Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 62, Ayat: 9-11)

Tafsir: al-Ǧawāhir al-ḥisān fī tafsīr al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

وقوله سبحانه : { يَٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ إِذَا نُودِىَ لِلصَّلَٰوةِ } الآية ، النداءُ : هو الأذانُ ، وكان على الجِدَارِ في مسجدِ رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم ، وفي مصنف أبي داودَ : كَانَ بَيْنَ يَدَي النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وهو عَلى المنبر أذَانُ ، ثم زادَ عثمانُ النداءَ عَلَى الزوراء ليسمعَ الناسُ . * ت * : وفي البخاريّ والترمذيِّ وصححه عن السائبِ بن يزيد قَالَ : كَانَ النداءُ يومَ الجمعةِ أوَّلُه إذا جَلَسَ الإمام على المنبر ؛ على عهد النبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكرٍ وعمرَ ، فلما تَوَلَّى عثمانُ وكثرَ الناسُ ، زَادَ الأذَانَ الثالثَ فأَذَّنَ به على الزَّورَاءِ ، فَثَبَتَ الأَمْرُ على ذلك ، قِيل : فقوله « الثالثَ » يَقْتَضِي أنَّهمُ كَانُوا ثلاثةً ، وفي طريقٍ آخرَ « الثاني » بدَلَ « الثالث » وهو يَقْتَضِي أَنَّهُمَا اثنانِ ، انتهى ، وخرَّجَ مسلم عن أبي هريرةَ عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " مَنِ ٱغْتَسَلَ ، ثمَّ أَتَى الجُمُعَةَ ، فَصَلَّىٰ مَا قُدِّرَ لَهُ ، ثم أَنْصَتَ لِلإمَامِ حَتَّىٰ يَفْرُغَ مِنْ خُطْبَتِهِ ، ثُمَّ يُصَلِّي مَعَهُ غُفِرَ لَهُ مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الجُمُعَةِ الأُخْرَىٰ ، وَفَضَلُ ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ " انتهى ، وخرَّجَهُ البخاريُّ من طريقِ سُلَيْمَان . وقوله : { مِن يَوْمِ ٱلْجُمُعَةِ } قال ابن هشام : « من » مرادفةِ « في » ، انتهى . وقوله تعالى : { فَٱسْعَوْاْ إِلَىٰ ذِكْرِ ٱللَّهِ … } الآية ، السعِيُ في الآيةِ لاَ يُرَادُ به الإسْرَاعُ في المشي ، وإنما هو بمعنى قوله : { وَأَن لَّيْسَ لِلإِنسَـٰنِ إِلاَّ مَا سَعَىٰ } [ النجم : 39 ] فالسَّعْيُ هو بالنِّيةِ والإرَادَةِ والعَمَلِ ؛ مِنْ وُضُوءٍ ، وغُسْلٍ ، وَمَشْيٍ ، ولُبْسِ ثوبٍ ؛ كُلُّ ذلكَ سَعْيٌ ، وَقَدْ قَالَ مالكٌ وغيره : إنما تُؤْتَى الصلاةُ بالسَّكِينَةِ ، * ت * : وهو نصُّ الحديثِ الصحيحِ ، وهُوَ قوله صلى الله عليه وسلم في الصلاة : " فَلاَ تَأْتُوهَا وَأَنْتُمْ تَسْعَوْنَ وَأْتُوهَا [ و ] عَلَيْكُمُ السَّكِينَةُ " ، * ت * : والظاهرُ أنَّ المرادَ بالسعيِ هُنا المُضِيُّ إلى الجمعةِ ، كما فسَّره الثعلبيُّ ، ويدلُّ على ذلكَ إطلاقُ العلماءِ لفظَ الوجوبِ عَلَيْهِ ، فيقولونَ السَّعْيُ إلَى الجمعةِ واجبٌ ، ويدلُّ عَلَى ذلك قراءةُ عمرَ وعليٍّ وابنِ مسعودٍ وابن عمر وابنِ عباس وابن الزبير وجماعة من التابعين : « فَامْضُوا إلَى ذِكْرِ اللَّهِ » وقال ابن مسعود : لَوْ قَرَأْتُ : { فَٱسْعَوْاْ إِلَىٰ ذِكْرِ ٱللَّهِ } لأَسْرَعْتُ حَتَّى يَقَع رِدَائي ، وقال العِرَاقِيُّ : { فَٱسْعَوْاْ } معناه بَادِروا ، انتهى ، وقوله : { إِلَىٰ ذِكْرِ ٱللَّهِ } هو وعظُ الخطبةِ ؛ قاله ابن المسيب ، ويؤيدُه قوله صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح : " إذَا كَانَ يومُ الجمعةِ ، كَانَ عَلَىٰ كُلِّ بَابٍ مِنْ أَبْوَابِ المَسْجِدِ مَلاَئِكَةٌ يَكْتُبُونَ الأَوَّلَ فالأَوَّلَ ، فَإذَا جَلَسَ [ الإمَامُ ] طَوُوُا الصُّحُفَ ، وجَاؤُوا يَسْتَمِعُونَ الذِّكْرَ " الحديثُ خَرَّجَهُ البخاريُّ ومسلم ، واللفظُ لمسلمٍ ، والخُطْبَةُ عِنْدَ الجمهورِ شَرْطٌ في انعقادِ الجمعةِ ، وعن أبي موسى الأشعري أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قَالَ : " إنَّ اللَّهَ ـــ عزَّ وجلَّ ـــ يَبْعَثُ الأيَّامَ يومَ القيامةِ عَلَىٰ هَيْئَتِهَا ، وَيْبَعَثُ الجُمُعَةَ زَهْرَاءَ مُنِيرَةً ، أَهْلُهَا مُحِفُّونَ بِهَا ؛ كالْعَرُوسِ تُهْدَىٰ إلَى كرِيمَها ، تُضِيءُ لهم ؛ يَمْشُونَ في ضَوْئِهَا ؛ أَلْوَانُهُمْ كالثَّلْجِ بَيَاضاً ، وَرِيحُهُمْ يَسْطَعُ كَالْمِسْكِ ، يَخُوضُونَ في جِبَالِ الكَافُورِ ، يَنْظُرُ إلَيْهِمُ الثَّقَلاَنِ ، مَا يَطْرِفُونَ تَعَجُّباً ، يَدْخُلُونَ الجَنَّةَ لاَ يُخَالِطُهُمْ إلاَّ المُؤَذِّنُونَ المُحْتَسِبُونَ " خَرَّجَهُ القاضِي الشريفُ أبو الحسنِ علي بن عبد اللَّهِ بن إبراهيمَ الهاشميّ ، قال صاحبُ « التذكرة » : وإسنادهُ صحيح ، انتهى . وقوله سبحانه : { ذٰلِكُمْ } إشارةٌ إلى السعي وتَرْكِ البَيْعِ . وقوله : { فَٱنتَشِرُواْ } أجمعَ الناسُ على أنَّ مُقْتَضَى هذا الأمْرِ الإباحةُ ، وكذلك قوله : « وابتَغُوا من فضل اللَّه » أنَّه الإبَاحَة في طلب المعاش ، مثلَ قوله تعالى : { وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَٱصْطَـٰدُواْ } [ المائدة : 2 ] إلا مَا رُوِيَ عن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " ذلكَ الفضْلُ المُبْتَغى هو عيادةُ مريضٍ ، أو صِلَةُ صديقٍ ، أو اتِّباعُ جنازةٍ " ، قال * ع * : وفي هذا ينبغي أنْ يكونَ المرءُ بقيةَ يومِ الجمعةِ ، ونحوه عن جعفر بن محمد ، وقال مكحول : الفضلُ المبْتَغَى : العلمُ فينبغي أن يُطْلَبَ إثْرَ الجمعةِ . وقوله تعالى : { وَٱذْكُرُواْ ٱللَّهَ كَثِيراً … } الآية ، قال معاذ بن جبل : مَا شَيْءٌ أنْجَىٰ مِنْ عَذَابِ اللَّهِ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ : رواه الترمذي واللفظُ له ، وابنُ ماجَه ، والحاكمُ في « المستدرك » ؛ وقال صحيحُ الإسناد ، انتهى من « السلاح » . وقوله سبحانه : { وَإِذَا رَأَوْاْ تِجَـٰرَةً أَوْ لَهْواً … } الآية ، نزلتْ بسبب أن رسولَ اللَّه صلى الله عليه وسلم كانَ قائِماً على المنبرِ يَخْطُبُ يومَ الجمعةِ ، فأقبلت عِيرٌ مِنَ الشَامِ تحملُ مِيرةً ، وصاحبُ أمْرِهَا دِحْيَةُ بن خليفةَ الكلبي ، قال مجاهد : وكانَ مِن عُرْفِهِمْ أن تَدْخُلَ عِيرُ المدينةِ بالطَّبْلِ والمعازفِ ، والصياحِ سروراً بها ، فدخلتْ العيرُ بمثلِ ذلكَ ، فانْفَضَّ أهْلُ المسجدِ إلى رؤيةِ ذلكَ وسماعِه ؛ وتركُوا رسولَ اللَّه صلى الله عليه وسلم قائماً عَلَى المنبرِ ، ولم يَبْقَ معه غَيْر اثنَيْ عَشَرَ رَجُلاً ، قال جابر بن عبد اللَّه : أنا أحَدُهُم ، قال * ع * : ولم تَمُرَّ بِي تَسْمِيتُهم في ديوانٍ فيما أذْكُرُ الآنَ ، إلا أنِّي سمعتُ أبي ـــ رحمه اللَّه ـــ يقولُ : همُ العشرةُ المشهودُ لهم بالجنةِ ، واخْتُلِفَ في الحادِيَ عَشَرَ ، فقيل : عمارُ بن ياسر ، وقيل : ابن مسعودٍ ، * ت * : وفي تقييد أبي الحسنِ الصغير : والاثْنَا عَشَر الباقون همُ الصحابةُ العَشَرَةُ ، والحادِيَ عَشَرَ : بلالٌ ، واخْتُلِفَ في الثاني عشر ، فَقِيل : عمار بن ياسرِ ، وقيل : ابن مسعود ، انتهى ، قال السهيلي : وجَاءَتْ تسميةُ الاثْنَي عَشَرَ في حديثِ مُرْسَلٍ رواه أسد بن عمرو والدُ موسى بن أسد ، وفيه أنَّ : رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم لَمْ يَبْقَ معه إلا أبو بكرٍ وعُمَرُ وعثمانُ ؛ حتى العشرةِ ، وقَال : وبلالٌ وابن مسعود ، وفي روايةٍ : عمارُ بَدلَ ابنِ مسعودٍ ، وفي « مَرَاسِيلِ أبي داودَ » ذكر السببَ الذي من أجله تَرَخَّصُوا ، فقال : إن الخطبةَ يوم الجمعةِ كَانَتْ بعدَ الصلاةِ فَتَأَوَّلُوا ـــ رضي اللَّه عنهم ـــ أنهم قَدْ قَضَوْا مَا عَلَيْهِمْ ، فَحوِّلَتْ الخطبةُ بعدَ ذلك قبلَ الصلاةِ ، فهذا الحديثُ وإن كانَ مُرْسَلاً فالظن الجميلُ بأصْحَابِ النبي صلى الله عليه وسلم يُوجِبُ أنْ يكونَ صحيحاً ، واللَّه أعلم ؛ انتهى ، ورُوِيَ أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قَال : " لَوْلاَ هؤلاءِ لَقَدْ كَانَتِ الحِجَارَةُ سُوِّمَتْ على المُنَفضِّينَ من السماءِ " ، وفي حديثٍ آخر : " والَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ ، لَوْ تَتَابَعْتُمْ حَتَّىٰ لاَ يَبْقَىٰ أَحَدٌ لسَالَ بِكُمُ الوَادِي نَاراً " ، قَالَ البخاريُّ : { ٱنفَضُّواْ } معناه تَفَرَّقُوا ، انتهى ، وقرأ ابن مسعود : « وَمِنَ التِّجَارَةِ لِلَّذِينَ ٱتَّقُوْا ، وَاللَّهُ خَيْرُ الرَّازِقِينَ » وإنما أعاد الضميرَ في قوله : { إِلَيْهَا } على التجارةِ وَحْدَهَا لأنَّهَا أهَمُّ ، وهي كَانَتْ سَبَبَ اللَّهوِ ، * ص * : وقرىء « إلَيْهِمَا » بالتثنيةِ .