Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 11, Ayat: 100-102)
Tafsir: al-Lubāb fī ʿulūm al-kitāb
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله : { ذَلِكَ مِنْ أَنْبَآءِ ٱلْقُرَىٰ نَقُصُّهُ } الآية . " ذلك " إشارة إلى الغائبِ ، والمرادُ منه ههنا الإشارة إلى القصص المتقدمة ، وهي حاضرة إلاَّ أنَّ الجواب عنه تقدَّم في قوله : { ذَلِكَ ٱلْكِتَابُ لاَ رَيْبَ فِيهِ } [ البقرة : 2 ] . ولفظ " ذلك " إشارة إلى الواحد والجماعة ، كقوله : { لاَّ فَارِضٌ وَلاَ بِكْرٌ عَوَانٌ بَيْنَ ذٰلِكَ } [ البقرة : 68 ] . ويحتمل أن يكون ذلك الذي ذكرناهُ هو كذا وكذا . قال الزمخشريُّ : " ذلك " مبتدأ ، و " نقُصُّهُ عليْكَ " خبرٌ بعد خبر ، أي ذلك المذكور بعض أنباء القرى مقصوص عليك وقال شهابُ الدِّين : يجُوزُ أن يكون " نَقُصُّه " خبراً و " مِنْ أنباء " حال ، ويجوزُ العكسُ ، قيل : وثمَّ مضافٌ محذوف ، أي من أنباءِ أهل القرى ، ولذلك أعاد الضمير عليهم في قوله : " ومَا ظَلمْنَاهُم " . ثم قال : ويجُوزُ في " ذلك " أوجه : أحدهما : أنَّه مبتدأ كما تقدم [ هود : 49 ] . والثاني : أنَّهُ منصوبٌ بفعلٍ مقدر يفسِّره " نَقُصُّه " فهو من باب الاشتغال ، أي : نقُصُّ ذلك في حال كونه من أنباء القرى ، وقد تقدَّم في قوله : { ذٰلِكَ مِنْ أَنَبَآءِ ٱلْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيكَ } [ يوسف : 44 ] أوجه ، وهي عائدةٌ هنا . قوله : { مِنْهَا قَآئِمٌ وَحَصِيدٌ } " حصيدٌ " مبتدأ محذوفُ الخبر ، لدلالة خبر الأوَّلِ عليه ، أي : ومنها حصيد ، وهذا لضرورة المعنى . و " الحَصِيدُ " بمعنى المحصودِ ، وجمعه : حَصْدَى وحِصَادٌ مثل : مريضٌ ومَرْضَى ومِرَاضٌ ، وهذا قول الأخفشِ ، ولكن باب " فَعِيل " ، و " فَعْلَى " أن يكون في العقلاء ؛ نحو : قَتِيل وقَتْلَى . والضميرُ في " مِنْهَا " عائدٌ على القرى ، شبه ما بقي من آثار القرى وجدرانها بالزرع القائم على ساقة ، وما عفا منها وبطل بالحصيد . والمعنى : أنَّ تلك القرى بعضها بقي منه شيء وبعضها هلك وما بقي منه أثر ألبتَّة . قال بعضُ المفسرين : القائمُ : العامر ، والحصيدُ : الخرابُ : وقيل : القائمُ ما بقيت حيطانه ، وسقطت سقوفه ، وحصيد : انمحى أثره . وقال مقاتلٌ : قائم يرى له أثر ، وحصيد لا يرى له أثر . ثم قال : " وَمَا ظَلمْنَاهُم " بالعذاب والإهلاك : { وَلَـٰكِن ظَلَمُوۤاْ أَنفُسَهُمْ } بالكُفْرِ والمعصية وقيل : الذي نزل بالقوم ليس بظلم من الله ، بل هو عدلٌ وحكمةٌ ؛ لأنَّ القوم أولاً ظلموا أنفسهم بإقدامهم على الكفر والمعاصي ، فاستوجبوا بتلك الأعمالِ من الله العذاب . وقال ابن عباس : وما نقصناهم في الدنيا من النعم