Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 8, Ayat: 73-75)

Tafsir: al-Ǧawāhir al-ḥisān fī tafsīr al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

وقوله سبحانه : { وَٱلَّذِينَ كَفَرُواْ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ } ؛ وذلك يجمع الموارثَةَ والمعاوَنَةَ والنُّصْرة ، وهذه العبارةُ تحريضٌ وإِقامةٌ لنفوس المؤمنين ؛ كما تقولُ لمن تريدُ تحريضَهُ : عَدُوُّكَ مُجْتَهِدٌ أي : فٱجتهدْ أَنْتَ ، وحكى الطبريُّ في تفسير هذه الآية ، عن قتادة ؛ أنه قال : أبَى اللَّهُ أَن يقبل إِيمانَ مَنْ آمن ولم يُهَاجرْ ، وذلك في صَدْر الإِسلام ، وفيهم قال النبيُّ صلى الله عليه وسلم " أَنَا بَرِيءٌ مِنْ مُسْلِمٍ أَقَامَ بَيْنَ المُشْرِكِينَ لاَ تَتَرَاءَى نَارُهُمَا " الحديثَ على اختلاف ألفاظه ، وقول قتادة ، إِنما هو فيمن كان يُقيمُ متربِّصاً يقول : مَنْ غَلَبَ ، كُنْتُ معه ؛ وكذلِكَ ذُكِرَ في كتاب « الطَّبريِّ » ، وغيره ، والضميرُ في قوله : { إِلاَّ تَفْعَلُوهُ } ، قيل : هو عائدٌ على المُؤازرة والمعاونة ، ويحتملُ على الميثاق المذكور ، ويحتملُ على النَّصْر للمسلمين المستَنْصِرِينَ ، ويحتمل على الموارثَة وٱلتزامَها ، ويجوز أَن يعود مجملاً على جميعِ ما ذُكِرَ ، والفتْنَةُ : المِحْنَة بالحَرْب وما ٱنْجَرَّ معها ؛ من الغارَاتِ ، والجلاءِ ، والأسر ، والفسادُ الكَبيرُ : ظُهُورُ الشِّرْك . وقوله سبحانه : { وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَهَاجَرُواْ وَجَـٰهَدُواْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ وَٱلَّذِينَ ءاوَواْ وَّنَصَرُواْ أُوْلَٰـئِكَ هُمُ ٱلْمُؤْمِنُونَ حَقّاً } ، تضمَّنت الآيةُ تخصيصَ المهاجرين والأنصار ، وتشريفَهم بهذا الوَصْف العظيمِ . * ت * : وهي مع ذلك عند التأمُّل يلوح منها تأويل قتادَةَ المتقدِّم ، فتأمَّله ، والرزْقُ الكريمُ : هو طعام الجنَّة ؛ كذا ذكر الطبريُّ وغيره . قال ابنُ العربيِّ في « أحكامه » : وإِذا كان الإِيمان في القَلْب حقًّا ، ظهر ذلك في ٱستقامة الأعمال ؛ بٱمتثال الأمر وٱجتنابِ المَنْهِيِّ عنه ، وإِذا كان مجازاً ، قَصَّرت الجوارحُ في الأعمال ؛ إذ لم تبلغ قوَّتُهُ إليها . انتهى . { وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ مِن بَعْدُ وَهَاجَرُواْ وَجَـٰهَدُواْ مَعَكُمْ } : قوله : « من بعد » ، يريدُ به مِنْ بَعْدِ الحُدَيْبِيَةِ ؛ وذلك أن الهجرة مِنْ بعدِ ذلك كانَتْ أقلَّ رتبةً من الهجرة قبل ذلك ، وكان يقال لها الهِجْرَةُ الثانية ، { وَجَـٰهَدُواْ مَعَكُمْ } : لفظٌ يقتضي أنهم تَبَعٌ لا صَدْرٌ . وقوله سبحانه : { وَأُوْلُواْ ٱلأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَىٰ بِبَعْضٍ فِي كِتَـٰبِ ٱللَّهِ } ، قالَ مَنْ تقدَّم ذكره : هذه في المواريثِ ، وهي ناسخةٌ للحُكْم المتقدِّم ذكْرُهُ . وقالتْ فرقة ، منها مالك : إن الآية لَيْسَتْ في المواريث ، وهذا فَرارٌ من توريثِ الخَالِ والعَمَّة ونحو ذلك . وقالَتْ فرقة : هي في المواريث ، إِلا أنها نُسِخَتْ بآية المواريث المبيّنة ، وقوله : { فِى كِتَـٰبِ ٱللَّهِ } : معناه : القرآن ، أي : ذلك مُثْبَتٌ في كتاب اللَّه . وقيل : في اللَّوْحِ المحفوظِ . كَمَلَ تفسيرُ السُّورة ، والحَمْدُ للَّهِ ، وصلَّى اللَّه علَى سيِّدنا محمَّد وآله وَصَحْبِهِ وسَلَّم تسليماً .