Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 9, Ayat: 113-116)

Tafsir: al-Ǧawāhir al-ḥisān fī tafsīr al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

وقوله سبحانه : { مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ أَن يَسْتَغْفِرُواْ لِلْمُشْرِكِينَ … } الآية : " جمهورُ المفسِّرين أنَّ هذه الآية نزلَتْ في شَأْن أبي طالب ، وذلك أن رسُول اللَّه صلى الله عليه وسلم دَخَلَ عَلَيْهِ حين ٱحْتُضِرَ ، فَوَعَظَهُ ، وقَالَ : « أَيْ عَمِّ ؛ قُلْ لاَ إِلٰهَ إِلاَّ اللَّهُ كَلِمَةً أُحَاجُّ لَكَ بِهَا عِنْدَ اللَّهِ » ، وَكَانَ بالحَضْرة أَبو جَهْلٍ وَعَبْدُ اللَّه بْنُ أَبِي أُمَيَّةَ ، فَقالا لَهُ : يَا أَبَا طَالِبٍ ؛ أَترغَبُ عن ملَّة عَبْدِ المطَّلِبِ ؟ فَقالَ أبو طَالِبٍ : يَا مُحَمَّدُ ، وَاللَّهِ ، لَوْلاَ أَنِّي أَخَافُ أَنْ يُعَيَّرَ بِهَا وَلَدِي مِنْ بَعْدِي ، لأَقْرَرْتُ بِهَا عَيْنَكَ ، ثُمَّ قَالَ : هُوَ عَلَى مِلَّةِ عَبْدِ المُطَّلِبِ ، وَمَاتَ عَلَى ذَلِكَ ؛ إذ لم يسمع منه صلى الله عليه وسلم ما قال العبَّاس ، فنزلَتْ { إِنَّكَ لاَ تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ } [ القصص : 56 ] فقال رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : « وَاللَّهِ ، لأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ مَا لَمْ أُنْهَ عَنْكَ » " ، فَكَانَ يستغفر له حَتَّى نَزَلَتْ هذه الآية ، فترك نبيُّ اللَّه ٱلاستغفارَ لأَبي طالب ، وروي أنَّ المؤمنين لما رأَوْا نبيَّ اللَّه يستغفرُ لأبي طالب ، جعلوا يَسْتَغْفِرُونَ لموتاهم ، فلذلك دَخَلُوا في النَّهْيِ ، والآية على هذا ناسخةٌ لفعله صلى الله عليه وسلم ؛ إِذ أفعاله في حُكْم الشرعِ المستقِرِّ ، وقال ابن عبَّاس وقتادة وغيرهما : إِنما نزلَتِ الآية بسببِ جماعةٍ من المؤمنين قالوا : نَسْتَغْفِرُ لموتانا ؛ كما ٱسْتَغْفَرَ إِبراهيمُ عليه السلام ، فنزلَتِ الآية في ذلك ، وقوله سبحانه : { وَمَا كَانَ ٱسْتِغْفَارُ إِبْرَٰهِيمَ لأَبِيهِ … } الآية : المعنى : لا حجَّة أَيُّها المؤمنون في ٱستغفار إِبراهيم عليه السلام ، فإِن ذلك لم يكُنْ إِلا عن موعدةٍ ، وٱختلف في ذلك ، فقيلَ : عن مَوْعِدَةٍ من إِبراهيم ، وذلك قوله : { سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي إِنَّهُ كَانَ بِي حَفِيّاً } [ مريم : 47 ] وقيل : عن موعِدَةٍ من أبيه له في أنَّهُ سيؤمن ، فَقَوِيَ طمعه ، فحمله ذلك على ٱلاستغفار له ؛ حتى نُهِيَ عنه ، ومَوْعِدَة مِنَ الوَعْدِ ، وأما تبيُّنه أنه عَدُوٌّ للَّه ، قيل : ذلك بموت آزر على الكُفْر ، وقيل : ذلك بأنه نُهِيَ عنه ، وهو حيٌّ ، وقوله سبحانه : { إِنَّ إِبْرَٰهِيمَ لأَوَّاهٌ حَلِيمٌ } ثَنَاءٌ مِنَ اللَّه تعالَى على إِبراهيم ، و « الأَوَّاهُ » معناهُ الخَائِفُ الذي يُكْثِرُ التَّأَوُّهَ مِنْ خَوفِ اللَّهِ عزَّ وجلَّ ، والتَّأَوُّهُ : التوجُّع الذي يَكْثُرُ حَتَّى ينطق الإِنسان معه بـ « أَوَّهْ » ؛ ومن هذا المعنَى قولُ المُثَقِّب العَبْدِي : [ الوافر ] @ إِذَا مَا قُمْتُ أَرْحُلُهَا بِلَيْلٍ تَأَوَّهُ أَهَّةَ الرَّجُلِ الحَزِينِ @@ ويروى : آهَة . وروي أن إبراهيم عليه السلام كان يُسْمَعُ وَجِيبُ قَلْبِهِ من الخشية ، كما تُسْمَعُ أَجنحة النُّسُور ، وللمفسِّرين في « الأَوَّاه » عباراتٌ كلُّها ترجعُ إِلى ما ذكرتُه . * ت * : روى ابن المبارك في « رقائقه » ، قال : أخبرنا عبدُ الحميدِ بْنُ بَهْرَام ، قال : حدَّثنا شَهْرُ بْنُ حَوْشَبٍ ، قَالَ : حَدَّثَني عَبْدُ اللَّهِ بْنُ شَدَّاد ، قَالَ : " قَالَ رَجُلٌ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، مَا الأَوَّاهُ ؟ قالَ : « الأَوَّاهُ الخَاشِعُ الدَّعَّاءُ المُتَضَرِّعُ ؛ قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ : { إِنَّ إِبْرَٰهِيمَ لأَوَّاهٌ حَلِيمٌ } » " انتهى . و { حَلِيمٌ } مَعناه : صابرٌ ، محتملٌ ، عظيمُ العَقْل ، والحِلْمُ : العقل . وقوله سبحانَهُ : { وَمَا كَانَ ٱللَّهُ لِيُضِلَّ قَوْماً بَعْدَ إِذْ هَدَاهُمْ … } الآية : معناه التأنيسُ للمؤمنين ، وقيل : إن بعضهم خَافَ عَلَى نَفْسِه مِنَ ٱلاستغفار للمشْركين ، فنزلت الآيةُ مُؤْنسة ، أيْ : ما كان اللَّه بَعْدَ أَنْ هدَى إِلى الإِسْلاَمِ ، وأنقذ مِنَ النار لِيُحْبِطَ ذلك ، ويضلَّ أهله ؛ لمواقعتهم ذَنْباً لم يتقدَّم من اللَّه عنه نَهْيٌ ، فأما إِذا بيَّن لهم ما يتَّقون من الأمورِ ، ويتجنَّبون من الأشياء ، فحينئذٍ مَنْ واقع شيئاً من ذلك بعد النَّهْيِ ، ٱستوجَبَ العقوبة ، وباقي الآية بَيِّنٌ .