Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 87, Ayat: 14-17)

Tafsir: al-Ǧawāhir al-ḥisān fī tafsīr al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

وَ { تَزَكَّىٰ } معناه : طَهَّرَ نَفْسَه ونماها بالخيرِ ، ومِنَ « الأربعين حديثاً » المسندةِ لأبي بكر محمد بن الحسين الآجري الإمامِ المحدثِ قال في آخرها : وحديثُ تمامِ الأربعينَ حديثاً ؛ وهو حديثٌ كبيرٌ جامعٌ لكلِّ خيرٍ ؛ حدَّثنا أبو بكرٍ جعفرُ بنُ محمدٍ الفِرْيَابِيُّ إملاءً في شهر رجب سنةَ سبعٍ وتسعينَ ومائتين ؛ قال : حدثنا إبراهيمُ بنُ هشامِ بنِ يحيى الغسانيّ قال : حدثني أبي عن جَدِّي عن أبي إدريسَ الخَوْلاَنِيِّ عَن أَبي ذَرٍّ قال : " دَخَلْتُ المَسْجِدَ ، فَإذَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم جَالِسٌ ، فَجَلَسْتُ إلَيْهِ فَقَالَ : يَا أَبَا ذَرٍّ ، لِلْمَسْجِدِ تَحِيَّةٌ ، وَتَحِيَّتُهُ رَكْعَتَانِ ؛ قُمْ فَارْكَعْهُمَا ، قَالَ : فَلَمَّا رَكَعْتُهُما ، جَلَسْتُ إلَيْهِ ، فَقُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، إنَّكَ أَمَرْتَنِي بِالصَّلاَةِ ، فَمَا الصَّلاَةُ ؟ قالَ : خَيْرٌ مَوْضُوعٌ ، فَٱسْتَكْثِرْ أَوِ ٱسْتَقْلِلْ " الحديثَ ، وفيهِ : " قلتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، كَمْ كِتَاباً أَنْزَلَ اللَّهُ ـــ عَزَّ وَجَلَّ ـــ ؟ قَالَ : مِائَةَ كِتَابٍ وَأَرْبَعَةَ كُتُبٍ ؛ أَنْزَلَ اللَّهُ : عَلَى شِيثَ خَمْسِينَ صَحِيفَةً ، وَعَلَى خَانُوخَ ثَلاَثينَ صَحِيفَةً ، وعَلَىٰ إبْرَاهِيمَ عَشْرَ صَحَائِفَ ، وأَنْزَلَ عَلَى مُوسَىٰ قَبْلَ التَّوْرَاةِ عَشْرَ صَحَائِفَ ، وأَنْزَلَ التَّوْرَاةَ ، وَالإنْجِيلَ ، والزَّبُورَ ، وَالفُرْقَانَ ، قَالَ : قُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، مَا كَانَتْ صُحُفُ إبْرَاهِيمَ ؟ قَالَ : كَانَتْ أَمْثَالاً كُلُّها : أَيُّهَا المَلِكُ المُسَلَّطُ المُبْتَلَى المَغْرُورُ ، إنِّي لَمْ أَبْعَثْكَ لِتَجْمَعَ الدُّنْيَا بَعْضَهَا عَلَىٰ بَعْضٍ ، وَلٰكِنِّي بَعَثْتُكَ لِتَرُدَّ عَنِّي دَعْوَةَ المَظْلُومِ ، فَإنِّي لاَ أَرُدُّهَا وَلَوْ مِنْ كَافِرٍ ، وَكَانَ فِيهَا أَمْثَالٌ : وَعَلَى العَاقِلِ أَنْ تَكُونَ لَهُ سَاعَةٌ يُنَاجِي فِيهَا رَبَّهُ ، وَسَاعَةٌ يُحَاسِبُ فِيهَا نَفْسَهُ ، وَسَاعَةٌ يُفَكِّرُ في صُنْعِ اللَّهِ ـــ عَزَّ وَجَلَّ ـــ إلَيْهِ ، وَسَاعَةٌ يَخْلُو فِيهَا لَحَاجَتِهِ مِنَ المَطْعَمِ وَالمَشْرَبِ ، وَعَلَى العَاقِلِ أَلاَّ يَكُونَ ظَاعِناً إلاَّ لِثَلاَثٍ : تَزَوُّدٍ لِمَعادٍ ، أو مَؤُونَةٍ لِمَعَاشٍ ، أَوْ لَذَّةٍ في غَيْرِ مُحَرَّمٍ ، وَعَلَى العَاقِلِ أَنْ يَكُونَ بَصِيراً بِزَمَانِهِ ، مُقْبِلاً عَلَىٰ شَانِهِ ، حَافِظاً للِسَانِهِ ، وَمَنْ حَسِبَ كَلاَمَهُ مِنْ عَمَلِهِ ؛ قَلَّ كَلاَمُهُ إلاَّ فِيمَا يَعْنِيهِ ، قال : قُلْتُ : يَا رَسُولِ اللَّهِ ، فَمَا كَانَتْ صُحُفُ مُوسَى ؟ قَالَ : كَانَتْ عِبَراً كُلُّهَا : عَجِبْتُ لِمَنْ أَيْقَنَ بِالمَوْتِ كَيْفَ يَفْرَحُ ، وَعَجِبْتُ لِمَنْ أَيْقَنَ بِالقَدَرِ ، ثُمَّ هُوَ يَنْصَبُ ، وَعَجِبْتُ لِمَن رَأَى الدُّنْيَا وَتَقَلُّبَها بِأَهْلِهَا ؛ ثُمَّ ٱطْمَأَنَّ إلَيْهَا ، وَعَجِبْتُ لِمَنْ أَيْقَنَ بِالْحِسَابِ غَداً ثُمَّ لاَ يَعْمَلُ ، وَقَالَ : قُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، فَهَلْ في أَيْدِينَا شَيْءٌ مِمَّا كَانَ في أَيْدِي إبْرَاهِيمَ وَمُوسَىٰ ؛ مِمَّا أَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عَلَيْكَ ؟ قَالَ : نَعَمْ ، اقْرأْ يَا أَبَا ذَرٍّ { قَدْ أَفْلَحَ مَن تَزَكَّىٰ * وَذَكَرَ ٱسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّىٰ * بَلْ تُؤْثِرُونَ ٱلْحَيَوٰةَ ٱلدُّنْيَا } إلى آخِرِ هذه [ السورةِ يعني : أنَّ ذِكْرَ هٰذِهِ الآيَاتِ لَفِي صُحُفِ إبْرَاهِيمَ وَمُوسَىٰ قَالَ : قُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ؛ فَأَوْصِنِي ، قَال : أُوصِيكَ بِتَقْوَى اللَّه ـــ عَزَّ وَجَلَّ ـــ فَإنَّهُ رَأْسُ أَمْرِكَ ، قَالَ : قُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ؛ زِدْنِي ؛ قَالَ : عَلَيْكَ بِتِلاَوَةِ القُرْآنَ وَذِكْرِ اللَّهِ ـــ عَزَّ وَجَلَّ ـــ ؛ فَإنَّهُ ذِكْرٌ لَكَ في السَّمَاءِ وَنُورٌ لَكَ في الأَرْضِ ، قَالَ : قُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، زِدْنِي ، قَالَ : وَإيَّاكَ وَكَثْرَةَ الضَّحِكِ ؛ فَإنَّهُ يُمِيْتُ القَلْبَ ، ويَذْهَبَ بِنُورِ الْوَجْهِ ، قال : قُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ؛ زِدْنِي ، قَالَ : عَلَيْكَ بِالجَهَادِ ؛ فِإنَّهُ رَهْبَانِيَّةُ أُمَّتِي ، قَالَ : قُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ؛ زِدْنِي ، قَالَ : عَلَيْكَ بِالصَّمْتِ إلاَّ مِنْ خَيْرٍ ؛ فَإنَّهُ مَطْرَدَةٌ للشَّيْطَانِ وَعَوْنٌ لَكَ عَلَىٰ أَمْرِ دِينِكَ " انتهى . وقوله تعالى : { وَذَكَرَ ٱسْمَ رَبِّهِ } أي : وَحَّدَهُ وَصلَّى له الصلواتِ المفروضةَ وغيرَها ، وقال أبو سعيد الخدري وغيره : هذه الآيةُ نزلتْ في صَبِيحَةِ يومِ الفِطْرِ ، فـ { تَزَكَّىٰ } : أدَّى زكاةَ الفِطْرِ ، { وَذَكَرَ ٱسْمَ رَبِّهِ } في طريق المُصَلَّى ، وصَلَّى صلاةَ العِيد ، ثم أخْبَرَ تعالى الناسَ أنهم يؤثِرُونَ الحياةَ الدنيا ، وسَبَبُ الإيثارِ حُبُّ العَاجِلِ والجهلُ ببقاءِ الآخرةِ وفَضْلِها ، ورَوِّينَا في كتابِ الترمذي عن ابن مسعودٍ قال : قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم : " ٱسْتَحْيُوا مِنَ اللَّهِ حَقَّ الحياءِ ، قَالَ : فقلنا : يَا رسولَ اللَّهِ ، إنَّا نَسْتَحِي وَالحَمْدُ للَّهِ ، قَالَ : لَيْسَ ذَلِكَ ، وَلٰكِنَّ الاِسْتِحْيَاءَ مِنَ اللَّهِ حَقَّ الحَيَاءِ : أَنْ تَحْفَظَ الرَّأْسَ وَمَا وَعَىٰ ، وَتَحْفَظَ البَطْنَ وَمَا حَوَىٰ ، وَلْتَذْكُرِ المَوْتَ وَالْبِلَىٰ ، وَمَنْ أَرَادَ الآخِرَةَ تَركَ زِينَةَ الدّنْيَا ، فَمَنْ فَعَل ذَلكَ فَقَدْ ٱسْتَحْيَا مِنَ اللَّهِ حَقَّ الحَيَاء " انتهى ، قال الغَزَّاليُّ : وإيثارُ الحياةِ الدنيا طَبْعٌ غالبٌ على الإنسانِ ؛ ولذلك قال تعالى : { بَلْ تُؤْثِرُونَ ٱلْحَيَوٰةَ ٱلدُّنْيَا } ثمَّ بَيَّنَ سبحانه أن الشَّرَّ قَدِيمٌ في الطباعِ وأن ذلكَ مذكورٌ في الكتُبِ السالِفَة فقال : { إِنَّ هَـٰذَا لَفِى ٱلصُّحُفِ ٱلأُولَىٰ * صُحُفِ إِبْرٰهِيمَ وَمُوسَىٰ } ، انتهى من « الإحياء .