسُول ، مع إمرار شَيْء علَيْه كاليَدِ ، والوَجْه ما وَاجَهَ النَّاظر وقابله ، والنَّاس كلُّهم علَىٰ أنَّ داخل العينَيْنِ لا يلْزَمُ غسله إلا ما رُوِيَ عنِ ابْنِ عُمَرَ ؛ أنه كان يَنْضَحُ الماءَ في عَيْنَيْهِ . واليَدُ لغةً تَقَعُ على العُضْوِ من المَنْكِبِ إلَى أطرافِ الأصابِعِ ، وحَدَّ اللَّه سبحانه مَوضِعَ الغُسْلِ منه ؛ بقوله : { إِلَى ٱلْمَرَافِقِ } . واختلف العلماءُ ، هل تدخُلُ المرافِقُ في الغُسْلِ أم لاَ ، وتحريرُ العبارةِ في هذا المعنَىٰ : أنْ يقَالُ : إذا كان مَا بَعْد إلى لَيْسَ مما قَبْلَهَا ، فالحَدُّ أولُ المذكورِ بعدها ، وإذا كان ما بَعْدَها مِنْ جملة ما قَبْلَهَا ، فالاحتياطُ يُعْطِي أنَّ الحدَّ آخر المذكور بَعْدَها ؛ ولذلك يترجَّح دخولُ المرفَقَيْنِ في الغُسْل ، والروايتان عن مالكٍ ، قال ابنُ العَرَبِيِّ في « أحكامه » ، وقد رَوَى الدارقطنيُّ وغيره عن جابرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ : أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم ، لَمَّا تَوَضَّأَ أَدَارَ المَاءَ عَلَىٰ مِرْفَقَيْهِ . انتهى . واختلفَ في رَدِّ اليدَيْنِ في مَسْح الرَّأْسِ ، هل هو فرضٌ أوْ سُنَّة ، بعد الإجماع على أنَّ المَسْحَةَ الأَولَىٰ فَرْضٌ ، فالجمهورُ علَىٰ أنَّه سُنَّة . وقيل : هو فرضٌ ، والإجماع على استحسَانِ مَسْحِ الرأس باليَدَيْنِ جمِيعاً ، وعلى الإجزاء بواحدةٍ ، واختُلِفَ فِيمَنْ مَسَحَ بأُصْبُعٍ واحدةٍ ، والمشهورُ الإجزاءُ ؛ ويترجَّح عدم الإجزاءِ ؛ لأنه خروجٌ عن سُنَّة المَسْح ، وكأنه لَعِبٌ إلاَّ أَنْ يكونَ ذلك عن ضَرَرِ مرضٍ ونحوه ، فينبغي ألاَّ يُخْتَلَفَ في الإجزاء . والبَاءُ في قوله تعالَىٰ : { بِرُؤُوسِكُمْ } مؤكِّدة زائدةٌ عند مَنْ يَرَىٰ عموم الرأس ، والمعنى عنده : وامسحوا رؤوسكم ، وهي للإلصاق المحض عند من يرى إجزاء بعض الرأْسِ ؛ كأنَّ المعنى : أوجِدُوا مَسْحاً برؤوسكم ، فمَنْ مَسَح ، ولو شعرةً فقد فَعَلَ ذلك . * ت * : قال ابنُ العَرَبِيِّ في « أحكامه » : وقد ثَبَتَ عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم في صِفَةِ مَسْحِ الرأسِ ؛ " أَنه أَقْبَلَ بِيَدِهِ ، وَأَدْبَرَ ، بَدَأَ بِمُقَدَّمِ رَأْسِهِ ، ثُمَّ ذَهَبَ بِهِمَا إلَىٰ قَفَاهُ ، ثُمَّ رَدَّهُمَا إلَى المَكَانِ الَّذِي بَدَأَ مِنْهُ " ، وفي البخاريِّ : " فَأَدْبَرَ بِهِمَا ، وَأَقْبَلَ " ، وَهُمَا صحيحانِ متوافِقَانِ ، وهي مسألةٌ من « أصول الفقْهِ » ؛ في تسمية الفعْلِ بٱبتدائِهِ أو بغايته . انتهى . وقرأ حمزة وغيره : « وَأَرْجُلِكُمْ » ـــ بالخفض ـــ ، وقرأ نافع وغيره بالنَّصْب ، والعاملُ : « ٱغْسِلُوا » ، ومن قرأ بالخفْضِ ، جعل العامِلَ أقْرَبَ العامِلَيْنِ ، وجمهورُ الأَمَّة من الصحابة والتابعِينَ علَىٰ أنَّ الفَرْضَ في الرجْلَيْن الغَسْلُ ، وأنَّ المَسْح لا يجزىءُ ، وفي الصحيح : " وَيْلٌ لِلأَعْقَابِ من النَّار " إذ رأَىٰ صلى الله عليه وسلم أعقابَهُمْ تلُوحُ ، قال ابن العربِيِّ في « القَبَس » : ومَنْ قرأ « وَأَرْجُلِكُمْ » ـــ بالخَفْض ـــ ، فإنه أراد المَسْح على الخُفَّيْن ؛ وهو أحد التأويلاتِ في الآية . انتهى ، وهذا هو الذي صحَّحه في « أحْكَامِهِ » . والكلامُ في قوله : { إِلَى ٱلْكَعْبَينِ } كما تقدَّم في قوله : { إِلَى ٱلْمَرَافِقِ } ، وفي « صحيح مسلم » وغيره عن عُقْبَة بْنِ عامر ، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ : " مَا مِنْ مُسْلِمٍ يتوضَّأُ ، فَيُحْسِنُ وُضُوءَهُ ، ثِمَّ يَقُومُ ، فَيُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ مُقْبِلاً عَلَيْهِمَا بِقَلْبِهِ وَوَجْهِهِ ، إلاَّ وَجَبَتْ لَهُ الجَنَّة " ، فَقُلْتُ : مَا أَجْوَدُ هذِهِ ؟ فَقَالَ عُمَرُ : الَّتِي قَبْلَهَا أَجْوَدُ ، قَالَ : " مَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ يَتَوَضَّأُ فَيُسْبِغُ الوُضُوءَ ، ثُمَّ يَقُولُ : أَشْهَدُ أَنْ لاَ إلَهَ إلاَّ اللَّهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ إلاَّ فُتِحَتْ لَهُ أَبْوَابُ الجَنَّةِ الثَّمَانِيَةُ ، يَدْخُلُ مِنْ أيِّهَا شَاءَ " ، وأخرجه الترمذيُّ من حديثِ أَبِي إدْرِيسَ الخَوْلاَنِيِّ ، عن عمر ، زاد في آخره : " اللَّهُمَّ ، ٱجْعَلْنِي مِنَ التَّوَّابِينَ ، وَٱجْعَلْنِي مِنَ المُتَطَهِّرِينَ " انتهى مختصراً . واختلَفَ اللغويُّونَ في { ٱلْكَعْبَينِ } . والجمهورُ علَىٰ أنهما العَظْمَانِ الناتِئَانِ في جَنَبَتَيِ الرجلِ . وألفاظُ الآيةِ تقتضِي المُوَالاَةَ بَيْن الأعضاء ، قال مالك : هو فرضٌ مع الذِّكْر ، ساقِطٌ مع النِّسْيان ، وروى الدَّارَقُطْنِيُّ في سُنَنِهِ : " مَنْ تَوَضَّأَ ، فَذَكَرَ اسْمَ اللَّهِ عَلَىٰ وُضُوئِهِ ، كَانَ طُهُوراً لِجَسَدِهِ ، وَمَنْ تَوَضَّأَ ، وَلَمْ يَذْكُرِ ٱسْمَ اللَّهِ عَلَىٰ وُضُوئِهِ كَانَ طُهُوراً لأعْضَائِهِ " انتهى من « الكوكب الدري » . وكذلك تتضمَّن ألفاظ الآيةِ الترتيبَ ، و { ٱطَّهَّرُوا } أمُرٌ لواجدِ المَاءِ عنْدَ الجمهورِ ، وقال عمرُ بْنُ الخطَّاب وغيره : لا يتيمَّمِ الجُنُبُ ألبتَّة ، بل يدع الصلاةَ حَتَّىٰ يجد الماء . وقوله سبحانه : { مَا يُرِيدُ ٱللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُم مِّنْ حَرَجٍ … } الآية : الإرادة صفَةُ ذاتٍ ، وجاء الفعْلُ مستقبلاً ؛ مراعاةً للحوادِثِ التي تَظْهَرُ عن الإرادة ، والحَرَجُ : الضِّيق ، والحرجة : الشَّجرُ الملْتَفُّ المتضايقُ ، ويَجْرِي مع معنَىٰ هذه الآية قولُ النبيِّ صلى الله عليه وسلم : " دِينُ اللَّهِ يُسْرٌ " ، وقوله ـــ عليه السلام ـــ : " بُعِثْتُ بِالحَنِيفِيَّةِ السَّمْحَةِ " ، وجاء لَفْظُ الآية على العُمُومِ ، والشَّيْءُ المذكُورُ بقُرْبٍ هو أمر التيمُّمِ ، والرُّخْصَة فيه ، وزوالُ الحَرَجِ في تحمُّل الماءِ أبداً ؛ ولذلك قال أُسَيْدٌ : « مَا هِيَ بِأَوَّلِ بَرَكَتِكُمْ يَا آلَ أَبِي بَكْرٍ » . وقوله سبحانه : { وَلَـٰكِن يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ … } الآية : إعلامٌ بما لا يُوَازَىٰ بشُكْرٍ مِنْ عظيمِ تفضُّله تبارك وتعالى ، و { لَعَلَّكُمْ } : ترَجٍّ في حقِّ البَشَرِ ، وفي الحديثِ الصحيحِ عن أبِي مالك الأشعريِّ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : " الطُّهُورُ شَطْرُ الإِيمَانِ ، والحَمْدُ لِلَّهِ تَمْلأُ الْمِيزَانَ ، وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَالحَمْدُ لِلَّهِ تَمْلأنِ ، أَوْ تَمْلأ مَا بَيْنَ السَّمَوَاتِ وَالأرْضِ ، وَالصَّلاَةُ نورٌ ، وَالصَّدَقَةُ بُرْهَانٌ ، وَالصَّبْرُ ضِيَاءٌ ، والقُرْآنُ حُجَّةٌ لَكَ أَوْ عَلَيْكَ ، كُلُّ النَّاسِ يَغْدُو ، فَبَائِعٌ نَفْسَهُ ، فَمُعْتِقُهَا أَوْ مُوبِقُهَا " ، رواه مُسْلِم ، والترمذيُّ ، وفي روايةٍ له : " التَّسْبِيحُ نِصْفُ الْمِيزَانِ ، وَالحَمْدُ لِلَّهِ تَمْلأهُ ، وَالتَّكْبِيرُ يَمْلأ مَا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالأرْضِ ، وَالصَّوْمُ نِصْفُ الصَّبْرِ " ، وزاد في رواية أخرَىٰ : " وَلاَ إلَهَ إلاَّ اللَّهُ لَيْسَ لَهَا دُونَ اللَّهِ حِجَابٌ ؛ حَتَّىٰ تَخْلُصَ إلَيْهِ " انتهى .