والرزق ، ولكن نُقِصُوا حظ أنفسهم حيثُ استخفُّوا بحقوقِ الله تعالى . { فَمَآ أَغْنَتْ عَنْهُمْ آلِهَتُهُمُ ٱلَّتِي يَدْعُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ مِن شَيْءٍ } أي : ما نفعتهم تلك الآلهة في شيء ألبتة . قوله : { لَّمَّا جَآءَ أَمْرُ رَبِّكَ } أي : عذاب ربك . قال الزمخشريُّ : " لمَّا " منصوب بـ " أغْنَتْ " وهو بناءً منه على أنَّ " لمَّا " ظرفية . والظَّاهر أنَّ " مَا " نافية ، أي : لم تُغْن . ويجوز أن تكون استفهاميةً ، و " يَدْعُونَ " حكاية حال ، أي : التي كانُوا يدعُون ، و " مَا زادُوهُمْ " الضَّميرُ المرفوع للأصنام ، والمنصوبُ لعبدتها وعبَّر عنهم بواو العقلاء ؛ لأنهم نزَّلُوهم منزلتهم . والتَّتبِيْبُ : التَّخسيرُ ، يقالُ : تبَّ الرجلُ غيره إذا أوقعه في الخسرانِ . يقال تَبَّبَ غيره وتبَّ هو بنفسه ، فيستعمل لازماً ومتعدياً ، ومنه { تَبَّتْ يدا أبِي لهبٍ وتبَّ } [ المسد : 1 ] وتَبَّبْتُهُ تَتْبِيباً ، أي : خسَّرته تَخْسِيراً قال لبيدٌ : @ 3015 - ولقَدْ بَلِيتُ وكُلُّ صاحبِ جدَّةٍ لِبِلًى يعُودُ وذاكُمُ التَّتْبِيبُ @@ وقيل : التَّتْبيب : التَّدْمير . والمعنى : أنَّ الكفار يعتقدون في الأصنام أنها تنفعُ وتدفع المضار ، ثم أخبر أنَّهُم عند الحاجِة إلى المُعينِ ما وجدُوا فيها شيئاً لا جلب نفعٍ ، ولا دفع ضرٍر ، وإنَّما وجدُوا ضدَّ ذلك ، وهذا أعظم الخسران . قوله : " وَكَذٰلِكَ " خبرٌ مقدَّم ، و " أخْذُ " مبتدأ مؤخر ، والتقدير : ومثلُ ذلك الأخْذِ أي : أخْذِ الله الأمم السَّالفة أخذُ ربك . و " إذا " ظرفُ متمحِّض ، ناصبه المصدر قبله ، وهو قريبٌ من حكاية الحالِ ، والمسألةُ من بابِ التنازع فإنَّ الأخذ يطلب " القُرَى " ، و " أخْذ " الفعل أيضاً يطلبها ، وتكون المسألةُ من إعمال الثاني للحذف من الأوَّلِ . وقرأ عاصمٌ وأبو رجاء والجحدريُّ " أَخَذَ ربك ، إذا أخذَ " جعلهُما فعلين ماضيين ، و " رَبُّك " فاعل وقرأ طلحةُ بن مصرف كذلك إلاَّ أنَّهُ بـ " إذَا " . قال ابن عطيَّة وهي قراءةٌ متمكنة المعنى ، ولكن قراءة الجماعةِ تُعْطِي الوعيد ، واستمراره في الزَّمانِ ، وهوالباب في وضع المستقبل موضع الماضي . وقوله : " وهِيَ ظالمةٌ " جملةٌ حاليّة . والضميرُ في " وهِيَ ظالمةٌ " عائد إلى القُرَى ، وهو في الحقيقة عائد إلى أهلها ، كقوله : { وَكَمْ قَصَمْنَا مِن قَرْيَةٍ كَانَتْ ظَالِمَةً } [ الأنبياء : 11 ] { وَكَمْ أَهْلَكْنَا مِن قَرْيَةٍ بَطِرَتْ مَعِيشَتَهَا } [ القصص : 58 ] . ثم لمَّا بيَّن كيفية أخذ الأمم الظَّالمة أكَّده بقوله : { إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ } فوصف ذلك العذاب بالإيلامِ وبالشدَّةِ .