Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 98, Ayat: 1-8)

Tafsir: al-Ǧawāhir al-ḥisān fī tafsīr al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

[ قوله تعالى : { لَمْ يَكُنِ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ } ] وفي حرف ابن مسعودٍ : « لَمْ يَكُنِ المُشْرِكُونَ وَأَهْلُ الكِتَابِ مُنْفَكِّينَ » . وقوله تعالى : { مُنْفَكِّينَ } معناه : مُنْفَصِلِينَ متفرقينَ ، تقول : انْفَكَّ الشيءُ عن الشيء ؛ إذا انفصلَ عنه ، وأمَّا انفك التي هي مِنْ أخواتِ « كَانَ » فلا مَدْخَلَ لَها هنا ، قال مجاهد وغيره : لَمْ يَكُونُوا مُنْفَكِّينَ عن الكفرِ والضلالِ حتى جَاءَتْهُم البينةُ ، وأوقَعَ المستقبلَ موقِعَ الماضي في تأتيهم ، والبيناتُ : محمَّد صلى الله عليه وسلم وشرْعُهُ ، قال الثعلبيُّ : { وَٱلْمُشْرِكِينَ } يعني : من العربِ وهم عَبَدةُ الأوثانِ ، انتهى ، وقال الفراء وغيره : لم يكونوا منفكِّينَ عَنْ معرفةِ صحةِ نبوةِ محمدٍ صلى الله عليه وسلم والتَّوَكُّفِ لأمره حتى جاءتهم البينةُ فَتَفَرَّقُوا عند ذلك ، ويتَّجِهُ في معنى الآيةِ قولٌ ثالثٌ بارعُ المعنى ؛ وذلك أَنْ يكونَ المرادُ : لَمْ يَكُنْ هؤلاءِ القومُ منفكينَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ وَنَظَرِهِ لَهُمْ حَتَّى يبعثَ إليهمْ رَسُولاً ؛ تقومُ عليهم به الحجةُ ، وتتمُّ عَلى مَنْ آمن بهِ النعمةُ فكأَنَّه قَالَ : ما كانوا لِيُتْرَكُوا سُدًى ، والصحفُ المطهَّرة : القرآنُ في صحفهِ ؛ قاله قتادة والضحاك ، وقال الحسن : الصحفُ المطهَّرة في السماءِ ، { فِيهَا كُتُبٌ } أي : أحكامُ كتبٍ ، و { قَيِّمَةٌ } معناه قَائِمة معتدلَة آخذةٌ للناسِ بالعَدْلِ ، ثُمَّ ذَمّ تعالى أهْلَ الكتابِ في أنّهم لم يَتَفَرَّقُوا في أمْرِ محمد صلى الله عليه وسلم إلا مِنْ بَعْدِ مَا رَأَوُا الآياتِ الواضحةَ ؛ وكانوا مِنْ قَبْلُ مُتَّفِقِينَ على نُبُوَّتهِ وصفتهِ ، و { حُنَفَاءَ } : جَمْعُ حنيفٍ وهو المستقيمُ ، وذِكْر الزكاةِ مَعَ ذِكْرِ بَنِي إسرائيل يُقَوِّي قَوْلَ من قَال : السورةُ مدنيةٌ ؛ لأنَّ الزكاةَ إنما فُرِضَتْ بالمدينةِ ، ولأَنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم إنَّما دُفِعَ إلى مناقَضَةِ أهْلِ الكتَابِ بالمدينةِ ، وقرأ الجمهور : « وذلك دين القيمة » على معنى الجماعة والفِرْقَةِ القيمة ، وقال * ص * : قراءة الجمهور : « وذلك دين القيمة » على تقديرِ الأمَّةِ القَيِّمَةِ ؛ أي : المستقيمةِ أو الكتُب القيمةِ ، وقرأ عبد اللَّه : « وذَلِكَ الدِّينُ القَيِّمَةُ » بتعريفِ الدِّينِ ورَفْعِ القيمة صفةً ، والهاءُ فيه للمبالغَةِ أو عَلى تأويلِ أنَّ الدِّينَ بمعنى الملَّة ، انتهى ، و { ٱلْبَرِيَّةِ } جميعُ الخَلْقِ ؛ لأن اللَّه تعالى براهُم أي : أوْجَدَهُمْ بَعْدَ العَدَم . وقوله تعالى : { رَّضِىَ ٱللَّهُ عَنْهُمْ } قِيْلَ ذلك في الدنيا ؛ فَرِضاه عنهم هو ما أظْهَرَه عليهم من أمَارَاتِ رحمتهِ ، ورضاهُم عنه ؛ هو رضَاهم بجميعِ مَا قَسَمَ لَهم من جميعِ الأرزاقِ والأقدارِ ، وقال بعضُ الصالحين : رَضَى العبادِ عن اللَّهِ رِضَاهُمْ بِما يَرِدُ من أحكامِه ، ورِضَاه عنهم أن يُوَفِّقَهُمْ للرِّضَى عَنْهُ ، وقال سري السقطي : إذَا كُنْتَ لاَ تَرْضَى عَنِ اللَّهِ فكَيْفَ تَطْلُبُ منْه أنْ يَرْضَى عَنْكَ ، وقيل ذَلِكَ في الآخِرَةِ ، وخَصَّ تعالى بالذكرِ أهْلَ الخَشْيَةِ ؛ لأنها رأْسُ كلِّ بَرَكَةٍ وهيَ الآمِرَةُ بالمعروفِ والناهِيَةُ عن المنكرِ .