Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 9, Ayat: 55-57)

Tafsir: al-Ǧawāhir al-ḥisān fī tafsīr al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

وقوله سبحانه : { فَلاَ تُعْجِبْكَ أَمْوَٰلُهُمْ وَلاَ أَوْلَـٰدُهُمْ إِنَّمَا يُرِيدُ ٱللَّهُ لِيُعَذِّبَهُم بِهَا فِي ٱلْحَيَوٰةِ ٱلدُّنْيَا … } الآية : حقَّر في الآية شأْنَ المنافقين ، وعلَّل إِعطاء اللَّه لهم الأَمْوَالَ والأولاد ؛ بإِرادته تعذيبهم بها في الحياةِ الدنيا ، وفي الآخرة . قال ابنُ زَيْد وغيره : تعذيبُهم بها في الدُّنْيَا هو بمصائبها ورزايَاهَا ، هِيَ لهم عذابٌ ؛ إذ لا يُؤْجَرُونَ عليها ، ومِنْ ذلك قَهْرُ الشَّرعِ لهم على أداء الزكاةِ والحقوقِ والواجبات . قال الفَخْرُ : أمَّا كون كثرة الأموال والأولادِ سَبَباً للعذاب في الدنيَا ، فحاصَلٌ من وجوه : مِنْهَا : أن كلَّما كان حُبُّ الإِنسان للشيء أَشَدَّ وأقوَى ، كان حزنُهُ وتألُّم قلبِهِ علَى فراقه أعظَمَ وأصعَبَ ، ثم عند الموتِ يَعْظُمُ حزنه ، وتشتدُّ حسرته ، لمفارقته المحبوبَ ، فالمشغوفُ بحبِّ المال والولدِ لا يزالُ في تَعَبٍ ، فيحتاج في ٱكتسابِ الأموالِ وتحصيلها إِلى تعبٍ شديدٍ ومشقَّة عظيمةٍ ، ثم عند حصولِهَا يحتاجُ إِلى متاعِبَ أَشدَّ وأصعَبَ في حفظها وصونِها ؛ لأن حفظ المَالِ بَعْد حصوله أصْعَبُ من ٱكتسابه ، ثم إِنه لا ينتفع ، إِلاَّ بالقليلِ مِنْ تلك الأموال ، فالتعبُ كثيرٌ ، والنفعُ قليلٌ ، ثم قالَ : وٱعلم أنَّ الدنْيَا حلوةٌ خَضِرةٌ ، والحواسُّ الخمسُ مائلةٌ إِليها ، فإِذا كَثُرت وتوالَتْ ٱستغرقَتْ فيها ، وٱنصرَفَ الإِنسان بكلِّيته إِليها ، فيصير ذلك سبباً لحرمانه من ذكْرِ اللَّهِ ، ثم إِنه يحْصُلُ في قلبه نَوْعُ قسوةٍ وقوةٍ وقهْرٍ ، وكلَّما كان المال والجاهُ أَكثر ، كَانَتْ تلك القسوةُ أَقوَى ، وإِلى ذلك الإِشارةُ بقوله تعالى : { إِنَّ ٱلإِنسَـٰنَ لَيَطْغَىٰ * أَن رَّءَاهُ ٱسْتَغْنَىٰ } [ العلق : 6 ، 7 ] فظهر أن كثرة الأموال والأولاد سَبَبٌ قويٌّ في زوال حُبِّ اللَّه تعالى وحبِّ الآخرة مِنَ القَلْبِ ، وفي حصول الدنْيَا وشهواتِهَا في القَلْبِ وعنْدَ الموت ؛ كأَنَّ الإِنسان ينتقلُ من ٱلبسْتان إلى السِّجْن ، ومِنْ مجالسة الأقرباءِ والأحبَّة إِلَى موضعِ الغُرْبَة والكُرْبة ، فيعظُمُ تألمُّه ، ويقوَى حزنه ، ثم عند الحَشْر : حَلاَلُهَا حسابٌ ، وحرامُها عِقَابٌ ، فثبت أن كثرة الأمْوَالِ والأولادِ سَبَبٌ لحصولِ العَذَاب في الدُّنْيا والآخرة . انتهى . ثم أخبر سبحانه ؛ أنهم ليسوا مِنَ المؤمنين ، وإِنما هم يَفزَعُونَ مِنْهم ، والفَرَقُ : الخوف . وقوله سبحانه : { لَوْ يَجِدُونَ مَلْجَأً } : الملجأ مِنْ لَجَأَ يَلْجَأُ ، إِذا أَوَى وَٱعْتَصَمَ ، وقرأ الجمهور : « أَوْ مَغَارَاتٍ » - بفتح الميم - ، وهي الغيران في أعراض الجبالِ ، { أَوْ مُدَّخَلاً } ، معناه : السَّرَبُ والنَّفَقُ في الأرض ، وهو تفسير ابن عبَّاس في هذه الألفاظ ، وقرأ جمهور الناس : « يَجْمَحُونَ » : ومعناه يُسْرِعُون . قال الفَخْر : قوله : { وَهُمْ يَجْمَحُونَ } أي : يسرعون إِسراعاً لا يرد وجوههم شَيْء ، ومِنْ هذا يقال : جَمَعَ الفَرَسُ ، وفَرَسٌ جَمُوحٌ ، وهو الذي إِذا حَمَلَ ، لم يردَّه اللجَامُ ، انتهى .