Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 73, Ayat: 20-20)
Tafsir: al-Ǧawāhir al-ḥisān fī tafsīr al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
وقوله سبحانه : { إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ … } الآية ، المعنى أنَّ اللَّهَ تعالى يعلمُ أنَّكَ تَقُومُ أنْتَ وغيرك من أُمَّتِك قياماً مختلفاً مَرَّةً يكْثُرُ ومرَّةً يَقلّ ، ومرة أدْنَى من الثلثين ، ومرة أدنى من النصفِ ، ومرة أدْنَى من الثلث ، وذلك لِعَدَمِ تَحْصِيل البَشَرِ لِمَقَادِيرِ الزمان ، مع عُذْرِ النَّوْمِ ، وتقديرُ الزمان حقيقةٌ إنما هو للَّهِ تعالى ، وأما البشَرُ فلا يُحْصِي ذلك ، فتابَ اللَّه عليهمْ ، أي : رَجَعَ بهم من الثِّقَلِ إلى الخِفَّةِ وأمرهم بقراءةِ ما تيسَّر ، ونحوَ هذَا تُعْطِي عِبَارةُ الفراء ، ومنذر فإنهما قالا : تُحْصُوه تَحْفَظُوه ، وهذا التأويلُ هو على قراءة الخفضِ عَطْفاً على الثلثين وهي قراءة أبي عمرٍو ونافعٍ وابن عامر ، وأمَّا مَنْ قَرأَ : « ونصفَه وثلثَه » بالنَّصْبِ عَطْفاً على أدْنَى وهي قراءة باقي السبعةِ ، فالمعنى عندَهم أنَّ اللَّه تعالى قَدْ عَلِمَ أنهم يَقْدِرُونَ الزمانَ على نحو مَا أَمَرَ بهِ تعالى ، في قوله : { نِّصْفَهُ أَوِ ٱنقُصْ مِنْهُ قَلِيلاً * أَوْ زِدْ عَلَيْهِ } [ المزمل : 3 - 4 ] فلم يبقَ إلا قوله : { أَن لَّن تُحْصُوهُ } فمعناه لَنْ يُطِيقُوا قيامَه لِكَثْرَتِهِ وشدتهِ ، فَخَفَّفَ اللَّهُ عنهم فَضْلاً منه ؛ لا لِعِلَّةِ جهلهم بالتقدير وإحصاء الأوقاتِ ، ونَحوَ هذا تُعْطي عبارةُ الحسن وابن جبير ؛ فإنهما قالا : تحصُوه : تُطِيقُوه ، وعبارةُ الثعلبيِّ : ومَنْ قَرَأَ بالنَّصْبِ ؛ فالمعنى : وتَقُومُ نصْفَه وثلثَه ، قال الفراء : وهو الأشْبَه بالصَّوَابِ ؛ لأنه قَالَ أَقَلَّ مِنَ الثلثينِ ، ثم ذكر تفسيرَ القلةِ لا تَفْسِيرَ أَقَلِّ مِنَ القلةِ ، انتهى ، ولو عَبَّر الفَرَّاءُ بالأَرْجَحِ ، لكانَ أحْسَنَ أدَباً ، وعَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " مَنْ تَعَارَّ مِنَ اللَّيْلِ ، فَقَالَ : لاَ إلٰه ِإِلاَّ اللَّهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ لَهُ المُلْكُ وَلَهُ الحَمْدُ ، وَهُوَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدير ، الحَمْدُ للَّهِ وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَلاَ إلٰهَ إلاَّ اللَّهُ وَاللَّهُ أَكْبَرُ وَلاَ حَوْلَ وَلاَ قُوَّةَ إلاَّ بِاللَّهِ " ثم قال : " اللَّهُمَّ ، ٱغْفِرْ لي ، أوْ دَعَا ، ٱسْتُجِيبَ لَهُ ، فإنْ تَوَضَّأَ ، ثمَّ صَلَّىٰ قُبِلَتْ صَلاَتُهُ " ، رواه الجماعة إلا مسلماً ، وَتَعَارَّ ـــ بتشديدِ الرَّاءِ ـــ مَعْنَاه : اسْتَيْقَظَ ، انتهى من « السلاح » . وقوله تعالى : { فَٱقْرَءُواْ مَا تَيَسَّرَ مِنَ ٱلْقُرْءَانِ } قال الثعلبيُّ أي : مَا خَفَّ وَسَهُلَ بغير مِقْدَارٍ مِنَ القِرَاءَةِ ، والمُدَّةِ ، وقيل : المعنى فَصَلُّوا ما تيسَّر فَعَبَّر بالقراءةِ عنها . * ت * : وهذا هو الأصَحُّ عند ابن العربي ، انتهى ، قال * ع * : قوله : { فَٱقْرَءُواْ مَا تَيَسَّرَ مِنَ ٱلْقُرْءَانِ } هو أمْرُ نَدْبٍ في قولِ الجمهور ، وقال جماعة : هو فَرْضٌ لاَ بُدَّ منه ولو خَمْسِينَ آيةً ، وقال الحسنُ وابن سيرين : قيامُ الليل فَرْضٌ وَلَوْ قَدْرُ حَلْبِ شَاةٍ ، إلا أنَّ الحسنَ قال : مَنْ قَرأَ مِائَة آيةٍ لَمْ يُحَاجَّهُ القرآن ؛ واسْتَحْسَنَ هذا جماعةٌ من العلماء ؛ قال بعضهم : والركعتانِ بَعْدَ العشاءِ مَعَ الوِتْرِ دَاخِلَتَانِ في امتثالِ هذا الأَمْرِ ؛ ومن زَادَ زَادَهُ اللَّه ثواباً ، * ت * : ينبغي للعاقِل المبَادَرَةُ إلى تَحْصِيلِ الخَيْرَاتِ قَبْلَ هُجُومِ صَوْلَةِ المَمَاتِ ، قَالَ البَاجِيُّ في « سنن الصالحين » له : قَالَتْ بنت الربيعِ بْنِ خُثَيْمٍ لأبيها : يا أبَتِ ما لِي أَرَى النَّاسَ يَنَامُونَ وأنْتَ لاَ تَنَامُ ، قال : إنَّ أَبَاكِ يَخَافُ البَيَاتَ ، قال الباجيُّ ـــ رحمه اللَّه تعالى ـــ : ولي في هذا المعنى : [ من الرجز ] @ قَدْ أَفْلَحَ القَانِتُ في جُنْحِ الدُّجَىٰ يَتْلُو الْكِتَابَ العَرَبِيَّ النَّيِّرَا [ فَقَائِماً وَرَاكِعاً وَسَاجِدا مُبْتَهِلاً مُسْتَعْبِراً مُسْتَغْفِرَا ] لَهُ حَنِينٌ وَشَهِيقٌ وَبُكَا يَبُلُّ مِنْ أَدْمُعِهِ تُرْبَ الثَّرَىٰ إنَّا لَسَفْرٌ نَبْتَغِي نَيْلَ الْهُدَىٰ فَفِي السُّرَىٰ بُغْيَتُنَا لاَ في الْكَرَا مَنْ يَنْصَبِ اللَّيْلَ يَنَلْ رَاحَتَهُ عِنْد الصَّبَاحِ يَحْمَدُ القَوْمُ السُّرَىٰ @@ انتهى ، والضربُ في الأرضِ هو السَّفَرُ للتجارةِ ابتغاءَ فضلِ اللَّهِ سبحانه ، فذكرَ اللَّه سبحانه أعْذَارَ بني آدمَ التي هي حائلةٌ بينَهم وبيْنَ قيامِ الليل ، ثم كرَّر سبحانَه الأَمْرَ بقراءةِ ما تَيَسَّر منه تأكِيداً ، والصلاةُ والزكاة هنا هما المفروضَتَانِ ، فمن قال : إن القِيَامَ من الليلِ غَيْرُ واجبٍ ؛ قال : معنى الآية خُذُوا من هذا النَّفْلِ بما تَيَسَّر وحَافِظُوا على فَرَائِضِكم ، ومَنْ قال : إن شَيْئاً من القيامِ واجبٌ ؛ قال : قَدْ قَرَنَه اللَّهُ بالفرائِضِ ؛ لأنه فَرْضٌ وإقْراضُ اللَّه تعالى هو إسْلاَفُ العملِ الصالحِ عنده ، وقرأ جمهورُ الناس « هو خيراً » على أن يكونَ « هو » فَصْلاً ، قال بعضُ العلماءِ : الاستِغفارُ بَعْدَ الصلاة مُسْتَنْبَطٌ من هذه الآيةِ ، ومن قوله تعالى : { كَانُواْ قَلِيلاً مِّن ٱلَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ * وَبِٱلأَسْحَـٰرِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ } [ الذاريات : 17 - 18 ] قال * ع * : وَعَهَدْتُ أبي ـــ رحمه اللَّه ـــ يَسْتَغْفِرِ اللَّهَ إثْرَ كل مكتُوبةٍ ثَلاَثَاً بِعَقِبِ السلام ، ويأثر في ذلك حديثاً ، فكان هذا الاستغفارُ من التقصيرِ وتَقَلُّبِ الفِكْرِ أثْنَاء الصلاة ، وكان السلفُ الصالحُ يُصَلُّونَ إلى طلوع الفجر ؛ ثم يجلسُون للاسْتِغْفَارِ . * ت * : وما ذكره * ع * : ـــ رحمه اللَّه ـــ عَنْ أبيه رَوَاهُ مسلم وأبو داودَ والترمذي والنسائي وابنُ ماجَه عن ثوبان قال : " كان رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم إذا ٱنْصَرَفَ مِنْ صَلاَتِهِ ، ٱسْتَغْفَرَ ثَلاَثاً وقَالَ : « اللَّهُمَّ ، أَنْتَ السَّلاَمُ وَمِنْكَ السَّلاَمُ تَبَارَكْتَ يَا ذَا الجَلاَلِ والاۤكْرَامِ " ، قال الوليدُ : فقلتُ للأوزاعيِّ : كَيْفَ الاسْتِغْفَارُ ؟ قال : تَقُولُ : أسْتَغْفِرُ اللَّهَ ، أسْتَغْفِرُ اللَّهَ ، أسْتَغْفِرُ اللَّهَ ، وفي روايةٍ لمسلم من حديثِ عائشةَ : " يَا ذَا الجَلاَلِ والإكْرَامِ " ، انتهى من « سلاح المؤمن » .