Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 89, Ayat: 24-30)

Tafsir: al-Ǧawāhir al-ḥisān fī tafsīr al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

وقوله : { يَٰلَيْتَنِى قَدَّمْتُ لِحَيَاتِى } قال الجمهور : معناه لحياتي الباقيةِ يريدُ في الآخِرَةِ . { فَيَوْمَئِذٍ لاَّ يُعَذِّبُ عَذَابَهُ أَحَدٌ } أي لا يعذِّبُ كَعَذَابِ اللَّه أحَدٌ في الدنيا ، ولا يُوثِقُ كَوَثَاقِه أحَد ، ويحتمل المعنى أنَّ اللَّهَ تعالى لا يَكِلُ عذابَ الكافرِ يومئذ إلى أحد ، وقرأ الكسائيُّ ـــ بفتح الذالِ والثاءِ ـــ أي : لا يعذَّبُ كعذَابِ الكافر أحَدٌ مِنَ الناسِ ، ثم عقَّبَ تعالى بذكر نفوس المؤمنينَ وحالهم فقال : { يَٰأَيَّتُهَا ٱلنَّفْسُ ٱلْمُطْمَئِنَّةُ } الآية ، والمطمئنةُ معناه : الموقِنَةُ غايةَ اليَقِينِ ، ألا تَرى قَوْلَ إبراهيمَ ـــ عليه السلام ـــ { وَلَـٰكِن لِّيَطْمَئِنَّ قَلْبِى } [ البقرة : 260 ] فهي درجةٌ زائدةٌ على الإيمانِ ، واخْتُلِفَ في هذا النداءِ : متى يقع ؟ فقال جماعة : عند خروجِ رُوح المؤمِن ، ورُوِي في ذلك حديثٌ ، و { فِى عِبَادِى } أي : في عِدَاد عِبَادي الصالحينَ ، وقال قوم : النداءُ عند قيام الأجْسَادِ من القبور ، فقولُه : { ٱرْجِعِى إِلَىٰ رَبِّكِ } معناه بالبعثِ ، و « ادْخُلِي في عِبَادي » أي في الأجْسَادِ ، وقيل : النداءُ هو الآنَ للمؤمنينَ ، وقال آخرونَ : هذا النداء إنما هو في المَوْقِفِ عندما يُنْطَلَقُ بأهل النار إلى النار . * ت * : ولا مانِع أن يكونَ النداءُ في جميعِ هذه المواطِنِ ، ولما تكلَّمَ ابن عطاء اللَّه في مراعاة أحوال النفس قال : رُبَّ صاحبِ وِرْدٍ عَطَّلَه عن وِرْدِهِ والحضورِ فيه مع ربه هَمُّ التدبيرِ في المعيشةِ وغيرِها من مصالحِ النفسِ ، وأنواعُ وَسَاوِسِ الشيطان في التدبيرِ لا تَنْحَصِرُ ، ومتى أعطاكَ اللَّه سُبحانه الفَهْمَ عنه عرَّفَكَ كَيْفَ تَصْنَع ، فَأَيُّ عبدٍ توفَّر عقلُه واتَّسَعَ نورُه نزلت عليه السكينةُ من ربّه فسكنَتْ نفسُهُ عن الاضْطِرَابِ ، وَوَثِقَتْ بِوَلِيِّ الأسبابِ ، فكانت مطمئنةً ، أي : خامِدَةً ساكنةً مستسلمةً لأحكامِ اللَّهِ ثابتةً لأقدارِهِ وممدودةً بتأييدِه وأنوارِه ، فاطمأنَّتْ لمولاَها ؛ لعلمِها بأنه يَرَاهَا : { أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ } [ فصلت : 53 ] فاستحَقَّتْ أنْ يقالُ لها : { يَٰأَيَّتُهَا ٱلنَّفْسُ ٱلْمُطْمَئِنَّةُ * ٱرْجِعِى إِلَىٰ رَبِّكِ رَاضِيَةً مَّرْضِيَّةً } وفي الآية خصائصُ عظيمةٌ لَها مِنْها ترفيعُ شأنِها بتَكْنِيَتِها ومَدْحِها بالطَّمْأنينَةِ ثَنَاءً منه سبحانه عليها بالاستسلام إليه والتوكلِ عليه ، والمطمئنُّ المنخفضُ من الأرضِ ، فلما انخفضتْ بتَواضُعِهَا وانكسارِها ؛ أثْنَى عليها مولاَها ، ومنها قوله : { رَاضِيَةً } أي : عن اللَّهِ في الدنيا بأحكامِه ، و { مَّرْضِيَّةً } في الآخرةِ بِجُودِهِ وإنعامِه ، وفي ذلك إشارةٌ للعَبْدِ أَنَه لا يَحْصُل له أنْ يكونَ مَرْضِيًّا عند اللَّه في الآخرةِ حتى يكونَ راضِياً عن اللَّهِ في الدنيا ، انتهى من « التنوير » .