Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 97, Ayat: 1-5)
Tafsir: al-Ǧawāhir al-ḥisān fī tafsīr al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قَوْلُه تَعَالَى : { إِنَّا أَنزَلْنَـٰهُ } الضميرُ في { أَنزَلْنَـٰهُ } للقرآن قَال الشعبيُّ وغيرُه : المعْنَى : إنا ابتدأْنا إنزالَ هذا القرآن إليكَ في ليلة القدر ، وقد رُوِيَ : أن نزولَ المَلَكِ في حِراءٍ كَانَ في العشر الأواخِر من رمضان ، فيستقيمُ هذا التأويل وقالَ ابنُ عباسٍ وغيرُه : أَنزَلَه اللَّه تعالى ليلةَ القدرِ إلى سماءِ الدُّنْيَا جملةً ، ثم نَجَّمَه على محمدٍ صلى الله عليه وسلم عِشْرِينَ سنةً ، وليلةُ القدرِ خَصَّها اللَّهُ تعالى بِفَضْلٍ عَظِيمٍ ، وَجَعَلَها أفْضَل مِنْ ألْفِ شهرٍ لاَ لَيْلَةَ قَدْرٍ فِيها ؛ قاله مجاهدٌ وغيرُهُ ، وخُصَّتْ هذه الأُمَّةُ بهذه الفضيلةِ لَمَّا رأى النبي صلى الله عليه وسلم أعمارَ أُمَّتِه وتَقَاصُرَهَا وَخُشِيَ أَلاَّ يَبْلُغُوا مِنَ الأَعْمَالِ مِثْلَ الَّذِي بَلَغَ غَيْرُهُمْ في طُولِ العُمُرِ ، فَأَعْطَاهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ لَيْلَةَ القَدْرِ خَيْراً مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ ، قال ابن العربيِّ في « أحكامه » : وقد روى مالكٌ هذَا الحديثَ في « المُوَطَّأ » ؛ ثَبَتَ ذلكَ مِنْ روايةِ ابنِ القَاسمِ وغيره ، انتهى ، ثم فَخَّمَها سبحانَه بقوله : { وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ ٱلْقَدْرِ } قال ابن عيينة في « صحيح البخاري » : ما كانَ في القرآن : { وَمَا أَدْرَاكَ } فَقَدْ أعْلَمَه ، وَمَا قالَ : { وَمَا يُدْرِيكَ } فإنَّه لَمْ يُعْلِمْهُ ، وذكر ابن عبَّاس وغيره : أنها سُمِّيَتْ ليلةَ القَدْرِ ؛ لأنّ اللَّهَ تعالى يُقَدِّرُ فيها الآجالَ والأرزاقَ وحوادثَ العامِ كلِّها ، ويدفَعُ ذلك إلى الملائِكَة لتَمْتَثِلَه ، قال * ع * : وليلةُ القَدْرِ مستديرةٌ في أوتارِ العَشْرِ الأَواخِرِ من رمضانَ ؛ هذا هو الصحيحُ المُعَوَّلُ عليه ، وهي في الأوْتَارِ بحسْبِ الكَمال والنقصان في الشَّهْرِ ، فينبغي لمرتَقِبها أن يَرْتَقِبَها مِنْ ليلةِ عشرينَ في كل ليلةٍ إلى آخر الشهر ، وصحَّ عن [ أُبيِّ بن ] كعب وغيرِه : أَنها ليلةُ سَبْعٍ وعشرينَ ، ثم أخْبَر تعالى أن ليلةَ القَدْرِ خيرٌ مِن ألف شَهر وهي ثَمانُونَ سَنَةً وثَلاَثَةُ أَعْوَامٍ وثُلُثُ عامٍ ، وفي الصحيحِ عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم : " مَنْ قَامَ لَيْلَةَ الْقَدْرِ إيمَاناً وَٱحْتِسَاباً غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ " { وَٱلرُّوحُ } : هو جِبْرِيلُ ـــ عليه السلامُ ـــ وقيل هو صِنْفٌ حَفَظَةٌ لِلْمَلاَئِكَةِ ، قال الفخر : وذكروا في الرُّوح أقوالاً : أَحدُها : أنه ملَكٌ عظيم لو الْتَقَمَ السموات والأَرْضَ كانَ ذلكَ لَه لُقْمةً وَاحِدَةً ، وقِيلَ : الرُّوحُ : طَائِفةٌ من الملائِكَةِ لاَ يَراهُمُ المَلاَئِكَةُ إلا ليلةَ القَدْرِ ، كالزُّهَادِ الذين لا نَراهم إلا يَوْم العِيد ، وقيل : خَلْقٌ مِنْ خَلْقِ اللَّهِ يأكُلُون [ وَيَشْرَبُونَ ] وَيَلْبَسُون لَيْسُوا من الملائِكَةِ ولا من الإنْسِ ولعلهم خَدَمُ أَهْلِ الجَنَّةِ ، وقيل : الروحُ أشْرَفُ الملائِكَةِ ، وقال ابن أبي نجيح ؛ الروحُ همُ الحفَظَةُ الكرامُ الكاتِبُونَ والأصَح أنَّ الروحَ هاهنا هو جبريلُ ، وتخصيصُه بالذكر لزِيَادَةِ شرفِه ، انتهى . وقوله تعالى : { بِإِذْنِ رَبِّهِم مِّن كُلِّ أَمْرٍ } الثعلبيُّ أي : بكل أمْرٍ قدَّرَه اللَّهُ وقضاه في تلكَ السنةِ إلى قَابِل ؛ قاله ابن عباس ، ثم تبتدىء فتقولُ : { سَلَـٰمٌ هِىَ } ويحتملُ أن يريدَ مِنْ كل فِتْنَةٍ سَلاَمَةٌ ، انتهى ، قال * ع * : وعلى التأويلِ الأولِ ، يَجِيءُ { سَلَـٰمٌ } خَبَرَ ابتداءٍ مستأنَفًا ، أي : سلامٌ هي هذه الليلةُ إلى أول يومِها ، ثم ذكرَ ما تقدَم ، وقال الشعبيُّ ومنصور : { سَلَـٰمٌ } بمعنى : التَّحِيَّةِ أي : تُسَلّمُ الملائكةُ على المؤمِنينَ .