Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 113, Ayat: 1-5)

Tafsir: al-Lubāb fī ʿulūm al-kitāb

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله تعالى : { قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ ٱلْفَلَقِ } . هذه السورة ، وسورة " النَّاس " ، و " الإخلاص " نزلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم حين سحرته اليهود ، وزعم ابن مسعود أنهما دعاء ، وليستا من القرآن ، وخالف به الإجماع من الصحابة ، وأهل البيت . قال ابن قتيبة : لم يكتب عبد الله بن مسعود في مصحفه المعوِّذتين ؛ لأنه كان يسمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يعوذ الحسن والحسين بهما ، فقدر أنهما بمنزلة : " أعوذُ بكَلمَاتِ اللهِ التَّامَّاتِ من كُلِّ شيطانٍ وهَامَّةٍ ، ومِنْ كُلِّ عَيْنٍ لامَّةٍ " . قال ابن الأنباري : وهذا مردود على ابن قتيبة ؛ لأن المعوذتين من كلام ربِّ العالمين ؛ المعجز لجميع المخلوقين ، و " أعِيذُكما بِكَلِمَاتِ اللهِ التَّامةِ " من قول البشر ، وكلام الخالق الذي هو آية ، وحجة لمحمد صلى الله عليه وسلم على جميع الكافرين ، لا يلتبس بكلام الأدميين على مثل عبد الله بن مسعود ، الفصيح اللسان ، العالم باللغة العارف بأجناس الكلام . وقال بعضُ الناس : لم يكتب عبد الله المعوذتين ؛ لأنه من أمن عليهما من النسيان ، فأسقطهما وهو يحفظهما كما أسقط فاتحة الكتاب من مصحفه ، وما يشك في إتقانه ، وحفظه لهما ، ورد هذا القول على قائله ، واحتج عليه بأنه قد كتب : { إِذَا جَآءَ نَصْرُ ٱللَّهِ وَٱلْفَتْحُ } [ النصر : 1 ] و { إِنَّآ أَعْطَيْنَاكَ ٱلْكَوْثَرَ } [ الكوثر : 1 ] و { قُلْ هُوَ ٱللَّهُ أَحَدٌ } [ الاخلاص : 1 ] وهن يجرين مجرى المعوذتين في أنهن غير طوال ، والحفظ إليهن أسرع ، والنسيان مأمون ، وكلهن يخالف فاتحة الكتاب ؛ إذ الصلاة لا تتم إلا بقراءتها ، وسبيل كل ركعة أن تكون المقدمة فيها قبل ما يقرأ من بعدها ، فإسقاط فاتحة الكتاب من المصحف على معنى الثقة ببقاء حفظها ، والأمن من نسيانها ، صحيح ، وليس من السور في هذا المعنى مجراها ، ولا يسلك به طريقها . فصل في تفسير السورة تقدم الكلام على الاستعاذة ، و " الفلقُ " : هو الصبح ، وهو فعل بمعنى مفعول ، أي : مفلوق ، وفي الحديث : " الرُّؤيَا مثلُ فلقِ الصُّبْحِ " . قال الشاعر : [ البسيط ] @ 5360 - يَـا ليْلَـةً لَـمْ أنمْهَـا بِـتُّ مُرتفـقـاً أرْعَى النُّجُومَ إلـى أن نَـوَّرَ الفلـقُ @@ وقال ذو الرمة يصف الثور الوحشي : [ البسيط ] @ 5361 - حتَّى إذَا ما انْجَلَى عَنْ وجْههِ فلقٌ هَاديهِ فِي أخريَاتِ اللَّيْلِ مُنتَصِبُ @@ يعني بالفلق هنا : الصبح بعينه . وقيل : الفلق : الجبال ، والصخور ، تنفلق بالمياه ، أي : تتشقق وقيل : هو التفليق بين الجبال ، لأنها تنشق من خوف الله تعالى . قال زهير : [ البسيط ] @ 5362 - مَا زِلتُ أرْمُقهُـمْ حتَّى إذَا هَبطَـتْ أيْدِي الرِّكـابِ بِهِمْ من راكِسٍ فَلقَا @@ والراكس : بطن الوادي . وكذلك هو في قول النابغة : [ الطويل ] @ 5363 - … أتَانِي ودُونِي رَاكِسٌ فالضَـواجِـعُ @@ والراكس أيضاً : الهادي ، وهو الثور وسط البيدرِ تدور عليه الثيران في الدِّياسة . وقيل : الرحم تنفلق بالحيوان . وقيل : إنه كل ما انفلق عن جميع ما خلق من الحيوان ، والصبح ، والحب ، والنوى وكل شيء من نبات وغيره . قاله الحسن وغيره . قال الضحاك : الفلق : الخلق كله ، قال : [ الرجز ] @ 5364 - وسْوَسَ يَدْعُو مُخْلِصاً ربِّ الفَلق سِـرَّا وقَدْ أوَّنَ تَأويـن العَـقَـقْ @@ قال القرطبيُّ : " وهذا القول يشهد له الاشتقاقُ ، فإن الفلق : الشَّق ، يقال : فلقت الشيء فلقاً ، أي : شققته ، والتفليق مثله ، يقال : فلقته فانفلق وتفلق ، فكل ما انفلق عن شيء من حيوان وصبح وحب ونوى وماء فهو فلق : قال تعالى : { فَالِقُ ٱلإِصْبَاحِ } [ الأنعام : 96 ] وقال - عز وجل - : { فَالِقُ ٱلْحَبِّ وَٱلنَّوَىٰ } [ الأنعام : 95 ] . [ والفلق مقطرة السمّان ، فأما الفِلق بالكسر فهو الداهية ، والأمر العجيب يقال منه : أفلق الرجل وافتلق ، وشاعر مفلق ، وقد جاء بالفلق ؛ قال الشاعر : [ الرجز ] @ 5365 - واعجَبَـاً لِهَـذِهِ الفَليقـهْ هَـلْ يُذْهِبَـنَّ القُوَبَـاءَ الريقَـهْ @@ والفِلْقُ أيضاً : القضيب يشق باثنين ، فيعمل منه قوسان ، يقال لكل منهما : فِلْق ، وقولهم : جاء بعُلق فلق وهي الداهيةِ ، يقال منه أعلقت وأفلقت . أي جئت بعُلق فلق ، ومر يفتلق في عدوه أي بالعجب من شدته ] . قوله : { مِن شَرِّ مَا خَلَقَ } ، متعلق بـ " أعوذ " ، والعامة : على إضافة " شرِّ " إلى " ما " ، وقرأ عمرو بن فايد : " مِنْ شرِّ " بالتنوين . وقال ابن عطية : وقرأ عمرو بن عبيد وبعض المعتزلة الذين يرون أن الله لم يخلق الشَّر : " مِنْ شرِّ " بالتنوين ، " مَا خلقَ " على النفي وهي قراءةٌ مردودةٌ مبنيةٌ على مذهب باطل انتهى . ولا يتعين أن تكون " ما " نافية ، بل يجوز أن تكون موصولة بدلاً من " شرِّ " على حذف مضاف ، أي : من شر شر ما خلق ، عمم أولاً ، ثم خصص ثانياً . وقال أبو البقاء : و " ما " على هذا بدل من " شر " ، أو زائدة ، ولا يجوز أن تكون نافية ؛ لأن النافية ، لا يتقدم عليها ما في حيزها ، فلذلك لم يجز أن يكون التقدير : ما خلق من شر ، ثم هو فاسد في المعنى . وهو رد حسن صناعي ، ولا يقال : إن " مِنْ شرِّ " متعلق بـ " أعُوذُ " وقد أنحى مكي على هذا القائل ، ورده بما يقدم . و " ما " مصدرية ، أو بمعنى " الذي " . فصل في المقصود بشر ما خلق روى عطاء عن ابن عباس : يريد إبليس خاصة ؛ لأن الله تعالى لم يخلق أشرَّ منه ، وأن السورة إنما نزلت في الاستعاذة من السِّحر ، وذلك إنَّما يتم بإبليس وجنوده ، لعنهم الله ، وقيل : جهنم وما خلق فيها . وقيل : عام ؛ أي من شر كل ما خلقه الله وقيل : ما خلق الله من الأمراض ، والأسقام [ والقحط ] وأنواع المِحَنْ . وقال الجبائي والقاضي : هذا التقييد باطل ؛ لأن فعل الله - تعالى - لا يجوز أن يوصف بأنه شر ؛ لأن الذي أمر بالتعوذ منه هو الذي أمر به ، وذلك متناقض ؛ لأن أفعاله - تعالى - كلها حكمة وصواب ، فلا يجوز أن يقال : شرّ . وأيضاً : فلأن فعل الله لو كان شرَّا ؛ لوصف فاعله بأنه شر ، وتعالى الله عن ذلك . والجواب عن الأول : أنه لا امتناع في قوله : أعوذ بك منك ، كما رد عن الثاني أن الإنسان لم تألم وصف بالألم كقوله تعالى : { وَجَزَآءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِّثْلُهَا } [ الشورى : 40 ] ، وقوله تعالى : { فَمَنِ ٱعْتَدَىٰ عَلَيْكُمْ فَٱعْتَدُواْ عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا ٱعْتَدَىٰ عَلَيْكُمْ } [ البقرة : 194 ] . وعن الثالث : أن أسماء الله توقيفية لا اصطلاحية ، ومما يدل على جواز تسمية الأمراض والأسقام بأنها شرور قوله تعالى : { إِذَا مَسَّهُ ٱلشَّرُّ جَزُوعاً } [ المعارج : 20 ] . قوله : { وَمِن شَرِّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ } ، " إذا " منصوب بـ " أعوذ " أي : أعوذ بالله من هذا في وقت كذا ، كذا . والغسقُ : هو أول ظلمةِ الليل ، يقال منه : غسق الليل يغسق ، أي : يظلم . قال ابن قيس الرقيَّات : [ المديد ] @ 5366 - إنَّ هَـذا اللَّيْـلَ قـدْ غَسقَـا واشْتكَيْـتُ الهَـمَّ والأرَقَـا @@ وهذا قول ابن عباس والضحاك وقتادة والسدي وغيرهم ، ووقب على هذا : أظلم . وقيل : نزل ، قال : وقب العذاب على الكافرين : نزل . @ 5367 - وقَبَ العَذابُ عَليْهِـمُ فكَأنَّهُـمْ لحِقَتْهُمْ نَارُ السَّمُومِ فأحْصِدُوا @@ وقال الزجاج : قيل لليل غاسق ، لأنه أبرد من النَّهار ، والغاسق : البارد ، والغسق : البرد ؛ ولأنَّ في الليل تخرج السِّباع من آجامها والهوام من أماكنها ، وينبعث أهل الشرِّ على العبث ، والفسادِ ، فاستعير من الليل . قال الشاعر : [ البسيط ] @ 5368 - يَا طَيْفَ هِنْدٍ لقَدْ أبْقَيْتَ لِي أرقاً إذْ جِئْتنَا طَارِقاً والليلُ قَدْ غَسَقا @@ أي : أظلم واعتكر ، وقيل : الغاسق : الثُّريَّا ، لأنها إذا سقطت كثرت الأسقام والطواعين ، وإذا طلعت ارتفع ذلك . قاله عبد الرحمن بن زيد . وقال القتبي : القمر إذا وقب إذا دخل في ساهورة كالغلاف إذا خسف وكل شيء أسود فهو غسق . وقال قتادة : " إذَا وقَبَ " إذا غاب . قال القرطبي : وهو أصح ، لماروى الترمذي عن عائشة - رضي الله عنها - " أن النبي صلى الله عليه وسلم نظر إلى القمر ، فقال : " يا عَائِشةُ ، استَعِيذِي باللهِ من شرِّ هذا ، فإنَّ هذا هُوَ الغاسقُ إذا وقبَ " " ، قال : هذا حديث حسن صحيح . [ وقيل : الغاسق : الحيَّة إذا لدغت ، وكأن الغاسق نابها لأن السم يغسق منه أي : يسيل ، يقال : غسقت العين تغسق غسقاً ، إذا سالت بالماء ، وسمي الليل غاسقاً ، لانصباب ظلامه على الأرض ، ووقب نابها إذا قامت باللدغ ] . وقيل : الغاسقُ : كل هاجم يضر ، كائناً ما