Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 92, Ayat: 3-14)

Tafsir: al-Ǧawāhir al-ḥisān fī tafsīr al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

وقوله تعالى : { وَمَا خَلَقَ ٱلذَّكَرَ وَٱلأُنثَىٰ } يحتملُ أنْ تكونَ « ما » بمعنى : « الذي » ويحتملُ أَنْ تكونَ مصدريةً ، والذكرُ والأنثى هنا عامٌّ ، وقال الحسن : المرادُ آدمُ وحواء ، والسَّعْيُ العَمَلُ ، فأخبرَ تعالى مُقْسِماً أَنَّ أعمالَ العبادِ شَتَّى ، أي : مُفْتَرِقَةً جدًّا ؛ بعضُها في رِضَى اللَّهِ ، وبعضها في سَخَطِه ، ثم قَسَّم تعالى الساعينَ فقال : { فَأَمَّا مَنْ أَعْطَىٰ وَٱتَّقَىٰ } الآية ، ويُروى أن هذهِ الآيَة نزلتْ في أبي بكرٍ الصديقِ ـــ رضي اللَّه عنه ـــ . وقوله تعالى : { وَصَدَّقَ بِٱلْحُسْنَىٰ } قيل هي : لا إلٰه إلا اللَّه ، وقيل : هي الخَلَفُ الذي وَعَدَ اللَّه بهِ ، وقيل : هي الجنةُ ، وقال كثيرٌ من المتأولينَ : الحسنى : الأجرُ والثوابُ مُجْمَلاً ، والعُسْرَى : الحال السيئة في الدنيا والآخرة ، ومن جَعل { بَخِلَ } في المالِ خَاصَّةً ؛ جَعَلَ { ٱسْتَغْنَىٰ } في المالِ أيضاً ، لتَعْظُمَ المَذَمَّةُ ، ومَنْ جَعَلَ { بَخِلَ } عَامًّا في جَمِيعِ مَا يَنْبَغِي أن يبْذَلَ ، مِنْ قَولٍ أو فعلٍ ؛ قال : { ٱسْتَغْنَىٰ } عن اللَّهِ ورحمتهِ بِزَعْمِه ، وظاهرُ قولهِ : { وَمَا يُغْنِى عَنْهُ مَالُهُ } أَنَّ الإعطاءَ والبخلَ المذكورين إنما هما في المال . وقوله تعالى : { إِذَا تَرَدَّىٰ } ، قال قتادة وغيره : معناه تردَّى في جهنم . وقال مجاهد : { تَرَدَّىٰ } معناه : هَلَكَ من الردَّى ، وخَرَّج البخاريُّ وغيرُه عن علي ـــ رضي اللَّه عنه ـــ قال : " كُنَّا مع النبيِّ صلى الله عليه وسلم في بَقِيعِ الغَرْقَدِ في جِنَازَةٍ ، فقالَ : مَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ ، أوْ مَا مِنْ نَفْسٍ مَنْفُوسَةٍ إلاَّ وَقَدْ كُتِبَ مَكَانُهَا مِنَ الجَنَّةِ وَالنَّارِ ، وَإلاَّ قَدْ كُتِبَتْ شَقِيَّةً أَوْ سَعِيدَةً ، فَقَالُوا : يَا رَسُولَ اللَّه ، أفَلاَ نتَّكِلُ عَلَىٰ كِتَابِنَا ، وَنَدَعُ الْعَمَلَ ، فَمَنْ كَانَ مِنَّا مِنْ أَهْلِ السَّعَادَةِ ؛ فَسَيَصِيرُ إلَىٰ أَهْلِ السَّعَادَةِ ، وَمَنْ كَانَ مِنَّا مِنْ أَهْلِ الشَّقَاءِ ؛ فَسَيَصِيرُ إلَىٰ عَمَلِ أَهْلِ الشَّقَاءِ ؟ قال : أَمَّا أَهْلُ السَّعَادَةِ ، فَيُيَسَّرُونَ لِعَمَلِ أَهْلِ السَّعَادَةِ ، وَأَمَّا أَهْلُ الشَّقَاوَةِ ، فَيُيَسَّرُونَ لِعَمَلِ أَهْلِ الشَّقَاوَةِ ، ثُمَّ قَرَأَ : { فَأَمَّا مَنْ أَعْطَىٰ وَٱتَّقَىٰ * وَصَدَّقَ بِٱلْحُسْنَىٰ } إلى قوله : { لِلْعُسْرَىٰ } " وفي روايةٍ ، لَمَا قيلَ له : " أفَلاَ نتَّكِلُ عَلَىٰ كِتَابِنَا ، قال : لاَ ؛ بَلِ ٱعْمَلُوا فَكُلٌّ مُيَسَّرٌ لِمَا خُلِقَ لَهُ " الحديثَ ، وخرَّجه الترمذيُّ أيضاً ، انتهى ، قال ابنُ العربيِّ في « أحكامه » : " وسأَلَ شَابَّانِ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالاَ : العَملُ فِيما جَفَّتْ بهِ الأَقْلاَمُ وجَرَتْ بهِ المَقَادِيرُ أَمْ في شَيْءٍ مُسْتَأْنَفٍ ؟ فقال : بَلْ فِيمَا جَفَّتْ بِهِ الأَقْلاَمُ ، وجَرَتْ بِهِ المَقَادِيرُ ، قَالاَ : فَفِيمَ العَمَلُ إذَنْ : قَالَ : ٱعْمَلُوا ؛ فَكُلُّ مُيسَّر لِعَمَلِهِ الَّذِي خُلِقَ له قالا : فالآنَ نَجِدُّ ونَعْمَلُ " انتهى ، وقال قوم : معنى تَرَدَّىٰ ، أي : بأكْفَانِهِ مِنَ الرِّدَاءِ ؛ ومنه قول الشاعر : [ الطويل ] @ نُصِيبُكَ مِمَّا تَجْمَعُ الدَّهْرَ كُلَّهُ رَدَاءَانِ تُلْوَىٰ فِيهِمَا وَحَنُوطُ @@ ثم أخبر تعالى أن عليه هدى الناس جميعاً ، أي : تعريفَهم بالسُّبل كلِّها ، وليستْ هذه الهدايةُ بالإرشَادِ إلى الإيمان ، ولو كانَ ذلِك لَمْ يُوجَدْ كافرٌ ، قال البخاريُّ : « تَلَظَّى » : تُوَهَّجٌ وقال الثعلبيَّ : تَتَوقَّدُ ، وتتوهَّج ، انتهى .