Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 9, Ayat: 123-127)

Tafsir: al-Ǧawāhir al-ḥisān fī tafsīr al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

وقوله تعالى : { يَٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ قَاتِلُواْ ٱلَّذِينَ يَلُونَكُمْ مِّنَ ٱلْكُفَّارِ } قيل : إِنَّ هذه الآية نزَلَتْ قبل الأمر بقتال الكُفَّار كافَّة ، فهي من التدريجِ الذي كان في أوَّل الإِسلام . قال * ع * : وهذا ضعيفٌ فإِن هذه السورة من آخر ما نَزَلَ . وقالتْ فرقة : معنى الآية أنَّ اللَّه تبارك وتعالى أمر فيها المؤمنين أنْ يقاتل كُلُّ فريقٍ منهم الجنْسَ الذي يليه من الكَفَرة . وقوله سبحانه : { وَلْيَجِدُواْ فِيكُمْ غِلْظَةً } : أي : خشونةً وبأساً ، ثم وعَدَ سبحانه في آخر الآية وحَضَّ على التقوَى التي هي مِلاَكُ الدِّينِ والدنيا ، وبها يُلْقَى العَدُوُّ ، وقد قال بعضُ الصحابة : إِنما تُقَاتِلُونَ النَّاس بأَعمالكم ، وَوَعَد سبحانه أنه مع المتَّقِينَ ، وَمَنْ كان اللَّه مَعِهُ ، فَلَنْ يُغْلَبَ . وقوله تعالى : { وَإِذَا مَا أُنزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُم مَّن يَقُولُ أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هَـٰذِهِ إِيمَـٰناً … } الآية : هذه الآية نزلَتْ في شأن المنافقين ، وقولهم : { أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هَـٰذِهِ إِيمَـٰناً } يحتمل أنْ يكون لمنافقينَ مِثْلِهِمْ ، أو لقومٍ من قراباتهم ؛ علَى جهة ٱلاستخفَافِ والتحقير لشأن السُّورة ، ثم ابتدأ عزَّ وجلَّ الردَّ عليهم بقوله : { فَأَمَّا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ فَزَادَتْهُمْ إِيمَاناً } وذلك أنه إذا نزلَتْ سورةٌ ، حَدَثَ للمؤمنين بها تصديقٌ خاصٌّ ، لم يكنْ قبلُ ، فتصديقهم بما تضمَّنته السورةُ مِنْ أخبار وأمرٍ ونَهْيٍ أمرٌ زائد على الذي كان عِنْدهم قبلُ ، وهذا وجْهٌ من زيادة الإِيمان . ووجه آخر ؛ أنَّ السورة ربَّما تضمَّنت دليلاً أو تنبيهاً على دليل ، فيكون المؤمن قد عَرَفَ اللَّه بعدَّة أدلَّة ، فإِذا نزلت السورةُ ، زادَتْ في أدلَّته ، وَوَجْهٌ آخر من وجوه الزيادة أنَّ الإِنسان ربَّما عرضه شكٌ يسيرٌ ، أو لاحَتْ له شبهة مشغِّبة ، فإِذا نزلَتِ السورة ، ارتَفَعَتْ تلك الشبهة ، وقَوِيَ إِيمانه وٱرتقَى ٱعتقاده عن معارَضَة الشبهاتِ ، { ٱلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ } : هم المنافقون ، و « الرجْسُ » ؛ في اللغة : يجيء بمعنى القَذَرِ ، ويجيء بمعنى العذاب ، وحالُ هؤلاء المنافقين هي قَذَرٌ ، وهي عذابٌ عاجلٌ ، كفيلٌ بآجِلٍ ، وإِذا تَجدَّد كفْرُهم بسورةٍ ، فقد زاد كُفْرهم ، فذلك زيادةُ رجْسٍ إِلى رِجْسهم . وقوله سبحانه : { أَوَلاَ يَرَوْنَ } يعني : المنافقين ، وقرأ حَمزة : « أَوَلاَ تَرَوْنَ » - بالتاء من فوق - ؛ على معنى : أولا تَرَوْنَ أيُّها المؤمنون ؛ { أَنَّهُمْ يُفْتَنُونَ } ، أي : يُخْتَبرُونَ ، وقرأ مجاهدٌ : « مَرْضَةً أَوْ مَرْضَتَيْنِ » ، والذي يظهر مما قبل الآية ، ومما بعدها أَنَّ الفتنة وٱلاختبار إِنما هي بكَشْفِ اللَّه أَسرارهم وإِفشائه عقائدهم ؛ إِذ يعلمون أنَّ ذلك مِنْ عند اللَّه ، وبهذا تقومُ الحُجَّة عليهم ، وأما ٱلاختبار بالمَرَضِ فهو في المؤمنين . وقوله سبحانه : { وَإِذَا مَا أُنزِلَتْ سُورَةٌ نَّظَرَ بَعْضُهُمْ } : المعنى : وإِذا ما أنزلَتْ سورةٌ فيها فضيحةُ أسرار المنافقين ، { نَّظَرَ بَعْضُهُمْ إِلَىٰ بَعْضٍ هَلْ يَرَاكُم مِّنْ أَحَدٍ } : أي : هلْ معكم مَنْ يَنْقُلُ عَنْكم ، هَلْ يراكم من أحدٍ حين تدبِّرون أموركم ، { ثُمَّ ٱنصَرَفُواْ } عَنْ طريق ٱلاهتداء ؛ وذلك أنهم وقْتَ كشْف أسرارهم والإِعلام بمغيِّبات أمورهم ، يقع لهم لا مَحَالة تَعَجُّب وتوقُّف ونَظَر ، فلو أريد بهم خَيْرٌ ، لكان ذلك الوَقْتُ مَظِنَّةَ ٱلاهتداءِ ، وقد تقدَّم بيانُ قوله : { صَرَفَ ٱللَّهُ قُلُوبَهُم } .