Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 7, Ayat: 205-206)

Tafsir: al-Ǧawāhir al-ḥisān fī tafsīr al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

وقوله سبحانه : { وَٱذْكُر رَّبَّكَ فِي نَفْسِكَ … } الآية : مخاطَبةٌ للنبيِّ صلى الله عليه وسلم ، وتعمُّ جميعَ أمته ، وهو أمر من اللَّه تعالَى بذكْره وتسبيحِهِ وتقديسِهِ ، والثناءِ عليه بمحامدِهِ ، والجمهورُ علىٰ أن الذِّكْر لا يكون في النفْسِ ، ولا يراعَى إِلا بحركه اللسَانِ ، ويُدلُّ على ذلك من هذه الآية قوله : { وَدُونَ ٱلْجَهْرِ مِنَ ٱلْقَوْلِ } ، وهذه مرتبةُ السرِّ ، والمخافتة . وقال الفَخْر : المراد بقوله تعالى : { وَٱذْكُر رَّبَّكَ فِي نَفْسِكَ } ، كونُه عارفاً بمعاني الأذكار التي يقولها بلسانه ، مستحضراً لصفاتِ الجلالِ والعظمة ، وذلك أن الذكْرَ باللِّسَان ، إِذَا كان عارياً عن الذكْر بالقلْب ، كان عدِيمَ الفائدة ، ألاَ تَرَى أن الفقهاء أجمَعُوا على أنَّ الرجُلَ ، إِذا قال : بِعْتُ وٱشْتَرَيْتُ مع أنَّه لاَ يَعْرفُ معانِي هذه الألفاظ ، ولا يفهم منها شيئاً ، فإِنه لا ينعقد البَيْعُ والشراءُ ، فكذلك هنا ، قال المتكلِّمون : وهذه الآية تدُلُّ على إثبات كلامِ النفْس . وقوله تعالى : { وَلاَ تَكُن مِّنَ ٱلْغَـٰفِلِينَ } ، يدُلُّ على أن الذكْرَ القلبيَّ يجبُ أن يكون دائماً ، وألاَّ يغفُلَ الإنسان لحظةً عن ٱستحضارِ جلالِ اللَّهِ وكبريائِهِ بقَدْر الطاقةِ البشريَّة ، وتحقيقُ القول في هذا أنَّ بَيْنَ الرُّوحِ والبدنِ عَلاَقةً عجيبةً ؛ لأَن كلَّ أثر يحصُلُ في البدَنَ يصْعَدُ منه نتائجُ إِلى الرّوحِ ؛ أَلاَ تَرَى أنَّ الإِنسان إِذا تخيَّل الشيء الحامِضَ ، ضَرَسَ منه ، وإِذا تخيل حالَةً مكروهةً ، أو غَضِبَ ، سَخِنَ بدنه . انتهى . و { تَضَرُّعًا } : معناه : تذُّلَلاً وخُضُوعاً ، البخاريُّ : { وَخِيفَةً } ، أي : خوفاً انتهى . وقوله : { بِٱلْغُدُوِّ وَٱلأَصَالِ } : معناه : دَأَباً ، وفي كلِّ يوم ، وفي أطرافِ النهارِ ، { وَلاَ تَكُن مِّنَ ٱلْغَـٰفِلِينَ } تنبيهٌ منه عزَّ وجلَّ ، ولما قال سبحانه : { وَلاَ تَكُن مِّنَ ٱلْغَـٰفِلِينَ } : جَعَل بعد ذلك مثالاً من ٱجتهاد الملائِكَةِ ؛ لِيَبْعَثَ على الجِدِّ في طاعة اللَّهِ سبحانه . * ت * : قال صاحبُ « الكلم الفارقية » : غفلةُ ساعةٍ عَنْ ربِّك مَكْدَرَة لمرآةِ قَلْبِكَ ؛ فكَيْفَ بِغَفْلَة جميعِ عُمْرك . انتهى . قال ابن عطاء اللَّهِ رحمه اللَّه : لا تتركُ الذِّكْر ، لِعَدَمِ حُضُورك مع اللَّه فيه ؛ لأن غفلتك عن وُجودِ ذكْرِهِ أشدَّ مِنْ غفلتك في وجودِ ذكْرِهِ فعسَىٰ أن يرفعك مِنْ ذكْرٍ مع وجود غفلة ، إِلى ذكْرٍ مع وجودِ يَقَظَةٍ ، ومن ذِكْرٍ مع وجود يقظةٍ إِلى ذكْرٍ مع وجودِ حُضُورٍ ، ومِنْ ذكْرٍ مع وجود حضور ، إِلى ذكْرٍ مع وجود غيبة عمَّا سوى المذْكُور ، وما ذلك على اللَّه بعزيز . انتهى ، قال ابن العَرَبِيِّ في « أحكامه » : قوله تعالى : { وَلاَ تَكُن مِّنَ ٱلْغَـٰفِلِينَ } : أي : فيما أُمِرْتَ به ، وكُلِّفْتَه ، وهذا خطابٌ له عليه السلام ، والمراد به جميعُ أمته . انتهى . وقوله : { ٱلَّذِينَ } ، يريد به الملائكةَ . وقوله : { عِندَ } ، إِنما يريد به المنزلةَ ، والتشريف ، والقُرْبَ في المكانة ، لا في المكان ، فَهُمْ بذلك عنده ، ثم وصف سبحانه حَالَهُمْ ؛ مِنْ تواضعهم ، وإِدمانهم العبادة ، والتَسبيحَ والسُّجودَ » ، وفي الحديث : " أَطَّتِ السَّمَاءُ ، وَحُقَّ لَها أَنْ تَئِطَّ مَا فِيهَا مَوْضِعُ شِبْرٍ إِلاَّ وَفِيهِ مَلَكٌ قَائِمٌ ، أَوْ رَاكعٌ ، أَوْ سَاجِدٌ " وهذا موضع سجدة . قال عَبْدُ الرحمٰن بْنُ محمَّدٍ عفا اللَّه عنه : كَمُلَ ما ٱنتخبناه في تفسير السورة ، والحمد اللَّه على ما به أنعم ، وصلَّى اللَّه على سيِّدنا محمَّد وآله وسلَّمَ تَسْليماً كثيراً .