Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 94, Ayat: 1-8)
Tafsir: al-Ǧawāhir al-ḥisān fī tafsīr al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
عَدَّدَ اللَّه تعالى على نبيه نِعَمَه عليه في أنْ شَرَحَ صدرَه للنبوَّةِ ، وهَيأَه لها ، وذَهَبَ الجمهورُ إلى أنَّ شَرْحَ الصدرِ المذكورِ إنما هو تنويرُه بالحكمةِ ، وتوسِيعُه لتلقي مَا يُوحى إليه ، وقال ابن عباس وجماعة : هذه إشارة إلى شَرْحِه بشَقِّ جبريلَ عنه في وقْتِ صِغَرهِ ، وفي وقْتِ الإسراء ؛ إذا التشريحُ شَقُّ اللحْمِ ، والوِزْرُ الذي وضعَهُ اللَّه عنه هو عند بعض المتأولين الثِّقَلُ الذي كان يجده صلى الله عليه وسلم في نفسهِ من أجل ما كانتْ قريشٌ فيه من عبادةِ الأصْنَامِ ؛ فَرَفَعَ اللَّهُ عنه ذلكَ الثِّقَلَ بنبوَّتِه وإرسالهِ ، وقال أبو عبيدةَ وغيره : المعنى : خَفَّفْنَا عنك أثقَال النبوَّةِ وأعنَّاكَ على الناسِ ، وقيل الوِزْرُ هنا : الذنوبُ ، نظيرَ قولهِ تعالى : { لِّيَغْفِرَ لَكَ ٱللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِن ذَنبِكَ } [ الفتح : 2 ] وقد تقدم بيانُه ، الثعلبيّ : وقيلَ : معناه : عَصَمْنَاكَ من احتمالِ الوِزْرِ ، انتهى . { وأنْقَضَ } معناه : جَعَلَهُ نَقْضاً ، أي : هَزيلاً ، من الثِّقَلِ ، قال عياض : ومعنى أَنْقَضَ ، أي : كَادَ يَنْقُضُه ، انتهى ، { وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ } أي نَوَّهْنَا باسمِك ، قال * ع * : ورفعُ الذكرِ نعمةٌ على الرسولِ وكذلكَ هُوَ جميلٌ حسنٌ للقائمينَ بأمورِ الناس ، وخمولُ الاسْمِ والذكرِ حَسَنٌ للمنفردِينَ للعبادة ، والمعنى في هذا : التَّعْدِيد : أَنَّا قد فعلنا جميعَ هذا بكَ ؛ فلا تَكْتَرِثْ بأذى قريشٍ ؛ فإن الذي فعلَ بكَ هذه النعمُ سَيُظَفِّرُكَ بهم ، قال عياض : ورَوَى أبو سَعِيدٍ الخدريُّ ؛ أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال : " أَتَانِي جِبْريلُ فَقَالَ ؛ إنَّ رَبِّي وَرَبَّكَ يَقُولُ : أَتَدْرِي كَيْفَ رَفَعْتُ ذِكْرَكَ ؟ قُلْتُ : اللَّهُ تَعَالَىٰ أَعْلَمُ ، قال : إذَا ذُكِرْتُ ذُكِرْتَ مَعِي " ، انتهى ، ثم قوَّى سُبْحَانه رجاءَه بقولهِ : { فَإِنَّ مَعَ ٱلْعُسْرِ يُسْراً } وكرَّر تعالى ذلكَ مبالغةً ، وذَهَبَ كثيرٌ من العلماءِ إلى أنَّ مع كلِّ عُسْرٍ يُسْرَيْنِ بهذه الآية ، من حيثُ إنَّ العُسْرَ مُعَرَّفٌ للعَهْدِ واليسْرُ مُنَكَّرٌ فالأولُ غَيْرُ الثاني ، وقَدْ جاء في هذا التأويلِ حديثٌ عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قَالَ : " لَنْ يَغْلِبَ عُسْرٌ يُسْرَيْنِ " ، ثم أمر تعالى نَبِيَّهُ إذا فَرَغَ مِن شُغْلِ مِنْ أَشْغَالِ النبوَّةِ والعبادةِ أن يَنْصَبَ في آخِرِه ، والنَّصَبُ : التعبُ ، والمعنى : أن يَدْأَبَ على مَا أُمِرَ به ولاَ يَفْتُرَ ، وقال ابنُ عباسٍ : إذا فَرغْتَ مِنْ فَرْضِكَ فَانْصَبْ في التَّنفُّلِ عبادةً لربك ، ونحوُه عن ابن مسعود وعن مجاهد : « فإذا فرغت من العبادةِ فانْصَبْ في الدعاء » . وَقَوْلُه تعالى : { وَإِلَىٰ رَبِّكَ فَٱرْغَبْ } : أمْرٌ بالتوكلِ على اللَّهِ ـــ عز وجل ـــ وصَرْفِ وُجُوهِ الرَّغَبَاتِ إليه لا إلى سواه .