Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 10, Ayat: 1-1)
Tafsir: al-Lubāb fī ʿulūm al-kitāb
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله : بسم الله الرحمن الرحيم " الۤر " تقدم الكلامُ على الحروف المقطعة في أول الكتاب ، واختلافُ القُرَّاء في إمالة هذه الحروف إذا كان في آخرها ألفٌ ، وهي : را ، وطا ، وها ، ويا ، وحا . فأمال " را " من جميع سورها إمالة محضة الكوفيون إلا حفصاً ، وأبو عمرو وابن عامر . وأما الأخوان وأبو بكر " طا " من جميع سورها نحو : { طسۤ } [ النمل : 1 ] ، { طسۤمۤ } [ الشعراء : 1 ] ، { طه } [ طه : 1 ] ، و " يا " من " يس " ، وافقهم ابنُ عامر ، والسوسي على " يا " من { كۤهيعۤصۤ } [ مريم : 1 ] ، بخلاف عن السوسي . وأمال الأخوان وأبو عمر ، وورش ، وأبو بكر " ها " من " طه " ، وكذلك أمالها من " كهيعص " أبو عمرو ، والكسائي ، وأبو بكر دون حمزة وورش . وأمال أبو عمرو ، وورش ، والأخوان ، وأبو بكر ، وابن ذكوان " حا " من جميع سورها السبع [ غافر : 1 ] . إلاَّ أن أبا عمرو ، وورشاً يميلان بين بين ، وللقرَّاء في هذا عملٌ كثير مذكورٌ في كتب القراءات ، وكلُّها لغات صحيحةٌ . قال الواحدي : " الأصلُ ترك الإمالة في هذه الكلمات نحو " مَا " و " لا " ؛ لأن ألفاتها ليست منقلبة عن الياء ، وأمَّا من أمال فلأنَّ هذه الألفاظ أسماء للحروف المخصُوصة ، فقصد بذكر الإمالة التَّنبيه على أنَّها أسماء لا حروف " . فصل اتفقوا على أنَّ قوله " الر " وحده ليس آية ، واتفقوا على أنَّ قوله " طه " وحده آية ، والفرق أن قوله " الر " لا يشاكل مقاطع الآي التي بعده ، بخلاف قوله " طه " فإنه يشاكل مقاطع الآي التي بعده . قال ابن عبَّاس والضحاك : " الر " معناه : أنا الله أرى ، وقيل : أنا الربُّ لا ربَّ غيري . وقال سعيد بن جبير : " الر " و " حم " و " ن " حروف اسم الرحمن مُفرقة ، ورواه أيضاً يزيد عن عكرمة عن ابن عبَّاس . قال الرَّاوي : فحدَّثت به الأعمش فقال : " عندك أشباه هذا ولا تخبرني به " . قوله : { تِلْكَ آيَاتُ ٱلْكِتَابِ } " تلك " يحتمل أن تكون إشارة إلى آيات هذه السورة ، وأن تكون إشارة إلى ما تقدَّم هذه السورة من آيات القرآن ، لأن " تلك " إشارة إلى غائبٍ مؤنَّث ، وقيل : " تلك " بمعنى " هذه " أي : هذه آياتٌ ، ومنه قول الأعشى : [ الخفيف ] @ 2862 - تِلْكَ خَيْلِي منهُ وتِلْكَ رِكابِي هُنَّ صُفْرٌ أولادُهَا كالزَّبيبِ @@ أي : هذه خَيْلِي ، وهذه رِكَابِي . " والكتاب " : يحتمل أن يكون المراد به القرآن ، ويحتمل أن يراد به الكتاب المخزون المكنون عند الله تعالى الذي نسخ منه كل كتاب ، لقوله : { إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ فِي كِتَابٍ مَّكْنُونٍ } [ الواقعة : 77 ، 78 ] ، وقوله : { وَإِنَّهُ فِيۤ أُمِّ ٱلْكِتَابِ لَدَيْنَا } [ الزخرف : 4 ] ، وقوله : { وَعِندَهُ أُمُّ ٱلْكِتَابِ } [ الرعد : 39 ] . وقيل : المراد من " الكتابِ الحكيمِ " : التوراة والإنجيل ، والتقدير : إنَّ الآيات المذكورة في هذه السُّورة هي الآيات المذكورة في التوراة والإنجيل ، والمعنى : إنَّ القصص المذكُورة في هذه السُّورة موافقة للقصص المذكورة في التوراة والإنجيل ، فحصول هذه الموافقة في هذه السورة موافقة للقصص لا يمكن إلا إذا خص الله محمداً بإنزال الوحي عليه ، وقال أبُو مسلم : قوله " تِلْكَ " إشارة إلى حروف التهجِّي ، فقوله : { الۤر تِلْكَ آيَاتُ ٱلْكِتَابِ } يعني : أنَّ هذه الحروف هي الأشياء التي جعلت آيات وعلامات لهذا الكتاب الذي وقع به التَّحدِّي ، فلولا امتياز هذا الكتاب عن كلام النَّاسِ بالوصف المعجز ، وإلا لكان اختصاصُه بهذا النظم دون سائر النَّاس القادرين على التَّلفُّظ بهذه الحروف محالاً . قوله : " ٱلْحَكِيمِ " قيل : ذُو الحكمة ، بمعنى اشتمال الكتاب على الحكمة . وقيل : وصف الكتاب بصفة من تكلم به ؛ كقول الأعشى : [ الكامل ] @ 2863 - وغريبةٍ تَأتِي المُلُوكَ حَكيمَةٍ قَدْ قُلْتُهَا ليُقالَ : مَنْ ذَا قالهَا ؟ @@ فيكون " فعيل " بمعنى " مُفْعَلٍ " . وقال الأكثرون : " الحَكِيم " بمعنى الحاكم ، " فعيل " بمعنى " فاعل " ؛ لقوله تعالى { وَأَنزَلَ مَعَهُمُ ٱلْكِتَابَ بِٱلْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ ٱلنَّاسِ } [ البقرة : 213 ] وقيل : بمعنى : المُحْكَم ، " فَعِيل " بمعنى " مُفْعَل " ، أي : محكم ، والمحكم معناه : المنع من الفساد ، فيكون المعنى : لا تُغَيِّرهُ الدُّهور ، والمراد : براءته عن الكذب والتناقض . وقال الحسن " حكم فيه بالعدل والإحسان ، وإيتاء ذي القُربى ونهى عن الفحشاء والمنكر والبغي ، وحكم فيه بالجنَّة لمنْ أطاعهُ ، وبالنَّار لمن عصاه " . فعلى هذا " الحَكيم " يكون بمعنى المحكُوم فيه . وقيل : " الحَكِيم " في أصل اللغة : عبارة عن الذي يفعل الحِكْمَة والصواب ، فمن حيث إنَّه يدل على هذه المعاني صار كأنَّه هُوَ الحكيم في نفسه .