Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 95, Ayat: 1-8)
Tafsir: al-Ǧawāhir al-ḥisān fī tafsīr al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قال ابن عباس وغيره : « والتينُ والزيتون » المقْسَمُ بهما هُما المعروفانِ ، وقال السهيلي : أقْسَمَ تعالى بطور تينا ، وطور زيتا ، وهما جبلانِ عند بيتِ المقدس ، وكذلك طور سيناء ، ويقال : إن سيناءَ هي الحجارةُ ، والطورُ عند أكثر الناسِ هو الجبلُ ، وقال الماورديُّ : ليس كلُّ جبلٍ يقال له : طورٌ إلا أنْ تكونَ فيه الأشجارُ والثمار ، وإلا فهو جَبَلٌ فقط ، انتهى ، { وَطُورِ سِينِينَ } جبلٌ بالشَّامِ ، و { ٱلْبَلَدِ ٱلأَمِينِ } مكةَ ، والقَسَمُ واقع على قوله تعالى : { لَقَدْ خَلَقْنَا ٱلإِنسَـٰنَ فِى أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ } [ أي : في أحسن تقويم ] ينبغي لَه ، وقال بعضُ العلماءِ بالعموم ، أي : الإنسانُ أحسنُ المخلوقَاتِ تقويماً ، ولَمْ يَرَ قومٌ الحِنْثَ على مَنْ حَلَفَ بالطلاقِ أنَّ زوجتَه أحسنُ من الشمس ؛ محتجين بهذهِ الآيةِ ، وحسْنُ التقويمِ يشملُ جميعَ محاسنِ الإنسانِ الظاهرةِ والباطنةِ ؛ من حسن صورتهِ ، وانتصابِ قامَتهِ ، وكمالِ عقلهِ ، وحسن تمييزِه ، والإنسانُ هنا اسمُ جنسٍ ، وتقديرُ الكلام : في تقويمِ أحسنَ تقويمٍ ؛ لأَن { أَحْسَنُ } صفةٌ لا بُدَّ أنْ تَجْرِي على موصوفٍ . { ثُمَّ رَدَدْنَـٰهُ أَسْفَلَ سَـٰفِلِينَ } قال قتادةُ وغيره : معناه بالهَرَم وذهولِ العقلِ وهذهِ عِبْرة منصوبةٌ ، وعبارةُ الثعلبيِّ : { فِى أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ } قيل : اعتدالهُ واستواءُ شبابهِ ، وهو أَحْسَنُ ما يكونُ ، { ثُمَّ رَدَدْنَـٰهُ أَسْفَلَ سَـٰفِلِينَ } بالهَرَمِ ؛ كما قال : { إِلَىٰ أَرْذَلِ ٱلْعُمُرِ } [ الحج : 5 ] ، والسافلونَ : الهَرْمَى والزَّمْنَى والذين حَبَسَهُم عذرُهم عن الجهادِ في عهد النبي صلى الله عليه وسلم ، فأنزَلَ اللَّه عُذرَهم وأخبرَهم أن لهم أجْرَهم الذي عَمِلُوا قبلَ أن تَذْهَبَ عقولهُم ، انتهى ، وفي البخاريّ عنه صلى الله عليه وسلم " إذا مَرِضَ العبدُ أو سَافرَ كتبَ اللَّه له مثلَ ما كانَ يعملُ مقيماً صحيحاً " وهكذا قال في الذين حَبَسَهُم العذرُ ، انتهى ، قال * ص * : { إِلاَّ ٱلَّذِينَ } قيلَ : منقطعٌ بناءً على أنَّ مَعْنَى { أَسْفَلَ سَـٰفِلِينَ } : بالهرَم وذهولِ العقْلِ ، وقيل متصلٌ بِنَاءً عَلى أَنَّ معْناه في النارِ على كفرِه ، انتهى ، قال * ع * : وفي حديثٍ عَنْ أنسٍ قال : قال رسولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم : " إذا بَلَغَ المؤْمِنُ خمسينَ سَنَةً خَفَّفَ اللَّه حِسَابَه ، فإذَا بَلَغَ سِتِّينَ ؛ رَزَقَه الإنَابَة إلَيه ، فإذَا بلغَ سبعين أحَبّه أهلُ السَّماءِ ، فَإذَا بلغ ثمانين كُتِبَتْ حَسَنَاتُه وتَجاوزَ اللَّهُ عن سيئاتِه ، فإذا بلغ تسعينَ غُفِرَتْ ذنُوبُه وشَفَعَ في أهْل بَيْتِه وكَانَ أسيرَ اللَّهِ في أرْضِه ، فإذا بلغَ مائةً وَلَمْ يَعْمَل شيئاً كُتِبَ له مثلُ مَا كان يَعْملُ في صحَّتِه ولم تُكْتَبْ عليه سيئة " ، وفي حديث : " إن المؤمنَ إذا رُدَّ إلى أرذل العمر كُتِبَ له خيرُ ما كانَ يعملُ في قوّتهِ " وذلكَ أجرٌ غير ممنون ، ثم قال سبحانه إلزامًا للحُجَّةِ وتوبيخاً للكافرِ : { فَمَا يُكَذِّبُكَ } أيها الإنسانُ ، أي : فما يَجْعَلُكَ أنْ تُكَذِّبَ بعدَ هذه الحجةِ بالدينِ ، وقال قتادة : المعنَى : فمن يكذِّبُكَ يا محمد ، فيما تُخْبِرُ به من الجزاءِ والحسابِ ، وهو الدينُ ، بَعْدَ هذه العبر ، ويحتملُ أنْ يريدَ بـ { ٱلدِّينِ } جميعَ دينه وشَرْعِه ، ، ورُوِيَ عن قتادة أن النبي صلى الله عليه وسلم كانَ إذا قَرَأَ { أَلَيْسَ ٱللَّهُ بِأَحْكَمِ ٱلْحَـٰكِمِينَ } قَال : بَلَى ؛ وأنَا عَلى ذَلِكَ مِنَ الشَّاهِدِينَ ، قالَ ابن العربي في « أحكامه » : رَوَى الترمذيُّ وغيرُهُ عن أبي هريرةَ ، أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم قالَ : " إذا قَرأَ أحدُكم { أَلَيْسَ ٱللَّهُ بِأَحْكَمِ ٱلْحَـٰكِمِينَ } فَلْيَقُلْ : بَلَىٰ ؛ وَأَنَا عَلَى ذَلِكَ مِنَ الشَّاهِدِين " ومِنْ رواية عبد اللَّه : " إذَا قرأَ أَحَدُكُمْ أَوْ سَمِعَ : { أَلَيْسَ ذَلِكَ بِقَـٰدِرٍ عَلَىٰ أَن يُحْيِىَ ٱلْمَوْتَىٰ } [ القيامة : 40 ] فَلْيقُلْ : بَلَىٰ " انتهى ، * ت * : وهذان الحديثانِ ، وإنْ كَانَ قَدْ ضعَّفُهما ابنُ العربيِّ فهما مما ينبغي ذكرُهما في فضائلِ الأعمالِ ، واللَّه الموفق بفضله وكرمه .