كان ، من قولهم : غسقت القرحة ، إذا جرى صديدها . قال ابن الخطيب : وعندي فيه وجه آخر ، لو أنه صح ، أن [ القمر في جرمه غير مستنير ، بل هو مظلم ، فهذا هو المراد من كوته غاسقاً ، وأما وقوبه فهو انمحاء نوره في آخر ] الشهر والمنجمون يقولون : إنه في آخر الشهر منحوس ، قليل القوة ؛ لأنه لا يزال نوره بسبب ذلك تزداد نحوسته ، فإن السحرة إنما يشتغلون في السحر الموروث ، للتمريض في هذا الوقت ، وهذا مناسب لسبب نزول السورة , فإنها نزلت ؛ لأجل أنهم سحروا النبي صلى الله عيه وسلم لأجل التمريض . قوله : { وَمِن شَرِّ ٱلنَّفَّاثَاتِ فِي ٱلْعُقَدِ } ، النَّفَّاثات : جمع نفاثة ، مثال مبالغة من نفث ، أي : نفخ ، واختلف فيه . فقال أبو الفضل : شبه النفخ من الفم بالرقية ، ولا شيء معه . قال عنترة : [ الوافر ] @ 5369 - فإنْ يَبْرَأ فلمْ أنفُثْ عليْهِ وإنْ يُفْقَدْ فحُقَّ لهُ الفُقُودُ @@ وقال الزمخشري : " النفخُ مع ريق " . وقرأ الحسن : " النُّفَّاثات " بضم النون ، وهو اسم كالنفاثة . ويعقوب وعبد الرحمن بن سابط وعيسى بن عمر وعبد الله بن القاسم : " النافثات " ، وهي محتملة لقراءة العامة . والحسن وأبو الربيع : " النفثات " دون ألف محاذر وحذر ، ونكّر عاسقاً وحاسداً ؛ لأنه قد يتخلف الضرر فيهما ؛ فإن التنكير للتبعيض ، وعرف النفاثات إما للعهد كما يروى في التفسير ، وإما للمبالغة في الشَّر . فصل في معنى النَّفَّاثات قال المفسرون : يعني السَّاحرات اللائي ينفثن في عقد الخيط حين يرقين عليها . قال أبو عبيدة : النفاثات هي بنات لبيد بن أعصم اليهودي سحرن النبي صلى الله عليه وسلم . قال الشاعر : [ المتقارب ] @ 5370 - أعُـوذُ بربِّـي مِـنَ النَّـافِـثَـا تِ في عِضَـهِ العَاضـهِ المُعْضِـهِ @@ وقال متمم بن نويرة : [ السريع ] @ 5371 - نَفَثْتُ فِي الخيْطِ شَبيهَ الرُّقَى مِـنْ خَشْيـةِ الجِنَّـة والحَـاسـدِ @@ فصل روى النسائي عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " مَنْ عَقَدَ عُقدةً ثُمَّ نفث فيها ، فقد سحر ، ومن سحر فقد أشرك ، ومن تعلَّق شيئاً وكُلَ إليْهِ " . واختلف في النَّفث عند الرقى : فمنعه قوم ، وأجازه آخرون . قال عكرمة : لا ينبغي للراقي أن ينفث ، ولا يمسح ، ولا يعقد . قال إبراهيم : كانوا يكرهون النفث من الراقي ، والصحيح الجواز ؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان ينفث في الرقية . وروي محمد بن حاطب أن يده احترقت ، فأثبت النبي صلى الله عليه وسلم ، فجعل ينفث عليها ، ويتكلم بكلام ، وزعم أنه لم يحفظه . وروي أن قوماً لدغ فيهم رجل ، فأتوا أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا : هل فيكم من راقٍ ؟ فقالوا : لا حتى تجعلوا لنا شيئاً ، فجعلوا لهم قطيعاً من الغنم ، فجعل رجل منهم يقرأ فاتحة الكتاب ويرقى ويتفل حتى برئ ، فأخذوها ، فلما رجعوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم ذكروا ذلك له فقال : وما يدريكم أنها رقية ؟ خذوا واضربوا لي معكم سهماً . وأما ما روي عن عكرمة فكأنه ذهب فيه إلى أن النفث في العقد مما يستعاذ به بخلاف النفث بلا عقد . قال ابن الخطيب : هذه الصناعة إنما تعرف بالنِّساء ، لأنهن يعقدن في الخيط ، وينفثن ، وذلك لأن الأصل الأعظم فيه ربط القلب بذلك الأمر ، وإحكام الهمَّة والوهم فيه ، وذلك إنما يتأتَّى من النساء لقلة عملهن ، وشدة شهوتهن ، فلا جرم كان هذا العمل منهن أقوى . قوله : { وَمِن شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ } ، الحسدُ : هو تمني زوال نعمة المحسود ، وإن لم يصر للحاسد مثلها ، والمنافسة : هي تمنّي مثلها وإن لم تزل من المحسود ، وهي الغبطة ، فالحسد : شر مذموم ، والمنافسة مباحة . قال صلى الله عليه وسلم : " المؤمن يغبط والمنافق يحسد " وقال : " لا حَسَدَ إلاَّ في اثنتينِ " يريد الغبطة . قال ابن عباس وعائشة - رضي الله عنهما - : لما كان غلام من اليهود يخدم رسول الله صلى الله عليه وسلم قربت إليه اليهود ، فلم يزالوا حتى أخذوا مشاطة من أثر النبي صلى الله عليه وسلم وعدة من أسنان مشطه ، فأعطاه اليهود ؛ ليسحروه بها صلى الله عليه وسلم وتولى ذلك ابن الأعصم ، رجل من اليهود . فصل في أن الله خلق الخير والشر هذه السورة دالة على أن الله خلق كل شر ، وأمر نبيه صلى الله عليه وسلم أن يتعوذ من جميع الشرور ، فقال - عز وجل - : { مِن شَرِّ مَا خَلَقَ } وذلك خاتمة ذلك الحسد تنبيهاً على عظمته ، وكثرة ضرره ، والحاسد عدو نعمة الله تعالى . قال بعض الحكماء : الحاسد بارز ربَّه من خمسة أوجه : أحدها : أنه أبغض كل نعمة ظهرت على غيره . وثانيها : أنه ساخط لقسمة ربه ، كأنه يقول : لم قسمت إلي هذه القسمة . وثالثها : أنه ضاد الله ، أي : أن فضل الله يؤتيه من يشاء ، وهو يبخل بفضل الله . ورابعها : أنه خذل أولياء الله ، أو يريد خذلانهم ، وزوال النعمة عنهم . وخامسها : أنه أعان عدوه إبليس . وقيل : الحاسد لا ينال في المجالس إلا ندامة ، ولا ينال عند الملائكة إلا لعنة وبغضاء ، ولا ينال في الخلوة إلا جزعاً ، وغمًّا ، ولا ينال في الآخرة إلا حزناً ، واحتراقاً ، ولا ينال من الله إلا بعداً ومقتاً . وروي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " ثلاثةٌ لا يُسْتَجَابُ دعاؤهُم : آكلُ الحرامِ ، ومُكثرُ الغِيبةِ ، ومنْ كانَ في قلبِهِ غلٌّ أو حسدٌ للمسلمين " . روى [ الثعلبي عن أبيّ ] - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " من قرأ المعوذتين فكأنما قرأ الكتب التي أنزلها الله تعالى كلها " وعن عقبة بن عامر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " ألا أخْبرُكَ بأفضل ما تعوَّذ بهِ المتعوِّذُونَ " ؟ قلت : بلى يا رسُول اللهِ ، قال : { قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ ٱلْفَلَقِ } و { قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ ٱلنَّاسِ } " والله أعلم .