Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 7, Ayat: 175-177)

Tafsir: al-Ǧawāhir al-ḥisān fī tafsīr al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

وقوله سبحانه : { وَٱتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ٱلَّذِي آتَيْنَـٰهُ آيَـٰتِنَا } . قال ابن عباس : هو رجُلٌ من الكَنْعَانِيِّينَ الجَبَّارِين ، ٱسْمُهُ بَلْعَمُ بْنُ باعُوراء ، وقيل : بَلْعَامُ بْنُ باعِر . وقيل : غير هذا ، وكان في جملة الجَبَّارِين الذي غَزَاهُمْ مُوسَىٰ عليه السلام ، فَلَما قَرُبَ منهم موسَىٰ ، لجؤوا إِلى بَلْعَام ، وكانَ صالِحاً مستجابَ الدَّعْوة ، وقيل : كان عنْدَهُ علْم مِنْ صُحُف إِبراهيم ونحوها . وقيل : كان يعلم ٱسْمَ اللَّه الأَعظمَ ، قاله ابنُ عبَّاس أيضاً ، وهذا الخلافُ هو في المراد بقوله : { آتَيْنَـٰهُ آيَـٰتِنَا } ، فقال له قومُه : ٱدّعُ اللَّه علَىٰ موسَىٰ وعَسْكَره ، فقالَ لَهُمْ : وَكَيْفَ أدعو عَلَى نَبِيٍّ مُرْسَلٍ ، فما زالوا به حتى فَتَنُوهُ ، فخَرَجَ حتىٰ أشْرَفَ عَلَى جَبَلٍ يَرَىٰ منه عَسْكَرَ موسَىٰ ، وكان قد قال لِقَوْمِهِ : لا أفعَلُ حتى أستأْمِرَ رَبِّي ، فَفَعَلَ ، فنُهِيَ عن ذلك ، فقال لهم : قد نُهِيتُ ، فما زالوا به حتَّى قال : سأَسْتَأْمِرُ ثانيةً ، ففعل ، فسكَتَ عنه ، فأخبرهم ، فقالوا له : إِن اللَّه لَمْ يَدَعْ نَهْيَكَ إِلا وقدْ أَراد ذلك ، فخَرَجَ ، فلما أشْرَفَ على العَسْكَر ، جَعَلَ يدْعُو علَىٰ موسَى ، فتحوَّل لسانُهُ بالدعاءِ لموسَىٰ ، والدعاءِ علَىٰ قومه ، فقالوا له : ما تقولُ ؟ فقال : إِني لا أمْلِكُ هذا ، وعَلِمَ أنه قد أخطأ ، فَرُوِيَ أنه قد خرج لِسَانُه عَلَىٰ صدره ، فقال لقومه : إِني قَدْ هَلَكْتُ ، ولكِنْ لَمْ يَبْقَ لكم إِلا الحِيلَة ، فأخرجوا النِّسَاء إِلى عَسْكَرِ مُوسَىٰ عَلَى جهة التَّجْرِ وغيره ، ومُرُوهُنَّ أَلا تَمْتَنِع ٱمرأة مِنْ رجل ، فإِنهم إِذا زَنَوْا هلَكُوا ، ففعلُوا ، فخرج النِّسَاء ، فَزَنَىٰ بهِنَّ رجالٌ [ مَنْ ] بني إِسرائيل ، وجاء فِنْحَاصُ بْنُ العِيزَارِ بْنِ هَارُونَ ، فٱنتَظَمَ بُرمْحه ٱمرأةً ورجُلاً من بني إِسرائيل ، ورفعهما عَلَىٰ الرَمْحِ ، فوقع في بني إِسرائيل الطاعونُ ، فمات منهم في ساعةٍ [ واحدةٍ ] سبْعُونَ ألْفاً ، ثم ذَكَرَ المعتمِرُ عن أبيه : أنَّ موسَىٰ عليه السلام قَتَلَ بعد ذلك الرَّجُلَ المُنْسَلِخَ مِنْ آيات اللَّه . قال المَهْدَوِيُّ : رُوِيَ أنه دعا عَلَىٰ مُوَسَى أَلاَّ يَدْخُلَ مدينةَ الجَبَّارين ؛ فأجيب ، ودعا عليه موسَىٰ أَنْ يَنْسَىٰ ٱسْمَ اللَّهِ الأعْظَمَ ؛ فأجيبَ ، وفي هذه القصَّة رواياتٌ كثيرةٌ تحتاجُ إِلى صحَّة إِسناد ، و { ٱنسَلَخَ } : عبارةٌ عن البراءةِ منها ، والانْفِصال والْبُعْدِ ، كالمُنْسَلِخ من الثياب والجِلْد ، و « أَتْبَعَهُ الشيطـانُ » ، أيْ : صيَّره تابِعاً ؛ كذا قال الطبريُّ : أَما لضلالةٍ رَسَمَها له ، وإِما لنفسه ، و { مِنَ ٱلْغَاوِينَ } ، أي : { مِنَ ٱلضَّالِّينَ } ، { وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا } ، قال ابن عباس وجماعة : معنَىٰ « لرفعناه » لشرَّفنا ذكْرَه ، ورفَعْنَا منزلته لدينا ؛ بهذه الآيات الَّتي آتيناه ، ولكنه أخلد إِلى الأرْضِ ، أي : تقاعَسَ إلى الحضيض الأسفَلِ الأخسِّ من شهوات الدنيا ولذَّاتها ؛ وذلك أنَّ الأرض وما ٱرتَكَنَ فيها : هي الدنيا وكلُّ ما عليها فانٍ ، ومَنْ أخلد إِلى الفاني ، فقد حرم حظَّ الآخرة الباقية . * ت * : قال الهَرَوِيُّ : قوله : { أَخْلَدَ إِلَى ٱلأَرْضِ } : معناه : سكَنَ إِلى لَذَّاتها ، وٱتَّبَعَ هواه ، يقال : أخلد إِلى كَذَا ، أي : رَكَنَ إِليه واطمأَنَّ به . انتهى . قال عَبْدُ الحَقِّ الإِشْبِيليُّ رحمه اللَّه في « العاقبة » : واعلم رحمك اللَّه ؛ أَنَّ لسوء الخاتمة أعاذنا اللَّه منْها أسباباً ، ولها طرقٌ وأبوابٌ ، أعظمها : الإِكبابُ على الدنيا ، والإِعراضُ عن الآخرة ، وقد سَمِعْتَ بقصَّة بَلْعَام بْنِ بَاعُورَاءَ ، وما كان آتاه اللَّه تعالىٰ من آياته ؛ وأطلعه عليه من بيِّناته ؛ وما أراه من عجائب مَلَكُوته ، أخْلَدَ إِلى الأرض ، وٱتَّبَعَ هواه ؛ فسَلَبَه اللَّه سبحانه جَمِيعَ ما كان أَعطاه ؛ وتَرَكَه مع مَنِ ٱستماله وأغواه . انتهى . وقوله : { فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ ٱلْكَلْبِ } ، شُبِّه به في أنه كان ضالاًّ قبل أن يُؤتى الآياتِ ، ثم أُوتِيَها ، فكان أيضاً ضالاًّ لَم تنفَعْه ، فهو كالكَلْب في أنَّه لا يفارِقُ اللَّهَثَ في كلِّ حال ؛ هذا قول الجمهور . وقال السدِّيُّ وغيره : إِنَّ هذا الرجل عُوقِبَ في الدنيا ، فإِنه كان يَلْهَثُ كما يَلْهَثُ الكَلْبُ ، فشُبِّه به صورةً وهيئةً ، وذكر الطبريُّ ، عن ابن عباس ؛ أنَّ معنى : { إِن تَحْمِلْ عَلَيْهِ } : إنْ تَطْرَدهُ . وقوله : { ذَّٰلِكَ مَثَلُ ٱلْقَوْمِ ٱلَّذِينَ كَذَّبُواْ بِـآيَـٰتِنَا } ، أي : هذا المَثَلُ ، يا محمد ، مثَلُ هؤلاء الذين كانوا ضالِّين قَبْلَ أن تأتيهم بالهدَىٰ والرِّسالة ، ثم جئتهم بها ، فَبَقُوا على ضلالتهم ، ولم ينتفِعُوا بذلك ، فَمَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الكَلْبِ . وقوله : { فَٱقْصُصِ ٱلْقَصَصَ } ، أي : ٱسْرد عليهم ما يعلمون أنَّه من الغيوب الَّتي لا يعلمها إِلا أهْل الكتب الماضية ولَسْتَ منهم ؛ { لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ } في ذلك ؛ فيؤمنوا .